لماذا تدابير الأمم المتحدة..؟ .. انهيار أجهزة الدولة السودانية (٩/ ٩)

لماذا تدابير الأمم المتحدة..؟ .. انهيار أجهزة الدولة السودانية (٩/ ٩)

بقلم : الصادق علي حسن.

دول أفريقيا وغالبية دول أسيا هي نتاج لتقسيم ممتلكات تحالف دول المحور المانيا وايطاليا وأراضي الإمبراطورية العثمانية خارج أوربا ، وذلك عقب خسارة تحالف دول المحور للحرب العالمية الأولى ،كذلك فان ميثاق الأمم المتحدة الصادر في عام ١٩٤٥م هو ذلك الإطار الذي بموجبه تم تحديد شكل الدولة الحديثة وماهية المواطنة والإلتزامات المحلية والدولية للدول المنضوية للأمم المتحدة بموجب ميثاقها المذكور . الأمم المتحدة بالنسبة للدول الأعضاء هي مرجعية الاعتراف الوحيدة بأي دولة في عالم اليوم،كما وهي التي تمنح صفة الدولة لمنسوبيها، إن ميثاق الأمم المتحدة بالنسبة للدول الأعضاء فيها مثل الدستور الوطني بالنسبة لمنسوبي الدولة ، وللتقريب للقارئ فان الأمين العام للأمم المتحدة يباشر مهامه المنصوصة عليها في ميثاق الأمم المتحدة مثل مسجل عام الإتحادات وأسماء الأعمال والشركات الخ في الدولة والذي يقوم بمباشرة إجراءات التسجيل ومنح الصفة للشركة أو الجسم القانوني وقبول الإيداعات وفقا للقانون الساري المفعول . الرأي العام السوداني يحتاج لمعرفة ميثاق الأمم المتحدة وان الأمم المتحدة تشترط لحصول أي دولة على أعترافها ان تتحقق فيها ثلاثة أركان وهي الأرض والشعب والسلطة ذات السيادة ، كما وقد تنشأ مشروعات لدول وتكون لها أركان الدولة الثلاثة ، ولكن لتحصل على وضعية الدولة العضوة بموجب ميثاق الأمم المتحدة لا بد من الطلب الطوعي للإنضمام . هنالك كيانات ودول قائمة ولكنها لا تمتلك صفة عضوية الأمم المتحدة كمثل حالة دولة فلسطين ، كما وان توظيف المعايير داخل أروقة الأمم المتحدة قد تتأثر بالأجندات والمصالح التي قد تؤدي إلى تأخير او تعطيل حصول دولة على عضوية الأمم المتحدة بالرغم من توافر الشروط مثال حالة دولة فلسطين ، كما وهنالك كيانات لها صفة المراقب بالأمم المتحدة مثل الكرسي الرسولي ودولة فلسطين والتي تلقت دعوة للمشاركة بصفة دائمة في دورات وأعمال الجمعية العامة وتحتفظ ببعثات مراقبة دائمة لدى مكتب الأمم المتحدة في جنيف بعد رحلة معاناة ومطالبات عديدة متكررة . السودان منذ إعلان استقلاله في الأول من يناير ١٩٥٦م قام بايداع وثائقه لدى الأمم المتحدة وحاز على الاعتراف وصفة الدولة المستقلة بموجب ميثاقها ، إن تدابير الأمم المتحدة هي من أجل الحفاظ على وجود الدولة نفسها وحمايتها وحماية شعبها ووحدة أراضيها وليس كما يتبادر في اذهان العوام من مفاهيم مخلوطة . وليس من المنطق أوالموضوعية في شئ قبول الدولة للإنضمام بموجب الميثاق وممارسة تجزئة نصوص الميثاق من قبل الأفراد بالدولة ومن دون الإطلاع على الميثاق نفسه ورفض حماية حق المواطن في الحياة من دون النظر للنتائج ومآلات الأوضاع بالبلاد وقد بدأت الدولة نفسها تفقد أركان تكوينها الثلاثة وتعددت فيها مراكز القوى كما ولا توجد بها الآن جهة وأحدة تحتكر العنف، ويعد احتكار العنف من اهم مقومات السيادة في الدولة ومؤخرا انقسمت سلطة الأمر الواقع في الدولة بقيادة (البرهان وحميدتي) إلى قوتين متحاربتين تمارسان على الشعب الأعزل كافة أصناف انتهاكات حقوق الإنسان وعلى رأسها جرائم الإبادة الجماعية والقتل الجزافي والتهجير القسري تحت شعاري تحقيق الكرامة والديمقراطية ، إن شعب السودان المتبقي الآن بالأماكن المتاثرة بالحرب صار مدفوعا إلى حمل السلاح للدفاع عن نفسه وعرضه بعد ان تخلى عن امواله وممتلكاته وصار كل هدفه الآن حماية حقه في الحياة والدفاع عن نفسه مما ينذر بنشوب الحرب الأهلية ، اما بالنسبة لجغرافية الأرض فقد صارت السيادة على الأرض موزعة على مراكز القوى وحملة البنادق ما بين قادة الجيش من جهة وقادة الدعم السريع من جهة أخرى وهنالك أراضي محررة خاضعة لحركة جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد النور وأراضي محررة خاضعة لحركة تحرير السودان بقيادة الحلو وأراضي معزولة خاضعة لمجموعات ومليشيات مسلحة جديدة ومتكاثرة بصورة يومية. هذه المبررات كافية لمطالبة الأمم المتحدة بالتدخل لإعمال تدابير حفظ الأمن والسلامة العامة لدولة من أعضائها وذلك قبل إعلان انهيارها وبتشظيها التام يتأثر الأمن والسلم الدوليين وبالتالي يأتي مبرر التدخل الأممي حتى ومن دون اي طلب أو ابطاء وقد حدث التشرزم والشتات بالدولة .
