مولانا التاج:(تقدم) ليست الفاعل الوحيد ولابد من تنازلات

مولانا التاج:(تقدم) ليست الفاعل الوحيد ولابد من تنازلات

*القيادي بتجمع المهنيين مولانا إسماعيل التاج في مقابلة مع (سودان تايمز) :-*

( تقدم) مطلب في المسار الصحيح ،لكنها ليست الفاعل الوحيد في الساحة ..

حمدوك يتمتع بقبول إقليمي ودولي ويجب افساح المجال له..

حان الوقت ليجلس الجميع إلى مائدة مستديرة بدون شروط مسبقة ..

نحناج شجاعة في تقديم التنازلات لأجل البناء المستقبلي..

قال القيادي بتجمع المهنيين مولانااسماعيل التاج، إن تنسيقية القوى الديمقراطية والمدنية (تقدم) ، مطلب في المسار الصحيح ولكنها ليست الفاعل الوحيد في الساحة، وأردف: (علينا أنْ نقر بذلك. مثلما لم يكن تجمع المهنيين هو الفاعل الوحيد في ثورة ديسمبر 2018 المجيدة،) ومثلما لم تدعي قوى الحرية والتغيير ملكية الثورة كذلك (تقدم) لم تدعي انفرادها بقيادة مساعي وقف الحرب واستعادة المسار الديمقراطي، ولن تستطيع أن تفعل ذلك. ولا تملك وحدها مفاتيح الحل.
ونبه التاج إلى أن هنالك قوى تحول مدني ديمقراطي لا بد من تنسيق الجهود معها في الحد الأدنى دون تعال أو تخوين. و رأى أن مآلات النجاح مرتبطة بالانفتاح على القوى الوطنية المؤمنة بالتحول المدني الديمقراطي والقوى المناهضة للحرب وتقديم أكبر قدر ممكن من التنازلات لها وبينها..
واوضح أن ” تقدم” لا تعادي أو تصطف ضد من يعمل على تحقيق أهداف تكوينها، بل بالعكس. كل مجهود فردي أو مؤسسي يصب في خانة وقف الحرب وتحقيق السلام واستعادة المسار الديمقراطي يجب أنْ يُـقابل بالترحيب.

*أديس ابابا : احمد خليل*

* كيف تقرأ الوضع الراهن والحرب الدائرة والخطوات من المدنيين والعسكريين…؟

– الحرب الدائرة الآن أو الحرب العبثية التي اندلعت في السودان في “١٥” أبريل هي حرب ليس لها أهداف محددة ولا قيم ولا مباديء من أجل الوطن وإنما هي حرب من أجل مصالح ذاتية و لأجل عودة نظام المؤتمر الوطني إلى الحكم عن طريق القوة بعد أن تأكد له تماماً أن كل الطرق والوسائل السلمية التي جاءت بها ثورة ديسمبر المجيدة “٢٠١٨” تقف حجر عثرة أمام ظهورهم مرة أخرى كتنظيم استولى على السلطة في يونيو من العام ١٩٨٩ وحكم السودان بقوة الحديد لأكثر من “٣٠” عاماً؛ تأكد له تماماً أنه لن يستطيع في أي وضع ديمقراطي أن يحظى بأي صورة تمثيلية خاصة في ظل العمل المؤسس والعمل القوي جداً الذي قامت به لجنة تفكيك تمكين نظام الثلاثين من يونيو ،وكانت لجنة التفكيك تسير بخطى حثيثة نحو تجويد التجربة وسد كل الثغرات حتى لا يُقال أنها عمليات انتقامية.
هذه الحرب الآن وضعت السودان أمام محك إقليمي و دولي عظيمين. من ناحية إقليمية وعلى لسان الفريق البرهان نفسه عندما ذهب إلى مخاطبة الجمعية العامة للأمم المتحدة ذكر أن الوضع في السودان يهدد الأمن والسلم الإقليمي وبالتالي إمكانية إمتداد الحرب إلى مناطق أخرى خارج السودان وارد جداً في ظل التمدد والمصالح الإقليمية المتضاربة حول السودان شمالاً وغرباً وجنوباً وشرقاً.، من ناحية دولية فإن الخطورة تتمثل في إمتداداتها على مسألة السيطرة على البحر الأحمر وما يمثله من مـمـر مائي استراتيجي لكثير من الدول في المنطقة وفي ظل المناوشات الدبلوماسية التي قامت بها حكومة الأمر الواقع في بورتسودان بإعادة التواصل والصلات الدبلوماسية مع إيران وهذا مؤشر خطير جداً وستكون له تبعات دولية أيضاً.

– على المستوى الداخلي لا يخفى على أحد أو على مراقب ومتابع للشأن السوداني أن هذه الحرب سوف تؤدي إلى تفكيك البلاد وتحويله إلى دويلات، إذا كان الناس في الماضي يتحدثون عن عمليات “بلقنة” نسبة لما حدث في أزمة بلاد البلقان، تشير الأحداث الآن إلى عمليات “سودنة” كمصطلح لتداعيات أحداث السودان. لذلك علينا أن نتداعي جميعاً قوى وطنية وسياسية ومدنية وشباب ونساء ورجالات الإدارة الأهلية؛ طلائع مقاومة وحركات وطنية مقاومة؛ حان الوقت ليجلس الجميع إلى مائدة مستديرة بدون شروط مسبقة للتعاطي مع المسألة.
رفضنا بعد الاستقلال كثير من الحلول المنطقية والموضوعية بما في ذلك مسألة الفيدرالية، وتم رفض قرارات المائدة المستديرة بعد أكتوبر أيضاً وأدى كل ذلك إلى نشوب حرب سودانية/سودانية منذ الخمسينات إلى العام ١٩٧٢، و إذا تم قبول الفيدرالية في ذاك الوقت لتجنبنا الكثير من المشاكل ولكان السودان الآن قوة عُظمى يُعتد بها ليس إقليمياً فقط بل دولياً أيضاً، وكذلك بعد أكتوبر ١٩٦٤ لم تنجح مساعي المائدة المستديرة، الآن حان الوقت لتجلس جميع القوى المناهضة لإنقلاب “٢٥” أكتوبر ٢٠٢١ والقوى الوطنية الديمقراطية المناهضة لهذه الحرب وقوى السلام والمحبة في السودان أن تجتمع على مائدة مستديرة بدون شروط مسبقة من أي جهة.

**هل بدأت أي خطوات في هذا الصدد..؟*

تعمل الآن مجموعة من السودانيين في هذه المسألة وبدأت التواصل والتفاكر حول عقد وتنظيم هذه المائدة. هذا هو الوقت الذي يمكن أن نقدم فيه شيء للسودان ويستطيع الجميع أن يتنازلوا عن الذات المتضخمة وأن تجلس كي تتفاعل هذه القوى من أجل مصلحة السودان. هذا هو الحل، لا توجد أي قوة مدنية او سياسية مهما تشكلت وتموضعت في إطار يجمعها قالب او مجموعة تستطيع لوحدها أنْ تعمل على تأسيس وطن جديد يليق بالإنسان وبالمواطن السوداني وبالإنسانية، لا تستطيع اي مجموعة مدنية او سياسية او عسكرية او حتى قوى كفاح مسلح أن تنجز لوحدها تلك المهام، وهذا هو تحدي هذه المرحلة ومن خلال هذه المائدة المستديرة تستطيع القوى المحبة للسلام والمساواة والتطور والتنمية وتناهض التهميش، تستطيع التوصل إلى حلول.

**وهل بإمكان مؤتمر مائدة مستديرة التوصل إلى حلول بشأن قضايا الوطن إذا لم يتحقق ذلك بعد ثورة أكتوبر 1964 بكل ما صاحبها من زخم ..؟*

نحتاج أنْ نقرأ التاريخ بتمعن والاستفادة منه، لا أنْ نغرق فيه. نحتاج أنْ نستفيد من الأخطاء التي صاحبت تجربة مؤتمر المائدة المستديرة في عام 1965 ومعالجة الأسباب التي أدت إلى فشله في حل مشكلة الجنوب في ذلك الوقت. أضعنا فرصة تاريخية وقتها للوصول لحلول جذرية حول كيف يُحكم السودان من خلال نظام فدرالي كان يمكن تطويره يوماً بعد يوم وتطبيقه على كل أقاليم السودان. كانت المسألة تتطلب شجاعة سياسية ورؤية مستقبلية للأوضاع السودانية في ظل وطن متعدد الثقافات والأعراق والإثنيات والأديان واللغات، وكيفية إدارة التنوع والخلافات التاريخية والثقافية. لا أقول أننا نحتاج لبيان مثل بيان 9 يونيو 1969، ولكننا نحتاج أنْ نمضي في وضع أجندة من أجل المستقبل، مستقبل يصنعه الجميع. من هنا تأتي أهمية والحاجة لتنظيم مؤتمر مائدة مستديرة ينظر في كل أخطاء الماضي ويضع أجندة للمستقبل. هذا يتطلب رؤية واضحة، وشجاعة ليس لاتخاذ القرارات فحسب، بل أيضاً شجاعة في تقديم تنازلات من أجل البناء المستقبلي لوطن يحترم التعدد الثقافي والعرقي والديني ويقوم على مبدأ المساواة وحقوق المواطنة التي لا يمكن الانتقاص منها تحت أي مسوِّغ. مؤتمر مائدة مستديرة يضم أصحاب المصلحة الحقيقية في التغيير، وليس مؤتمر كاذب كما فعل إنقلابيو 25 أكتوبر 2021 عبر ما يُـسمى بنداء السودان في أغسطس عام 2022 من عقد مؤتمر أسموه زوراً وبهتاناً بمؤتمر مائدة مستديرة كان هدفه الأول والأخير هو تثبيت وتقوية سلطة العسكر الانقلابيون عبر واجهات نظام المؤتمر الوطني المحلول.

**وهل يمكن تحقيق ذلك في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ السودان؟ ماذا عن متطلبات المرحلة..؟*

المرحلة تحتاج لقيادات تستصحب نبض الشارع ولها قدرة على اتخاذ قرارات شجاعة. أضعنا في قوى الحرية والتغيير فرصة ثمينة في فبراير/مارس 2020 في جوبا في التوصل لإعلان سياسي واتفاق إطاري مع الحركة الشعبية شمال بقيادة عبد العزيز الحلو الشيء الذي كان سوف يمهد لإمكانية التوصل لإتفاق سلام معها وذلك بسبب عدم القدرة على اتخاذ قرارات شجاعة وتحمل نتائجها. كانت الفرصة مواتية بكل المقاييس في ذلك الوقت باتخاذ قرارات فيما يتعلق بعلاقة الدين بالدولة وحق تقرير المصير. للحقيقة، أبدت الحركة الشعبية وقتها مرونة فائقة حول المسألتين، ولكن..
يجب الآن عدم السماح بحدوث ذلك مرة أخرى. وهذا يتطلب قيادات لها القدرة على اتخاذ قرارات شجاعة من أجل مصلحة الوطن.
أولى هذه القرارات التداعي من أجل عقد مؤتمر المائدة المستديرة الذي أشرت إليه وبدون شروط مسبقة. حتى لو استدعى الأمر الحاجة لقيادات جديدة. لم لا؟

لا يكفي ان يكون معيار القيادة هو توفر علاقة طيبة مع قيادات الجيش والدعم السريع، هذا لم يعد امتيازاً. تجاوز الزمن وتجاوزت الأحداث ذلك. المعيار الأهم هو توفر علاقة مع القواعد الشعبية على أرض الواقع. الشعب هو صاحب الأرض وصاحب الثورة وصاحب الحق والابتعاد عنه يجعل القيادي معزولاً. وهذا ما يساعد القيادي في اتخاذ قرارات شجاعة ويتحمل مسؤوليتها. البوصلة هنا هي نبض الشارع المرتبط بقضايا وطنية أعلى وأسمى ويستطيع أن يعبر عنها قولاً وفعلاً. حتى لو اقتضى ذلك ذهابه عن المسرح، او محاولات بعض القوى المهيمنة لإبعاده. أن تكون قيادياً يقتضي التعبير عن هموم وقضايا الشعب والوطن. الأولوية الآن لإيقاف الحرب وتعزيز قيم المساواة والمواطنة وتحصينها عبر الاتفاق على ذلك من خلال مؤتمر مائدة مستديرة يجمع أهل المصلحة الحقيقين في وطن تعلو فيه قيم الإنسانية والإنسان، وهذا يتطلب قيادة متفردة.

* *ماذا عن تنسيقية القوى الديمقراطية والمدنية (تقدم)؟*

(تقدم) مطلب في المسار الصحيح ولكنها ليست الفاعل الوحيد في الساحة، علينا أنْ نقر بذلك. مثلما لم يكن تجمع المهنيين هو الفاعل الوحيد في ثورة ديسمبر 2018 المجيدة، ومثلما لم تدعي قوة الحرية والتغيير ملكية ثورة ديسمبر، كذلك (تقدم) لم تدعي انفرادها بقيادة مسار وقف الحرب واستعادة المسار الديمقراطي، ولن تستطيع أن تفعل ذلك. ولا تملك وحدها مفاتيح الحل. هنالك قوى تحول مدني ديمقراطي لا بد من تنسيق الجهود معها في حدها الأدنى دون تعالي ودون تخوين. وتبقى مآلات النجاح مرتبطة بالانفتاح على القوى الوطنية المؤمنة بالتحول المدني الديمقراطي والقوى المناهضة للحرب وتقديم أكبر قدر ممكن من التنازلات لها وبينها. وهي عملية تبادلية. تقدم لا تعادي أو تصطف ضد من يعمل على تحقيق أهداف تكوينها، بل بالعكس. كل مجهود فردي أو مؤسسي يصب في خانة وقف الحرب وتحقيق السلام واستعادة المسار الديمقراطي يجب أنْ يُـقابل بالترحيب.

* ماهي دلالات ظهور حمدوك في هذه المرحلة..؟

في البدء لا بُـدَّ من شكر دكتور عبدالله حمدوك ومجلس وزراء الفترة الانتقالية الذي تصدى لإدارة تلك الحقبة في ظروف غاية في الصعوبة ومليئة بالتحديات. هنالك ضرورة للالتفاف حول جهود د. عبد الله حمدوك في هذه المرحلة الحالية مما يساعد في تقريب وجهات نظر القوى المدنية والسياسية والشبابية والنسوية من اجل إيقاف الحرب واستعادة الديمقراطية. فهو الآن محفز (catalyst)، ويتمتع بقبول إقليمي ودولي. يجب افساح المجال له وتقديم كل مساعدة له والاستفادة من امكانياته الدبلوماسية وقدرات التواصل لديه على المستوى الإقليمي والمحلي. يجب النظر اليه كقيمة وطنية مضافة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *