جسر شمبات .. جريمة الحرب بين الإنكار والقانون الدولي

جسر شمبات .. جريمة الحرب بين الإنكار والقانون الدولي

في صبيحة الحادي عشر من شهر نوفمبر الجاري استيقظ السودانيون  على خبر تدمير جسر شمبات، وسط دهشة وذهول البعض من الخطوة، وسرعان ما تبادل طرفا الصراع الاتهامات حول تدمير الجسر الرابط بين مدينتي بحري وأمدرمان، وفي السياق اتهم الجيش السوداني قوات الدعم السريع بتدمير جسر شمبات،.

وقال تعميم أصدره المتحدث باسم الجيش إنه (في إطار مشروعها التدميري لمقدرات البلاد وبنيتها التحية، ونتيجة للتقدم الذي بدأت تحرزه قواتنا في الميدان خاصة في محور امدرمان، قامت المليشيا المتمردة بتدمير كوبري شمبات الرابط بين مدينتي أمدرمان وبحري) وأوضح أن تدمير الجسر يعد جريمة جديدة تضاف لسجل قوات الدعم السريع تجاه الوطن والمواطن.

وفي الضفة الأخرى اتهم المتحدث باسم قوات الدعم السريع الجيش باستهداف الجسر في سياق استمرار مخطط تدمير البنى التحتية الحيوية، وقال في بيان إن من اسماها أبواق النظام البائد المتطرفة ظلت تطالب البرهان بتدمير الجسر باستمرار وانه لبى مطالبهم  بدلاً عن اعتقال قياداتهم الذين أطلق سراحهم من السجون، فيما شكك عدد من الناشطين في رواية الجيش، وأكدوا أن الدعم السريع ليس لديه مصلحة في تدمير الجسر، وان الجيش على الأرجح هو من قام بتدمير الجسر لقطع الامداد عن الدعم السريع.

ومنذ اندلاع الحرب بين الجيش والدعم السريع في الخامس عشر من أبريل ظل عدد من الناشطين الداعمين للجيش السوداني يطالبون باستمرار بضرورة تحييد جسر شمبات وإخراجه من الخدمة لكونه المعبر الوحيد الذي تستغله قوات الدعم السريع في نقل الأسلحة والذخائر وجنودها لمهاجمة مواقع الجيش في الخرطوم وبحري وأمدرمان.

وتفيد المعلومات بأن الرئيس الأسبق الفريق إبراهيم عبود قام بوضع حجر الأساس للجسر بحضور (جوزيبي ريتشي) مدير شركة ريتشي الإيطالية (RECCHI) التي قامت بتشييد الجسر، وأستغرق العمل في جسر شمبات أربع سنوات (1962م – 1965م) وبلغ طول الكبري ( 1.050) متر وعرضه (23.60) متر مكون من أربع حارات واثنين من الأرصفة الخرسانية المسلحة ويستند الكبري على ثمانية ركائز في قاع النهر مصنوعة من الخرسانة المسلحة والصلب، في العام 1966م تم إفتتاح الكبري رسمياً على يد عبدالله عبدالرحمن نقد الله وزير الداخلية وقتها.

وبالنسبة للبعض فإن الجهة التي دمرت جسر شمبات قامت بارتكاب جريمة حرب حسب القانون الدولي الإنساني، وبحسب البرتكول الثاني الإضافي لاتفاقيات جنيف ١٩٤٩م والتي تعتبر واحدة من الاتفاقيات التي تمثل عماد القانون الدولي الإنساني، والتي استوعبت في ميثاق روما، الذي تشكلت بموجبه المحكمة الجنائية الدولية، وبحسب البرتكول يعتبر تدمير الجسر مخالفة واضحة للقانون الدولي الإنساني.

وتحدثت المادة (١٥) من البرتكول عن حماية الأشغال الهندسية والمنشآت المحتوية على قوى خطرة وقالت (لا تكون الأشغال الهندسية أو المنشآت التي تحوي قوى خطرة، الا وهي السدود والجسور والمحطات النووية لتوليد الطاقة الكهربية محلاً للهجوم، حتى ولو كانت أهدافاً عسكرية، إذا كان من شأن هذا الهجوم أن يتسبب في انطلاق قوى خطرة ترتب خسائر فادحة بين السكان المدنيين).

وتعتبر الموارد والبنية التحتية من بين الأعيان المعترف بأنها ضرورية لبقاء السكان المدنيين بموجب القانون الدولي، وهو الأمر الذي يتحتم على أطراف النزاع كافة حمايتها، وينظر لها القانون الدولي كبنية تحتية مدنية، وبموجب اتفاقية جنيف فإن استهداف المدنيين وبنيتهم المدنية، يعتبر جريمة حرب.

في  السياق أكدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر على حماية البنية التحتية المدنية بموجب اتفاقيات جنيف، وذكرت بأنه يتحتم على المجموعات المسلحة في أوقات الحرب، حماية الأعيان المدنية بموجب القانون الدولي وتلبية حاجات السكان المدنيين الأساسية.

وبالنسبة للجنة الدولية للصليب الأحمر فإن تدمير البنيات التحتية المدنية في النزاع المسلح لايضر بجهود الاستجابة الإنسانية الفعالة، ويتسبب في تفاقم اوضاع المدنيين العالقين في مواقع القتال وحسب، انما له عواقب كارثية وطويلة الأجل على البيئة وإعادة البناء بعد انتهاء الحرب، وألزم القانون الدولي الانساني المجموعات المسلحة في حالة الحرب بحماية الأعيان المدنية ومن بينها الجسور بموجب نصوص القانون.

ويبدو واضحا إن تدمير جسر شمبات يمثل انعطاف خطير في مسار حرب أبريل، وربما تشهد الايام القادمة تدمير مرافق استراتيجية وخدمية أخرى، وبتدمير الجسر الذي تجاوز عمره (57) عاما ربما يفقد الشعب السوداني ذاكرة بعض الأماكن والمرافق الاستراتيجية والخدمية بسبب الدمار الذي أحدثته حرب أبريل المدمرة.

 

 

.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *