حرب السودان .. تضاعف معاناة جنوب السودان .. تراجع قيمة الجنيه

حرب السودان .. تضاعف معاناة جنوب السودان .. تراجع قيمة الجنيه

تقرير : عاصم اسماعيل
يشهد جنيه جنوب السودان تراجعا كبيرا امام العملات الاجنبية في البنك المركزي والسوق الموازية، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار وارتفاع مستوى المعيشة حيث ناهز سعر الدولار 1620 جنيه جنوب سوداني في السوق السوداء، مع وصوله الى مستويات 1612 جنيه في البنوك ، فيما قال اقتصاديون من الصعب ايقاف تراجع قيمة عملة دولة جنوب السودان لعدم وجود احتياطات كافية للتدخل في السوق، واكدوا بوجود ثلاث مستويات لسعر العملة في السوق “سعر البنك المركزي ، والمصارف التجارية ، والسوق الموازية” في الوقت الذى تحول فيه كبار التجار الى مضاربات في سعر العملة.

وأعلن مسؤول في مصرف جنوب السودان المركزي ل”العربي الجديد” “مفضلا حجب اسمه” نفاذ احتياطات البلد من العملة الأجنبية مع انهيار موارده النفطية، ما يحول دون إيقاف تراجع قيمة عملته.
وسبق ان قال مسؤولون في البنك المركزي بدولة الجنوب انه من الصعب وقف تدهور سعر الصرف السريع لأننا لا نملك احتياطات للتدخل في السوق.
واكدوا ان اقتصاد جنوب السودان يعتمد بصورة اساسية على مورد النفط الذى تضرر بشكل كبير في الآونة ووضعت شروطا تعجيزية لحكومة دولة جنوب السودان من قبل قوات الدعم السريع من بينها دفع رسوم لعبوره عبر انبوب النفط الواقع شمالا الامر الذى بات يهدد استمرار انتاجه وضخه في الانبوب الذى يربط بين جنوب وشمال السودان والذى تعرض في الآونة الاخيرة الى محاولات تخريب.
واعلنت وزارة الطاقة والنفط السودانية عدم قدرتها في اعادة تشغيل الخط الناقل لنفط جنوب السودان وقالت في خطاب موجه لشركات النفط العاملة بدولة جنوب السودان عن عدم قدرتها تشغيل انبوب النفط الجبلين -بورتسودان التابع لشركة بابكو “بترو دار” سابقا والتي تم تقييد تدفق النفط فيها نتيجة للتبلور الذى وقع للأنبوب الناقل والتي شهدت عمليات عسكرية، وقالت حكومة السودان انها لم تستطع الوصول لإصلاح الخط الناقل نتيجة للحرب الدائرة في تلك المنطقة.
وقالت وزارة الطاقة والبترول في حسابها على منصة “اكس” ان حالة الحرب هى التي تمنعنا من الايفاء بالالتزامات في تسليم النفط الخام عبر شركة “بابكو” لمحطة بشائر الواقعة في ميناء البحر الاحمر واضافت الوزارة مازلنا نتوقف عن اعادة نظام النقل في شركة بابكو واعادته الى الوضع التشغيلي.
وفى الاثناء قال المحلل السياسي من جنوب السودان اندريا ماج في تصريح صحفي ان اقتصاد جنوب السودان يعتمد على عائدات تصدير النفط بما يعادل 95 % وان أي وقف لتصدير النفط يشكل كارثة على اقتصاد البلاد ، وقال مصدر مطلع بحكومة الجنوب ان انتاج النفط لن يتوقف، الا انه اشار الى امكانية نقله عبر النقالات الى موانئ بعض الدول الافريقية المجاورة رغم ارتفع تكلفة ذلك.

ولكن الخبير الاقتصادي محمد الناير قال ل”سودان تايمز” اذا تم تنفيذ وقف تصدير النفط من جانب جوبا فان الامر سوف يؤثر سلبا على الاقتصاد السوداني الذى ظل يتلقى شهريا 15 مليون دولار عبارة عن رسوم تصدير عبر الموانئ السودانية بعد ويقول لا توجد أي منافذ اخرى لتصديره ولن تستطيع جوبا تخزينه وليس هنالك امكانية مد خطوط انابيب جديدة عبر دول اخرى نسبة للطبيعة الجغرافية وان كانت فان الامر يحتاج الى محطات ضخ ستكون تكلفتها عالية واضاف قرار وقف ضخ النفط سيلقى بظلال سالبة على البلدين حيث تفقد حكومة السودان رسوم العبور التي تم تمديد اتفاقها مع جوبا لعبور نفط الجنوب الى 24.5 دولار لبرميل النفط .
ويضخ نفط جنوب السودان عبر عدة محطات تبدا من محطة ضخ الجبلين ونعيمة بولاية النيل الابيض ثم الى محطة العيلفون شرقي العاصمة السودانية الخرطوم عبر خطوط انابيب تمتد على مسافة الف كيلو متر الى ميناء بشاير بولاية البحر الاحمر. وتعتبر محطة ضخ العيلفون المحطة الرابعة والتي استولت عليها قوات الدعم السريع في اكتوبر من العام الماضي قبل ان تسلمها الى فريق هندسي من شركة بشاير لاستئناف ضخ النفط.
ويبلغ أجمالي انتاج جنوب السودان من النفط 170 الف برميل يوميا متراجعا عن 245 الف برميل بسبب الحرب الاهلية التي اعقبت انفصاله عن السودان في العام 2011م حيث كان انتاجه 350 الف برميل يوميا.
ويمر نفط جنوب السودان بالأراضي السودانية عبر محطتي المعالجة والضخ الجبلين ونعيمة بولاية النيل الابيض قادما من ابار حوض ملوط ومحطة المعالجة والضخ فى “هجليج” بولاية جنوب كردفان من حقل ولاية الوحدة.
وتراجعت قيمة الجنيه بدولة الجنوب بحدة في الأسابيع الأخيرة مع تصاعد التضخم. وفقد خلال الشهرين الماضيين نحو نصف قيمته أمام الدولار مما أدى لارتفاع أسعار المواد الغذائية والبضائع الأساسية الأخرى.
ولكن مسؤولون جنوبيون طالبوا البنك المركزي البحث عن طرق اخرى للاقتراض ودعم الاحتياطات من العملة الصعبة.
وبسبب تراجع قيمة الجنية وملاحقة الازمات الاقتصادية لدولة الجنوب أقال رئيس جنوب السودان سلفا كير، وزير المالية والتخطيط الاقتصادي الذي تم تعيينه قبل خمسة اشهر. وربط متحدث باسم “سلفاكير” بين الإقالة وبين التراجع الأخير في قيمة العملة المحلية.
وقال المتحدث للصحفيين حين سئل عن سبب إقالة وزير المالية من منصبه “رأيتم ما يحدث في السوق، أعني ارتفاع الدولار الأمريكي مقابل جنيه جنوب السودان”، بحسب ما نقلته وكالة “رويترز”.
ويعتمد اقتصاد البلاد على مبيعات النفط الخام، والتي تعثرت بفعل حرب أهلية عصفت بالبلاد بين عامي 2013 و2018، بعد فترة وجيزة من انفصالها عن السودان عام 2011. الا ان حرب السودان راكمت الازمات الاقتصادية واصبحت تهدد اقتصاد الجارة الجنوبية التي تعتمد بنسبة 90 % على ايراداتها من مبيعات النفط.
محللون يرون ان قرار الاقالة لن يوقف التحديات الاقتصادية التي تواجهها البلاد وارجعوا الامر الى عدم وجود إصلاح اقتصادي، وما دام عائدات النفط لا تعزز الزراعة والقطاعات الإنتاجية الأخرى فلن يكون هناك تحسن أبدًا في الاقتصاد.
ويقول الاقتصادي ديفيد جاك ل”سودان تايمز” ان التجار المحليين وبسبب صعوبة الحصول على الدولار تحولوا الى مضاربات في العملة، واشار الى إن ذلك يعبر عن مدى امكانية التجار في تسيير دفة السوق ويفتح الباب ايضا لتساؤلات كثيرة للمسؤولين نسبة لتداول العملات الأجنبية في السوق دون رقابة او سياسات اصلاحية يمكنها ان تكبح جماح ارتفاع سعر الدولار، واضاف هنالك بالطبع مستفيدين على كل المستويات سوى كانوا مصرفيين او ماليين.
واكد جاك في ظل عدم وجود اصلاحات حقيقية واستمرار الحروب الاهلية الداخلية لم تنجح سياسات البنك المركزي في وقت سابق والتي استمر في ضخ حوالى 5 ملايين دولار اسبوعيا في محاولة لدعم الاقتصاد واضاف لكن تلك المبالغ يبدو انها ذهبت لجيوب بعض التجار وبدأوا يتحكموا في السوق دون حسيب او رقيب.
وبعد سيطرت قوات الدعم السريع على مناطق متاخمة لدولة جنوب السودان تتميز بإنتاجها للنفط وتمويل اقتصاد جوبا ، بدأت المخاطر تلاحق القطاع بما في ذلك منشئات ملحقة به والواقعة داخل الاراضي السودانية مع صمت حكومة جوبا عن تلك الاحداث.
وبعد مرور شهر شعر مسؤولو حكومة جوبا أن القطاع النفطي الذي يعتمد عليه هذا البلد في تسيير دفة الاقتصاد بنسبة 98 %، يقع على مرمى الأوضاع العسكرية الملتهبة في السودان.
ورغم تواصل قوات الدعم السريع مع حكومة جنوب السودان، إلا أن الأولى وضعت شروطًا أمام جوبا في ذلك الوقت، وتمثلت هذه الشروط في تجميد الإيرادات المالية التي تدفعها جوبا إلى الخرطوم نظير استئجار المنشآت السودانية ووضعها في حساب منفصل، والإفراج عنها عندما يتم تشكيل حكومة مدنية في السودان.
أما الشرط الثاني يتمثل في حصول الدعم السريع على نصف الإيرادات مقابل الاحتفاظ بها إلى حين تكوين حكومة جديدة في البلاد وإيداعها في حساب الخزينة العامة، فيما جاء الخيار الثالث أكثر تصعيدًا من جانب قوات الدعم السريع، والتي حذرت جوبا من المضي في الخيار الأحادي واستمرار الأوضاع في قطاع النفط كما كان قبل الحرب مع التلويح بإغلاق المحطات المنتجة قسريًا.
وتغذي إيرادات نفط جنوب السودان الاقتصاد في هذا البلد بصورة كبيرة، وتعتمد عليها الحكومة في جوبا في تمويل تسيير المؤسسات الحكومية إلى جانب توفير بعض الخدمات مثل الكهرباء والوقود.
وتقع أجزاء واسعة من المنشآت النفطية في السودان تحت سيطرة قوات الدعم السريع.
ينتج جنوب السودان من النفط يوميًا ما يقارب (124) ألف برميل، حيث انخفض الإنتاج من 350 الف برميل يوميا بسبب الحرب التي نشبت بين الفصائل المسلحة داخل دولة جنوب السودان خلال الفترة التي تلت انفصال دولة الجنوب

وقال اقتصاديون ان سعر الصرف هذا يعد مؤشرا صارخا على التحديات الاقتصادية التي يواجهها المواطنون في جنوب السودان، حيث أصبح الحصول على أجر معيشي صعبا بشكل متزايد.
ولا يزال جنوب السودان يعاني من الفقر على الرغم من الاحتياطيات النفطية الضخمة. ووصل معدل الفقر في جنوب السودان خلال السنوات الأخيرة إلى اكثر من 68 في المائة، حيث يعيش أكثر من 7 ملايين من سكان البلاد البالغ تعدادهم نحو 11 مليون نسمة بأقل من دولارين في اليوم.
ويرى المختص في الشأن السوداني محمود ابراهيم ل”سودان تايمز” ان دولة جنوب السودان ظلت تعتمد على السودان بعد انفصالها على اكثر من 70 سلعة من بينها سلع غذائية وانتاج محلى من الذرة والخضروات ولكن التعقيدات التي حدثت في السودان حولت المشهد الاقتصادي بدولة الجنوب الى جحيم في ظل الازمات المتراكمة والتي اثرت على مواطن دولة جنوب السودان وقال ان الفجوة التي حدثت انعكست تلقائيا على دولة جنوب السودان عبر اللجوء اليها عبر الحدود المفتوحة وهذا بالتأكيد سيزيد من اعباء دولة جنوب السودان المأزومة اساسا مع سهولة الحركة بينهما واثرت سلبا على معاش الناس.
جنوب السودان تمتلك مساحات كبيرة من الأراضي الخصبة وايضا مناطق شاسعة للاستزراع السمكي يمكنها تغطية كل احتياجات السكان هناك وتحقيق فائض للتصدير.
وتتميز أراضي جنوب السودان بالتنوع، إذ تشكل المراعي 40% والأراضي الزراعية 30% والغابات الطبيعية 23% والسطوح المائية 7% من مجموع مساحة الدولة.
إضافة إلى ذلك يتجاوز عدد سكان جنوب السودان حاجز العشرة ملايين نسمة ما يعني غياب ظاهرة الكثافة السكانية الأمر الذي يفسح المجال للاستفادة من مساحات شاسعة من البلاد المترامية الأطراف لقطاعات الزراعة والصناعة والخدمات. ولدى جنوب السودان حدود مشتركة مع عدد من البلدان تمتد لنحو 2200 كيلومتر مع السودان و990 كيلومتر مع جمهورية أفريقيا الوسطى و439 كيلومتر مع جمهورية الكونغو الديمقراطية.
وفي عام 2021، قدم برنامج الأغذية العالمي مساعدات غذائية وتغذوية إلى 5،9 مليون شخص، بما في ذلك أكثر من 730 ألف شخص في جنوب السودان استفادوا من أنشطة سبل كسب العيش.
في مارس من العام 2021م لفت غوتيريس الانتباه إلى أنّ جنوب السودان يواجه أعلى معدل نقص للأمن الغذائي منذ استقلاله، قبل عشر سنوات. وقال “إنّ قرابة 60% من سكّان جنوب السودان يواجهون الجوع. وأسعار الأغذية باتت مرتفعة للغاية لدرجة أصبحت فيها، تكلفة صحن من الأرز أو الحبوب، تصل إلى أكثر من 180% من معدل الراتب اليومي. كما فاقم العنف والظروف المناخية والجائحة من انعدام الأمن الغذائي، ودفعت سبعة ملايين شخص إلى انعدام الأمن الغذائي الحاد”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *