الخرطوم تتوجس من مرض الدفتريا

الخرطوم تتوجس من مرض الدفتريا

يتصاعد القلق في ولاية الخرطوم من عودة مرض الدفتيريا بعد عقود من اختفائه، في ظل الانهيار المتسارع للمنظومة الصحية وتدهور بيئة الوقاية. فقد كشفت أخصائية الباطنية والأوبئة وعضو اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان – فرعية خصوصي أم درمان – الدكتورة أديبة إبراهيم السيد، عن تسجيل خمس عشرة إصابة مؤكدة بالمرض في منطقة الجريف شرق، بينها ثلاث حالات وفاة خلال ثلاثة أيام فقط.

وقالت الدكتورة أديبة في حديثها لـ«الجريدة» إن الأوضاع الصحية تنذر بـ انتشار وبائي وشيك شرق النيل إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة، مؤكدة أن الوباء في ازدياد مطّرد، ويتطلب استجابة فورية من وزارة الصحة والجهات المختصة.

 

 

مرض قاتل إذا تأخر العلاج

أوضحت الدكتورة أديبة أن الدفتيريا من الأمراض البكتيرية الخطيرة التي تصيب الحلق والأنف وقد تمتد إلى الجلد، وتنتج عن البكتيريا الوتدية الخناقية. وأشارت إلى أن مضاعفات المرض قد تؤدي إلى تورم شديد في الرقبة وصعوبة في التنفس والتهاب دم قاتل إذا لم يُعالج في وقت مبكر.

«المرض دا ما بسيط، ولازم كلنا نكون واعين ونساعد في مكافحته قبل ما ينتشر أكتر»، تقول الدكتورة أديبة بحزم.

 

 

وأضافت أن العلاج يعتمد على المضادات الحيوية القوية والمحاليل الوريدية إلى جانب المصل المضاد لسمّ الدفتيريا، مشددة على أن التدخل المبكر هو العامل الحاسم لإنقاذ الأرواح.

كيف ينتقل المرض؟

ينتقل مرض الدفتيريا عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة إفرازات المريض أو أدواته الشخصية مثل الأكواب والمناشف. كما يمكن أن تنتقل العدوى من الجلد المصاب في الحالات الجلدية من المرض.

ومن أبرز أعراض الدفتيريا:

التهاب حاد في الحلق وصعوبة في البلع.

ارتفاع في درجة الحرارة وتعب عام.

ظهور غشاء رمادي أو أبيض على الحلق أو اللوزتين.

تورم واضح في الرقبة وصعوبة في التنفس.

ويُشخَّص المرض عبر فحص مخبري لعينة من الحلق تُزرع في وسط خاص لتحديد نوع البكتيريا المسببة.

أزمة الدواء تزيد المأساة

وفي سياق متصل، وجهت الدكتورة أديبة انتقادات حادة لارتفاع أسعار الأدوية في السوق السوداء، رغم أن بعضها من المفترض أن يُوفَّر مجانًا داخل المستشفيات الحكومية.

وأشارت إلى أن مشافي العاصمة تعاني من انعدام شبه تام للمحاليل الوريدية والأدوية المنقذة للحياة، بينما تتوفر بكميات محدودة في الأسواق الموازية بأسعار تفوق قدرة المرضى وأسرهم.

 

 

وأضافت أن حتى المسكنات الأساسية أصبحت نادرة في كثير من الصيدليات والمرافق الصحية، مما فاقم معاناة المرضى ورفع معدلات الوفيات جراء غياب العلاج اللازم في الوقت المناسب.

الوقاية أولاً

تؤكد أن التطعيم هو خط الدفاع الأول ضد الدفتيريا، مشيرة إلى أن لقاح الدفتيريا والسعال الديكي والتيتانوس يُدرج ضمن التطعيمات الأساسية للأطفال.

ودعت الأسر إلى مراجعة كروت التطعيم والتأكد من اكتمال الجرعات، مع الالتزام بالنظافة الشخصية وتجنّب الزحام وعدم تبادل الأدوات الشخصية.

استغاثة ونداءات عاجلة

وفي ظل ضعف الاستجابة الرسمية، ناشدت الدكتورة أديبة وزارة الصحة الاتحادية والمنظمات الدولية، وعلى رأسها منظمة الصحة العالمية، إعلان الخرطوم منطقة موبوءة، مؤكدة أن استمرار الصمت يهدد حياة المئات، خاصة الأطفال.

وطالبت الجهات المختصة بـما يلي:

إعلان رسمي حول تفشي المرض وتوضيح طرق الوقاية ومواقع العلاج.

إخطار منظمة الصحة العالمية والجهات المانحة بإعلان التفشي رسميًا.

 

 

تشكيل لجنة قومية وولائية لتنسيق جهود المكافحة والإمداد الدوائي.

كما شددت على ضرورة الاستفادة من تجربة جائحة كورونا في تنظيم فرق الاستجابة السريعة وتفعيل مراكز الطوارئ القومية والولائية لمتابعة الموقف الوبائي.

وفي ختام حديثها، عبّرت بمرارة عن واقع القطاع الصحي قائلة:

«الذي يقتل الناس ليس المرض نفسه، بل الاستهتار الإداري وانعدام القدرة على الفعل المؤسسي والعلمي… لك الله يا وطني».
وراء كل حالة إصابة قصة أسرة تقف عاجزة أمام صيدلية مغلقة أو دواء مفقود. في أحياء الخرطوم المنهكة، باتت الأمهات يطوفن بين الصيدليات بحثًا عن حقنة أو مضاد حيوي لإنقاذ أطفالهن، فيما يرهق الآباء ارتفاع الأسعار المضاعف بسبب انهيار العملة وغياب الرقابة.

وبين انعدام الدواء وارتفاع كلفته، تتحول المعاناة الصحية إلى مأساة اقتصادية يومية تدفع الأسر إلى حافة اليأس، لتصبح مواجهة المرض في السودان اليوم صراعًا مزدوجًا: ضد البكتيريا… وضد الفقر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *