“ترسين” القرية المنكوبة فى جبل مرة انتشال (373) جثة من تحت الركام

في أعقاب الانهيار الأرضي المدمر الذي ضرب منطقة ترسين الواقعة في جبل مرة يوم الأحد الماضي، أعلنت السلطة المدنية التابعة لحركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد أن فرق الطوارئ المحلية والمتطوعين من سكان المناطق المجاورة تمكنوا من انتشال 373 جثة من تحت الركام، في حين بلغ إجمالي عدد الضحايا وفقاً لتقديراتها 1573 حالة وفاة، بينهم من جرفتهم السيول العنيفة التي صاحبت الكارثة.
رئيس السلطة المدنية مجيب الرحمن الزبير، الذي وصل إلى موقع الحدث، أكد في مقابلة إذاعية مع راديو دبنقا أن حجم الكارثة تجاوز التوقعات، مشيراً إلى أن عمليات الانهيار لا تزال مستمرة منذ 31 أغسطس وحتى اليوم، حيث تتساقط الصخور والأتربة من المرتفعات الجبلية بمعدل نصف ساعة تقريباً، ما يجعل المنطقة شديدة الخطورة ويعرقل جهود الإنقاذ بشكل كبير. وأوضح أن الطرق المؤدية إلى ترسين أصبحت غير سالكة تماماً، ما اضطر الفرق إلى قطع مسافة طويلة استغرقت 14 ساعة عبر مسارات وعرة للوصول إلى الموقع المنكوب.
السلطة المدنية نشرت مقاطع مصورة لموقع قالت إنه مقبرة جماعية للضحايا الذين تم دفنهم بعد انتشال جثثهم، فيما أُقيمت صلاة الجنازة على من تم العثور عليهم وصلاة الغائب على من لا تزال جثثهم مطمورة تحت الصخور أو جرفتها السيول. الزبير أشار إلى أن الكارثة لم تقتصر على قرية ترسين وحدها، بل امتدت لتشمل أكثر من 88 قرية في المنطقة، حيث بلغ عمق الانهيارات التي طمرت المنازل ما بين 20 إلى 30 متراً، وهو ما يفوق قدرات السكان المحليين ويفرض تحديات كبيرة على فرق الإنقاذ. كما نوه إلى أن الماشية والمحاصيل الزراعية تعرضت لخسائر فادحة، ما فاقم من حدة الأزمة الإنسانية في المنطقة.
في المقابل، أصدرت وزارة الصحة الاتحادية بياناً يفيد بأن عدد الوفيات المؤكدة جراء الانهيارات الأرضية في ترسين لا يتجاوز شخصين، مشيرة إلى أن هذه المعلومات تم التحقق منها عبر مصادر ميدانية في المنطقة وفي ولاية جنوب دارفور. هذا التصريح أثار ردود فعل غاضبة من حركة تحرير السودان، حيث وصف الناطق باسمها محمد عبد الرحمن الناير بيان الوزارة بأنه يمثل انحداراً أخلاقياً وقيمياً، واتهمها بتسييس كارثة إنسانية هزّت ضمير العالم.
المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك تناول الوضع في المؤتمر الصحفي اليومي، مؤكداً أن عدد القتلى لم يتم التحقق منه بعد بسبب استمرار هطول الأمطار الغزيرة وصعوبة التضاريس التي تعيق الوصول إلى المجتمعات المتضررة. ونقل عن المنظمة الدولية للهجرة أن نحو 150 شخصاً نزحوا من ترسين والقرى المجاورة، ولجأت العائلات إلى مناطق قريبة بحثاً عن مأوى.
فرق ميدانية تابعة لـ12 منظمة غير حكومية محلية ودولية، إضافة إلى وكالات أممية، توجهت إلى المنطقة المنكوبة، حيث ركزت مهامها على التحقق من عدد المتضررين وتقييم الاحتياجات العاجلة. وأفاد دوجاريك بأن فرق الطوارئ أحضرت معها إمدادات أساسية تكفي لنحو 750 شخصاً، شملت مجموعات طبية ومساعدات غذائية ومواد غير غذائية ومستلزمات ضرورية أخرى.
المنطقة المتضررة، المعروفة بزراعة الموالح، تقع في قلب جبل مرة على ارتفاعات شاهقة وتبعد عدة كيلومترات عن منطقة سوني، إلا أن طبيعتها الجبلية وصعوبة الوصول إليها حالت دون وصول فرق إنقاذ مجهزة، ما اضطر السكان للاعتماد على جهود محلية محدودة في عمليات انتشال الضحايا.
السلطة المدنية وجهت نداءً عاجلاً إلى المنظمات الإنسانية الدولية، بما فيها الأمم المتحدة، طالبة التدخل السريع عبر إرسال فرق إنقاذ متخصصة وتوفير مساعدات غذائية وطبية وإيوائية، محذرة من أن استمرار الانهيارات وهطول الأمطار قد يؤدي إلى تفاقم الوضع خلال الأيام المقبلة. الزبير دعا المجتمع الدولي إلى تجاوز الخلافات السياسية ووضع حياة المدنيين في مقدمة الأولويات، مؤكداً أن سكان ترسين يعيشون مأساة حقيقية وأن كل دقيقة تأخير قد تعني فقدان المزيد من الأرواح. كما أعلن أن حركة تحرير السودان قررت ترحيل القرى المتضررة وتجميع سكانها في مناطق أكثر أماناً.
وزارة الصحة الاتحادية كشفت عن وجود منظمات دولية مثل “أطباء بلا حدود” الهولندية، وIMC، وWR، وTGH في المنطقة، فيما أعلنت منظمة رعاية الطفولة أن فريق الطوارئ التابع لها تمكن من الوصول إلى قرية ترسين بعد رحلة شاقة استغرقت نحو ثماني ساعات على ظهور الحمير عبر تضاريس صعبة. الفريق نشر عيادات صحية متنقلة وقدم رعاية طبية عاجلة، إضافة إلى توزيع مستلزمات طبية ومعدات وقاية شخصية ومياه شرب نظيفة للأسر المتضررة.
تجري حالياً عملية تقييم مشتركة بين الوكالات الإنسانية لتحديد الاحتياجات العاجلة وتوجيه الاستجابة المقبلة، بينما يستعد شركاء الأمم المتحدة لتوفير مزيد من الإمدادات. وأكد دوجاريك أن فرق الاستجابة تستهدف الناجين في ترسين والقرى المجاورة، وأن نتائج التقييم ستوجه عملية توسيع نطاق المساعدات، حيث تعمل وكالات الأمم المتحدة على إرسال إمدادات إضافية لتلبية الاحتياجات المتزايدة. وأوضح أن جهود التنسيق تشمل شركاء في مناطق قولو بوسط دارفور وطويلة بشمال دارفور، مشيراً إلى أن المجتمعات المحلية كانت أول من بادر بالاستجابة وظلت في قلب جهود الإغاثة، بينما يواصل العاملون في المجال الإنساني تقديم المساعدات المنقذة للحياة.