تهريب الذهب السوداني..يتواصل رغم الحرب!! (1)
تحقيق – رقية الزاكي
بتاريخ التاسع من مايو من العام 2019م، وبعد 28 يوماً فقط من سقوط نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، ألقت قوات الدعم السريع التي كانت تتبع للجيش آنئذ القبض على طائرة مروحية في منطقة “قبقبة” النائية في صحراء ولاية نهر النيل وعلى متنها 241 كجم من الذهب، منها 93 كجم فقط حاصلة على ترخيص بالتصدير.
تلك الحادثة أثارت جدلاً واسعاً وفتحت الأعين على المتوارى خلف تهريب الذهب بواسطة شركات مصرح لها بالعمل في السودان مثل شركة مناجم المغربية صاحبة الشحنة المضبوطة والتي كانت في طريقها لخارج البلاد.
فالرائج قبل هذه الحادثة أن تهريب الذهب كان يقوم به تجار ربما يساندهم نافذون في النظام البائد لكن الحادثة فتحت باب التكهن لضلوع حكومات كاملة في عمليات نهب الذهب من السودان، وربما ذلك ما وضع حكومة المملكة المغربية حينها في موقف صعب إضطر حينها سعد الدين العثماني رئيس الحكومة المغربية، أن يسارع بنفي اَي صلة لحكومته بالطائرة المضبوطة ويقول إنه: “لا علاقة للموضوع بجهات سياسية مغربية، ولا بالدولة، ولا يجب أن نحمل الموضوع حمولات سياسية وإن الأمر يتعلق بعملية تدبيرية لشركة تشتغل على الأرض، وهي عملية اقتصادية بحثة، لها ما لها وعليها ما عليها، ويجب أن نتركها في ذلك الإطار”.
لم تكن حادثة مروحية شركة مناجم الأولى فقد سبقتها شحنات كبيرة تم ضبطها وهي في طريقها للخارج غير أن تدخل نافذي النظام البائد (نظام البشير) كانوا يتدخلون دوماً للسماح لتلك الشحنات بالمغادرة للخارج لدرجة أن شحنة منها خرجت نحو تركيا بأمر الرئيس المخلوع حسب ما تواتر من معلومات في ذاك الوقت.. ومع ذلك لم تكن العملية الأخيرة، فتهريب الذهب بكميات صغيرة وكبيرة مستمر حتى يومنا هذا سيما وأنه اصبح مورداً للحرب الدائرة في السودان منذ أكثر من عام.
ومنذ دخول التعدين عن الذهب كمورد للدولة عقب انفصال جنوب السودان وتراجع إنتاج النفط بسبب ذهاب أغلب الحقول للدولة الجديدة ظلت الحكومة تحاول السيطرة على تهريبه غير أن التخبط في السياسات واستغلال نفوذ قيادات الدولة حال دون ذلك، فقد أقر وزير المعادن أحمد محمد صادق الكاروري أمام البرلمان السوداني في خواتيم العام 2014م بأن 75% من انتاج الذهب يتم تهريبه للخارج وأن 90% من إنتاج التعدين التقليدي خارج سيطرة الدولة وحينها إتهم نواب بالبرلمان الحكومة بالتسبب في تهريب الذهب وطالبوا بمحاسبة وزير المالية على تبديد مليار دولار بسبب السياسات الخاطئة.
وظل موقف بعضاً من نواب البرلمان صارماً حيال عملية تهريب الذهب المستمرة وإن كان عدداً منهم يعملون في القطاع وغير مستبعد تورط فئة وسطهم في ذات العملية.
وهذا ما ذهب اليه عضو البرلمان المحلول مبارك النور، العضو عن دائرة تقع شرقي البلاد، اى في إحدى نوافذ التهريب.
النائب البرلماني السابق مبارك النور قال لـ(سودان تايمز): “الذي يتم بالمطار هو جريمة منظمة لترحيل الذهب بطرق ملتوية وغير رسمية وهذا يتطلب تكوين لجنة تحقيق تؤدي القسم وتحقق مع كل من يعمل بالمطار من موظفي الإستقبال مروراً بكل العاملين بالمطار وحتى مدير المطار نفسه، لابد ان يتم التحقيق معه والتحقيق لا يستثنى أحد مهما كانت مكانته ولابد من عقاب رادع لكل المتورطين.والنور طالب كذلك بتبديل العاملين بالمطار كل ثلاثة أشهر خاصة الأجهزة النظامية”.
ومع استمرار سلسلة حلقات الفساد، بتهريب الذهب، بدأت تظهر بعض المواقف من حين لآخر، مواقف ذات صبغة خارجية، تنبئ بالاعتراف بخطوة الموقف..
استمرار تهريب الذهب، ربما دفع الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي للتقصي حول ذهب السودان المنهوب فقد أكد وزير الاعلام السوداني حمزة بلول في سبتمبر من العام 2021م أن السودان فقد نحو 267 طناً من الذهب خلال 7 سنوات عن طريق التهريب ودون حمزة بلول، على صفحته عبر “فيسبوك” نقلا عن تقرير مشترك أعدته لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لإفريقيا، وفريق الاتحاد الإفريقي، على لسان رئيس الآلية الوطنية لمحاربة التدفقات المالية غير المشروعة، أن معدل تهريب الذهب خلال 7 سنوات بلغ 80 كجم يومياً، مبيناً أن تهريب الذهب جرى خلال الأعوام 2013 – 2018، وفقاً للتقرير الذي تحدث عن الوضع الراهن لمكافحة التدفقات غير المشروعة.
وأشار التقرير إلى وجود عجز 13.5 مليار دولار بين بيانات الحكومة السودانية والدول التي استوردت الذهب والنفط من السودان، خلال ذات الفترة.
وبما أن الحديث عن تهريب الذهب السوداني تشترك فيه عدد من الدول فقد أًصبح الأمر شأناً دولياً تتقصى حوله كثير من المنظمات العالمية لما له من تأثيرات سالبة على الأمن والسلم الدوليين خاصة بعد منح الرئيس السوداني المخلوع نظيره الروسي فلادمير بوتين امتيازاً للتعدين ودخول مجموعة فاغنر المرتبطة بالكريلمين الروسي في التعدين بصور غير مشروعة وذلك ما أثبتته عدد المنظمات الدولية.
وتشير تقارير متعددة إلى سيطرة عدد من الجهات الأمنية على الذهب في السودان، وتتهم وسائل إعلام غربية قادة عسكريين بالضلوع في تهريب الذهب إلى خارج البلاد.
ويقول معهد ستوكهولم للسلام إنه منذ تسعينيات القرن الماضي، تسيطر على الموارد الطبيعية في السودان الأمن والنخب المتمركزة في الخرطوم، مثل قوات” الدعم السريع” التي سيطرت على مناطق تعدين الذهب.
ووفقاً لتقرير لصحيفة نيويورك تايمز إنه منذ استيلاء الجيش السوداني على السلطة في أكتوبر 2021 كثفت “فاغنر” شراكتها مع قائد “قوات الدعم السريع”، بينما تشير تقارير متعددة لشراكات متعددة للجيش السوداني مع شركات أجنبية تنقب عن الذهب في السودان مثل شركة ميروقولد التي طالتها إجراءات لجنة مكافحة الفساد وازالة التمكين واسترداد الأموال المنهوبة، لكنها غيرت إسمها لشركة الصولج بعد انقلاب قائد الجيش على حكومة الفترة الانتقالية، وكانت الشركة قد نالت امتيازات متعددة ومخالفة للقانون بأمر من الرئيس المخلوع كما دخلت شركة أسوار الأمنية التابعة لهيئة الاستخبارات العسكرية كشريك لتوفير خدمات لوجستية تمثلت في تسيير رحلات جوية لصالح الشركة وتوفير الحماية اللازمة والدعم اللوجستي ليثبت لاحقاً ضلوع الشركة في تهريب الذهب من خلال قضية القبض على ثلاثة أفراد منتمين للشركة خلال عملية تهريب 7 كيلوجرامات من الذهب يقودها رئيس الأمن والسلامة بالشركة الروسي الجنسية وما تبع ذلك من تحقيقات شملت 31 شخصا يعملون بالشركة التي ارتبطت بصورة مباشرة مع فاغنر الروسية.
خلال الفترة التي أعقبت توقيع اتفاق سلام جوبا مع حركات الكفاح المسلح تمددت عدد من الفصائل المسلحة والكيانات الامنية لبسط سيطرتها على عدد من المناجم بعدد من الولايات وفرض شراكات بالقوة مع عدد من شركات التعدين التقليدي بدعوى توفير الحماية خاصة حركة جلهاك وحركة جيش تحرير السودان تحت قيادة مني أركو مناوي كما تسيطر الحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو على مناجم بجنوب كردفان، ويسيطر الدعم السريع على كثير من المناجم في دارفور وصحراء الشمالية وخلال الأيام الماضية أحبطت سلطات الجمارك بمطار بورتسودان “العاصمة المؤقتة للسودان بعد الحرب” تهريب 22 كيلوجرام من الذهب كانت في طرقها للخارج واگد مصدر أمني تحدت لـ(سودان تايمز) مفضلاً إخفاء هويته أن الكمية المضبوطة كانت تابعة لقيادي بارز في واحدة من الحركات الموقعة على اتفاق جوبا والتي تنحاز حالياً للقتال مع الجيش السوداني.
وفي ذات الاطار، مؤخراً، سربت وثائق، تشير إلى ضلوع رجال أعمال وقادة نافذون على علاقة بعمليات ثنائية، وتضم الأسماء شخصيات معروفة من رجال المال والاعمال وقيادة رفيعة داخل المؤسسة العسكرية.
التسريب نشر وثيقة تشير لتخصيص طيران بعيداً عن أعين كل الضوابط المعلومة في مجال النقل الجوي، والخطوة بالطبع تحتاج الى امكانيات مهولة توفرت لهم من عائدات تهريب المورد الغنى.
تمويل الحرب:
أكد عدد من الخبراء استخدام الذهب في تمويل الحرب الدائرة الآن في السودان كما اشارت تقارير أممية إلى أن الدعم السريع يمول حربه من خلال الذهب السوداني الذي يتم تهريبه للامارات العربية ومنها لوجهات أخرى ويقول تقرير صادر عن الامم المتحدة إن قوات الدعم السريع تعول على الذهب المهرب من السودان وعلى علاقتها بمجموعة فاغنر الروسية لتمويل معركتها الدائرة للسيطرة على السودان ويكشف خبراء أمميون في تقرير اطلع عليه (سودان تايمز) عن أن الذهب المهرب من السودان يصل إلى أسواق الإمارات العربية باستمرار، وأكد الخبراء ان تاجر ذهب موال لقوات الدعم السريع مقيماً في دبي تسلم في مايو 2023م بعد شهر واحد من نشوب الحرب 50 كيلوجراماً من الذهب وبعدها تسلمت قوات الدعم السريع منظومة الدفاع الجوي المحمولة والتي تتألف من صواريخ بعيدة المدى دخلت عبر ليبيا بدعم من خليفة حفرت الموالي لقائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي).
وفِي بداية الحرب كانت قوات الدعم السريع قد سيطرت على مصفاة الذهب بالخرطوم وقامت بنهب الذهب الموجود بها كما سيطرت على مبنى بنك السودان الذي يخزن به الذهب التابع للحكومة، ولا يستثنى الجيوش كذلك من تمويل الحرب عبر الذهب فقد تم تصدير كميات كبير خلال فترة الحرب فضلا عن شكوك حول تهريب كميات اخرى لصالح مليشيات تقاتل بجانب القوات المسلحة.
ضرب للاقتصاد:
ويؤكد الخبير الاقتصادي هيثم محمد فتحي لـ(سودان تايمز) أن تهريب الذهب إزداد بكثرة بعد نشوب الحرب في السودان وخروج مطار الخرطوم من الخدمة فضلا ًعن سيولة الأوضاع الأمنية خاصة على الحدود الواسعة مع دول الجوار وفتح معابر خلوية جديدة مع بعض الدول تخلو من الرقابة الحكومية بالاضافة لسيطرة الدعم السريع على عدد من الولايات الحدودية مع دول الغرب الأفريقي ما يجعل تهريب الذهب متاحاً بكثرة لافتاً لوجود تقرير يكشف عن تهريب ذهب يعادل نحو 500 مليون دولار خلال العام 2023م مؤكدا أن 70% من انتاج الذهب يتم تهريبه للخارج.
وينبه هيثم إلى أن صادرات الذهب في آخر إحصائية رسمية كانت في العام 2022 بلغت 2 مليار ومآئتي مليون دولار مثلت 45% من صادرات البلاد لافتاً إلى ان سلال الانتاج في قطاع الذهب لم تتأثر في ظل وجود مليوني شخص يعملون في انتاج الذهب في 14 ولاية غير أن الصادرات عبر القنوات الرسمية تناقصت بصورة كبيرة ما يعني أن هناك كميات كبيرة جداً يتم تهربها خارج الاطر القانونية.
ويرمي هيثم بعض اللوم على الجهات الرسمية التي تضع السياسات لإنتاج وتصدير الذهب ويقول: إن فروقات أسعار الذهب بين الداخل والخارج فضلاً عن الرسوم والضرائب التي تفرضها الدولة على المنتجين تتسبب مباشرة في خروج الذهب عبر التهريب مقدراً ما يتم تهريبه من الذهب بقيمة 4 مليار دولار سنوياً.
مصدر في سوق الدهب دبي قال: إن وارد الذهب من السودان لم ينقطع بسبب الحرب، وتابع الذهب يصل دبي يوميا عبر تجار وشركات.
وقال المصدر الذي اشترط عدم إيراد اسمه، ربما زادت الحرب من وتيرة تهريب الذهب ووصوله للأسواق الخارجية القريبة خاصة أسواق مصر والإمارات.
وقد أكد عدد من تجار الذهب بسوق الذهب في دبي كذلك أن الذهب السوداني لم ينقطع خلال فترة الحرب وأن سوق دبي تحديدا ظل يستقبل كل يوم ذهباً من السودان.
وقال أحد التجار مفضلاً التكتم على هويته إنه ظل يستقبل ذهباً من السودان بواسطة شركات وأفراد طوال فترة الحرب بالسودان نافياً علمه بأن تكون الكميات خارجة بالطرق القانونية أو مهربة مبيناً أن بورصة دبي ظلت تعرض على الدوام ذهباً مستورداً من السودان نافياً علمه بأن يكون موردي الذهب السوداني تابعين للجيش أو لقوات الدعم السريع مبينا أنه يعرض بواسطة شركات معتمدة لدي بورصة الذهب.
نواصل…