مما لا شك فيه، ان المراكز في داخل الأمم المتحدة غير متكافئة .فهنالك الدول الدائمة العضوية بمجلس الأمن الدولي وهي تمتلك حق النقض (الفيتو) كما وبين الدول الدائمة العضوية بمجلس الأمن الدولي الخمس هنالك الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة التأثير والنفوذ الأكبر ، ومع وضع الإعتبار لكل هذه الحقائق المعلومة بالضرورة، وطالما ان السودان دولة في منظومة الأمم المتحدة ولها كامل عضوية الدولة المستقلة، فلا فكاك من الأمم المتحدة وتدابيرها ، وعلى الشعب السوداني التعامل بواقعية طالما
لا مخرج للدولة من الأمم المتحدة ولو بالإنسحاب او المغادرة (بشأن الإنسحاب والمغادرة أنصح القارئ بالرجوع إلى موقع الأمم المتحدة والإطلاع على مبدأ ريبوس ستانتيباس) .إن المبدأ المذكور لا يجوز لأي دولة الانسحاب من معاهدة لا تتضمن احكام الانسحاب إلا إذا كان هنالك تغيير كبير وغير متوقع في الظروف، مثلا ، حينما يصبح موضوع المعاهدة متنازعا فيه او عندما يُرتكب اختراق مبادئ من قبل طرف المعاهدة . إن الرئيس الليبي الأسبق معمر القذافي كان مدركا للأوضاع وتصاريف الأمور داخل الأمم المتحدة،وبالرغم من نقده المتكرر للكثير من الممارسات داخل أروقة الأمم المتحدة كان يذهب لإجتماعات الجمعية العامة بنيويورك ويجأر بالشكوى من ممارسة ازدواجية المعايير وظل يتحدث للعالم عن الأوضاع والمعايير المختلة ، طالما لا بد من القبول ولا مناص عن الواقع، إن دولة روسيا عضوة بمجلس الأمن وصاحبة حق الفيتو وهي في حربها مع دولة أوكرانيا تجد انها محكومة بواقع الأمم المتحدة والإلتزامات الناشئة بموجب ميثاقها. لذلك الحديث عن الأمم المتحدة من دون الإطلاع على ميثاقها والإكتفاء بالسماع لن يساعد في التقييم والتقدير السليم . إن الأمم المتحدة حينما تتدخل لحفظ الأمن والحماية ليس لإنشاء أجهزة بديلة لأجهزة الدولة القائمة كما يظن الشخص العادي او يتبادر إلى ذهن بعض الجمهور،ولكن لمساعدة الدولة العضوة في منظومتها وحماية أجهزتها من الانهيار ، والآن أجهزة الدولة يتم تدميرها بواسطة الطرفين المتحاربين ، فهل المطلوب من شعب السودان المغلوب على أمره وهو يشهد التدمير والتخريب والتقتيل الجزافي التزام الصمت المطبق تجاه ممارسة طرفي الحرب العبثية المدمرة .
عقار يرى الحرب بعينيه من داخل مكتبه بالقصر الجمهوري، .
من الغرائب ان اسباب هذه الحرب ونتائجها المتوقعة كانت معلومة للكافة كما وان اندلاع الحرب كان بالنسبة لأي مراقب عن كثب مسألة وقت. في ١٢/ ٤/ ٢٠٢١م قبل اكثر من ستة أشهر من صدور قرارات البرهان في ٢٥/ ١٠/ ٢٠٢١م ذهب وفد من هيئة محامي دارفور إلى القصر الجمهوري والتقى الوفد المذكور بعضو مجلس السيادة مالك عقار ونقل الوفد لمالك عقار بان الحرب بالبلاد ستحدث طالما ظل الحال كما هو عليه وان الفوضى ستكون شاملة وغير مسبوقة وبالضرورة العمل على تلافي وقوع الحرب وكان وفد الهيئة يسرد في الحيثيات وما يمكن عمله قبل فوات وكانت المفاجاة ان مالك عقار نفسه يقول بان الحرب وأقعة وأقعة وانه يرأها بعينيه هاتين (وأشار إليهما) كما وقال عن نفسه بانه يسكن في منطقة بالخرطوم ومن السهل الخروج منها عند وقوع الحرب، ومن له جبل فليستعد ليتسلقه ومن له غابة فليستعد للذهاب إليها وانه عن نفسه فقد تجاوز في عمره السبعين عاما (في تلميح بانه اكتفى) خلاص ، ثم قال، ومن يجلس في السهلة فلن يكون في مأمن على نفسه . والآن غالبية الشعب في السهول والدروب والفيافي والمعابر ومالك عقار لا يزال في السلطة ببورتسودان والقتال تدور بين الطرفين المتحاربين على جماجم الأبرياء من أجل السلطة .
من يملك او يعرف أي تدابير أخرى ناجزة بخلاف تدابير الأمم المتحدة يمكن ان توقف الحرب والقتل الجزافي والدمار الشامل فليفصح عنها خاصة وان الحرب الكلامية بين الجنرالين التائهين انحدرت بهما إلى مستوى التنابز بالألفاظ النابية .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *