اتهامات المزارعين للبنك الزراعى .. الموسم الشتوي على الابواب

اتهامات المزارعين للبنك الزراعى .. الموسم الشتوي على الابواب

وجّه أحد أبرز قيادات المزارعين في مشروع حلفا الجديدة الزراعي، عادل محمد صالح المعروف بـ”بابا”، نداءً عاجلاً إلى وزير الزراعة والري السوداني، البروفسور عصمت قرشي عبد الله، مطالباً بتدخل فوري في ظل ما وصفه بتدهور حاد في الأوضاع الاقتصادية والمعيشية داخل المشروع. وأكد بابا أن القطاع الزراعي يمر بمرحلة حرجة تتطلب دعماً مباشراً من الدولة، مشدداً على أن المزارعين يقفون في خندق واحد مع الحكومة لمواجهة الأزمة الراهنة، باعتبارهم شركاء في الهم الوطني.

وجاءت هذه المطالبة خلال زيارة رسمية أجراها وفد حكومي رفيع المستوى إلى المشروع نهاية سبتمبر، برفقة عدد من الوزراء، حيث استغل بابا المناسبة لتسليم رسالة مطوّلة إلى وزير الزراعة والري، تضمنت مؤشرات دقيقة تعكس حجم التحديات التي تواجه القطاع الزراعي في المنطقة. وأوضح في رسالته أن مشروع “غيط البصالوة” يتمتع بموقع جغرافي مميز لقربه من بدايات القناة المعروفة بـ”الترعة 34″، وخلوه من مشاكل الري، ما يجعله نموذجاً مثالياً للإنتاج الزراعي.

إمكانات غير مستغلة

وأشار بابا إلى أن المشروع يتبع لفئة مجتمعية ذات دخل مرتفع، تسهم في تشييد منشآت حكومية من مواردها الذاتية، مستشهداً بجسر “زمقان” الذي تم بناؤه على الميجر الرئيسي. واعتبر أن هذه المبادرات تجعل المشروع مؤهلاً لإنتاج محاصيل زراعية تلبي احتياجات الفئات ذات الدخل المحدود، وتخفف العبء عن الدولة. ولفت إلى أن “غيط البصالوة” يمتد على مساحة خمسة نمر طويلة، تضرب في ستة وثلاثين حواشة، أي ما يعادل 188 حواشة، بما لا يقل عن ثلاثة آلاف فدان، تمثل نحو 5% من المساحة الكلية لمكتب تفتيش المدينة، أحد تسعة عشر مكتباً في المشروع الذي يضم المهجّرين والمواطنين.

وفي سياق انتقاده لسياسات إدارة الهيئة، اعتبر بابا أن اختيار “غيط البصالوة” كنموذج للزيارات الرسمية هو محاولة لتجنب مواجهة الواقع، واصفاً ذلك بـ”دفن الرؤوس في الرمال”. وأوضح أن العروة الصيفية لهذا الموسم تجاوزت مراحل الإعداد والتأسيس بصعوبة بالغة، مشيراً إلى أن تعثر سريان الري كان أبرز مظاهر القصور، حيث ظل المرفق “مشلولاً تماماً” نتيجة ضعف الكادر البشري ونقص المعدات اللازمة للعمل.

آثار سلبية

وأضاف أن غياب آليات الحفريات بشكل كامل، وتحويلها إلى مشروع الجزيرة، أثر سلباً على أداء الموسم الزراعي، خاصة أن معظم محاصيل العروة الصيفية تحتاج إلى ري تكميلي مع نهاية موسم الأمطار. وأكد أن الهدف الأساسي من المشروع كان تحقيق الاستقرار للمهجّرين والمواطنين، إلا أن غياب الرؤية الاستراتيجية أدى إلى تحديات تهدد استمراريته، أبرزها زحف الرمال والإهمال في أعمال الصيانة، ما جعل المشروع عرضة للفشل.

وأعرب بابا عن مخاوفه من أن تؤدي هذه التحديات إلى خسائر جسيمة، خاصة أن الموسم الحالي يقترب من نهايته دون مؤشرات على تحسن الأوضاع. وشدد على أن استقرار المشروع مرتبط بشكل مباشر بتوفير التمويل والدعم الحكومي لتلبية المتطلبات الأساسية، محذراً من أن استمرار الوضع الحالي سيؤثر سلباً على الإنتاج الزراعي في المنطقة.

أزمة الأسمدة

وتطرقت الرسالة إلى أزمة حادة في إمدادات الأسمدة، حيث اتهم بابا البنك الزراعي السوداني بالتقاعس في توفير الكميات المطلوبة من نوعي “الداب” و”اليوريا”، مشيراً إلى أن الكميات التي وصلت هذا الموسم كانت ضئيلة جداً ولا تتناسب مع المساحات المزروعة، خاصة في محاصيل القطن والذرة والخضر في أراضي البساتين ومزارع مصنع سكر حلفا وامتداد جروف العطبراوي شرقاً وغرباً، وهي مناطق لا تدخل ضمن التخطيط الرسمي للدولة.

وأوضح بابا أن المشكلة لم تقتصر على تسعيرة الأسمدة، بل إن ندرتها وشحها أسهما في ارتفاع الأسعار إلى مستويات غير منطقية، ما زاد من أعباء المزارعين. وأكد أن مشروع القمح يواجه تحديات كبيرة رغم توفر أكثر من 85 ألف فدان قابلة للزراعة، مشيراً إلى أن العروة الشتوية تمثل فرصة لتعويض إخفاقات الموسم السابق.

واستشهد بابا بتجربة موسم 2018–2019، حين كانت زراعة القمح تُدار عبر لجنة قومية ضمت وزارات الزراعة والمالية وبنك السودان والبنك الزراعي، بإدارة المهندس فتح الرحمن عثمان. وأوضح أن اللجنة كانت تقوم بمتابعة دقيقة وتحليل مستمر، ما ساهم في تجاوز العقبات، لكن بعد حلّها وإنشاء مؤسسة جديدة للزراعة، واجهت التجربة إخفاقات متعددة، وأدى غياب التنسيق مع إدارات البحوث والهيئة إلى تفاقم التحديات.

برامج الدعم

وتناول بابا في رسالته المستجدات التي شهدتها المواسم الثلاثة الأخيرة، مشيراً إلى أن الحكومة السودانية سمحت لبعض المنظمات الدولية بدعم منتجي القمح عبر برنامج الغذاء العالمي (WFP) في موسمي 2022–2023 و2023–2024، حيث تم تقديم دعم بنسبة 20% من المدخلات الزراعية. أما في الموسم 2024–2025، فقد ارتبط الدعم ببرنامج “صمود” الممول من منظمة “مرسي كوربس”، والذي تحول لاحقاً إلى برنامج “ثبات”.

وأوضح بابا أن أبرز التحديات في موسم 2022–2023 تمثلت في مطالبة الهيئة المزارعين بدفع 20% من قيمة التقاوي نقداً، على أن تُخصم من مديونياتهم. وأضاف أن البنك الزراعي رفض استلام الدعم المقدم من برنامج الأغذية العالمي عيناً، ما دفع البرنامج إلى الاعتذار عن تسديد القيمة نقداً بسبب عدم توافق الأسعار مع السوق العالمية.

وأبدى بابا أسفه لأن هذه السياسات أدت إلى فقدان المزارعين للدعم المخصص لهم في موسم 2023–2024، رغم أن إدارة الهيئة استلمت مدخلات إنتاج تكفي لمساحة 20 ألف فدان، بينما كانت المساحة المقترحة 100 ألف فدان، ولم تتجاوز المساحة الممولة 27 ألف فدان. وأشار إلى أن الهيئة أجرت معالجات حسابية وقت الحصاد، نتج عنها حصول المزارعين على دعم يفوق قيمته الفعلية، ما أدى إلى توفير الهيئة مبالغ تُقدّر بعشرة مليارات جنيه سوداني لحساباتها، وتوقف برنامج الغذاء العالمي عن الدعم في الموسم التالي.

موسم محدود

وفيما يتعلق بالموسم السابق 2024–2025، أوضح بابا أن الإدارة وفرت مدخلات لأكثر من 20 ألف فدان، معظمها في التفاتيش الشمالية، بما يتماشى مع الممارسات الزراعية المعتادة. وأضاف أن منظمة “مرسي كوربس” موّلت مساحة 23,600 فدان، لكن فوات التوقيت الأمثل للزراعة حدّ من نجاح المحصول.

واختتم بابا رسالته بالتأكيد على أن الهدف من هذا السرد المفصل هو تلافي الأخطاء السابقة، والعمل على استغلال الموارد المتاحة لهذا الموسم بأفضل صورة ممكنة. وشدد على أهمية الإعداد المبكر، والتسميد بالجرعات الكافية، وإحكام عمليات الري، والالتزام بالمواقيت الموصى بها، لضمان إنتاجية تصل إلى طنين من الحبوب للفدان الواحد، في وقت تبلغ فيه المساحة المتاحة للمشروع أكثر من 85 ألف فدان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *