الثقّاف (3/3)

الثقّاف (3/3)

محمد احمد الفيلابي يكتب:

المقاربة والربط بين المرفوضات الثلاث.. الكوشة.. العنصرية.. والحرب

حاولنا أن لا نقف مكتوفي الأيدي والحرب تفتت ثوابتنا، وأن لا نرتقب غيرنا ليقيم فينا ميزان العدل الاجتماعي. إذ أن من يشعل الحرب يريدنا في فرقة حتى يسهل له أن يصطاد من بيننا من يساعده في إضعاف الجماعة. وله في ذلك منهاجه وأساليبه، وخططه. وقد كانت لهم سابق تجربة في تحويل التنوع والإختلاف إلى خلافات ونزاعات دموية.
كنا ندرك أنه عندما يكون الهدف هو ترسيخ قيمة، ورفض سلوك قائم، ذلك يعني أن نسعى إلى التغيير الذي يقوم على الاعتراف بوجود خلل، والشروع في غرس بذرة التخلّي عنه، ودفع الفئة المستهدفة إلى محاولة نزع مافي النفس من أفكار ومعتقدات معيقة للتقدم، وإحلال الأفكار السليمة محلها. ولن ننجح في الأمر ما لم نقوم بنصب ميزان التقييم من خلال رأي الدين، والمصلحة الشخصية، والمصلحة المجتمعية في ما هو سائد، وما نود أن يسود.
ولأن قيادة التغيير تقتضي تطوير رؤية، وتواصل فعّال، وبناء جماعة متحمسة، وتعليم مستمر مع تحسين النهج، عملنا على إختيار مجموعة الـ(165) شابة وطفلة، وعددناهم المجماعة المتحمسة، مع من يحضر البروفات. ذلك في ذات الوقت الذي عملنا فيه على إدارة المقاومة والتغلب على المعيقات باستخدام إستراتيجية التغيير لتوصيل الرؤية ونشرها في قالب مقبول، ولغة واضحة، وتصميم رسالة قادرة على الرسوخ.
يقول علماء الاتصال أن الرسالة الناجحة لابد لها أن تكون بسيطة، وواضحة وغير مكلفة، وفعالة، وقابلة للتداول. وعلى هذا النهج وهذه الفلسفة عملنا من خلال مشروعنا الذي وضعنا له إسماً هو الهدف نفسه.. (بناء سياج إجتماعي ثقافي ضد العنصرية وخطاب الكراهية والعنف). ذلك لأننا أردنا أن نحيط المجتمعات المستهدفة (إحاطة) بسياج قيمي يقيهم التفكك والانقسام والتشرذم. وأن نجعل منهم في بنهاية المشروع سياجاً ضد السلوكيات المؤدية إلى إشعال الفتنة الكامنة، تلك المبنية على رفض الأخر المختلف لوناً وعرقاً ومكانة إجتماعية.
بدأنا ببلورة مخطط وإطار منهجي لتناول رسالتنا من خلال مقاربة بسيطة ومفهومة للعلاقة بين ما هو مرئي ومرفوض (الكوشة)، وما هو محسوس (الحرب) ما بين الرفض والقبول كأداة تغيير كما في الخطاب السائد، وبين ما هو كامن فينا، شئنا أم أبينا (العنصرية ورفض الآخر).
لم نشتغل على مستوى إنزال المعلومات والنظريات لكأننا ندرك أكثر من سوانا، بل عملنا على طريقة التربويين الأوائل بإشعال المخيلات للربط بين المرفوضات الثلاث، وتركنا للرسالة المخبأة بعناية في الأغنيات أن تفعل فعلها في طرح السؤال الضمني حول ما يجمع بين الكوشة كملوث بيئي، والعنصرية (إن جاز لنا أن نعدها ملوثاً إجتماعياً)، والحرب كملوث حياة.
“الكوشة ما حبابا.. بتجلب الكآبة.. ريحتها وذبابها..”
أرتال النفايات والقمامة في كل مكان بين المساكن وفي الطرقات، وفي المسافة ما بين المدينة والأحياء الطرفية.. هذا ما يرى ويلمس.. فهو التلوث في عدة أشكال. ولماذا هي هناك تحديداً؟ وهذا هو المرفوض الأول.. وبالإجماع.
“من الرصاص يأتي البلاء
يهدم أساس كل الحياة
عطلة ومساس بالكبرياء.. لا لا للحرب لا
وضد النساء للعنف لا .. ضد الطفولة الحلوة لا”. وهنا المرفوض الثاني بإجماع العامة، ورفض الخاصة (دعاة الحرب).
ثم…
“العنصرية دي حاجة سيئة نهملا
والكراهية اللي بينا نبطلا”.
ونعني المرفوض الثالث الذي يحتاج أن ندعمه بالكثير من العمل.
في الأعمال الثلاثة من بين الـ(23) نص التي عملنا عليها، لم نكتف بالاشارات أعلاه.. بل أكدنا على إمكانية الحلول، بل حدّدنا الفاعلين..
ففي الكوشة..
“نوعي في البداية.. كيف نفرز النفايا؟
ونعرف الطريقة الصحيحة في النهاية
عرفة.. حرفة.. غاية.. سودانا يبقى آية”
و…
“نحن ما برانا.. كلكم معانا
ننقّي لي سمانا.. ونطرد السخانة ..
نزرع البيوت.. زهور وضل وقوت..
نزرع الشوارع.. نشجّع اللي زارع..
وبي شجر بيئتنا.. سودانا يبقى غابة.. يا حبابا .. يا حبابا”.
وفي العمل الثاني بعد الإشارة إلى ما تحدثه الحرب من.. “فُرقة ديار.. وقتل.. ونهب”..
نذهب إلى..
“نزحت جموع خافت تموت تنحو الأهل حيث الوفاء
فتحت قلوب قبل البيوت ..
مسحت دموع من دون رياء.. ولا لا للحرب لا”.
الإشارة إلى دور الايواء المجتمعي كفضيلة تماسك نأبى أن نتخلى عنها. وصورة أذهلت العالم، حين لم تنصب الخيام للنازحين، مثلما هو الحال في كل العالم.

وفي العمل الثالث كان لابد من الاشارة إلى أن الله هو من أوجدنا على إختلاف.. وأنه علينا أن لا نزيد من مساحة الرسائل السالبة من خلال تداولها وإعادة نشرها.
و…
“ما نعيّر زول بلونو أو لسانو ومهنتو
ما نقلل قدرو كونو بيختلف
أصلو ربنا هو الخلقنا بنختلف
فلنستشف الحكة في إنو نختلف
ولنعترف بالتعدد وبالتنوع نحتفي ما ننكفي
نرفض بعض.. نكره بعض.. نقتل بعض
مدة إيدك أو لسانك بالأذي ياخ أجلا
العنصرية دي حاجة سيئة نهملا
والكراهية اللي بينا نبطلا
فينا كامنة محبة هائلة نفعلا..
قوم فعلا.. يلاكي قومي نفعلا
وإن استلمت رسالة سالبة أهملا.. ما تنقلا
وإن استلمت رسالة موجبة.. بيها أعمل.. ورسّلها.. وصّلا”.
وفي أعمال أخرى ومثلما أكدنا على ضرورة الحفاظ على البيئة الطبيعية، والحفاظ على الموارد، قلنا عن ضرورة إحتمال الآخر، وقبوله، والصبر على المكايد. وأنه علينا أن لا ننسي أن هناك من يعمل على تفريقنا..
“حقو ندرك إنو بينا البستثير
نعرة العنصر .. عشان تبقى بيناتنا المسافات والخلافات والمحاذير
وما نعير حكمة الخالق نظر
خلق البشر.. ألوان وأشكال قبايل شان ندير
هذا التعدد بي حصافة.. ما نغير من بعض..
لا نستهين بي بعض.. بل نستعين بي بعض
نبني باكرنا النضر
شان وليداتنا البجوا بي ورانا..
يلقوا سودانا يسع كل البشر
دون تعنت.. دون أنانية عنصرية.. ودون خلاف..
دون حرب”
ليس هيناً ما تعلمناه من التجربة. ولن يتوقف سيل الكتابة في الأمر لأن في ظننا أن الحاجة كبيرة للعمل في هذا المضمار حين تتوقف الحرب، ويبدأ الناس في ترميم حياتهم من جديد.

كمبالا 23 مارس 2024

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *