استقرار فى اسعار العملات مقابل الجنيه السوداني

افتتحت أسواق العملات في السودان صباح الثلاثاء على استقرار نسبي في الأسعار رغم ارتفاع الجنيه المصري وتراجع الريال القطري، إلا أن هذا الاستقرار جاء عند مستويات غير مسبوقة من التدهور التاريخي للجنيه السوداني، الذي يواصل فقدان قيمته منذ اندلاع الحرب في البلاد في أبريل 2023 وحتى الثاني من سبتمبر 2025. ووفقًا لبيانات موقع “أخبار السودان”، بلغ سعر صرف الدولار الأمريكي في السوق الموازي 3,500 جنيه سوداني، مقارنة بـ560 جنيهًا فقط في ليلة اندلاع النزاع، ما يعكس انهيارًا تجاوزت نسبته 525% خلال أقل من عامين، ويؤكد دخول الاقتصاد السوداني مرحلة الانهيار النقدي الكامل.
هذا التراجع الحاد في قيمة العملة المحلية يأتي في ظل غياب أي تدخلات فعالة من البنك المركزي، وتراجع قدرة المؤسسات الرسمية على ضبط السوق، حيث باتت السوق السوداء المرجعية الأساسية لتحديد سعر الصرف. وتشير بيانات التداول إلى أن سعر الدولار تحرك خلال الأسابيع الأولى من أغسطس في نطاق يتراوح بين 3,000 و3,190 جنيهًا، قبل أن يقفز بشكل مفاجئ إلى مستويات قياسية، مدفوعًا بعمليات شراء واسعة من جهات غير معلنة، يُرجّح ارتباطها بمحاولات لتأمين احتياجات حكومية حيوية في ظل توقف التحويلات الخارجية وشح النقد الأجنبي داخل البنوك.
الطلب المتزايد على العملات الأجنبية جاء في وقت تعاني فيه البلاد من توقف شبه كامل في الإنتاج الزراعي والصناعي، وانهيار البنية التحتية المالية، وطباعة العملة دون غطاء نقدي، ما أدى إلى فقدان الثقة في الجنيه السوداني كمخزن للقيمة. وتُظهر تقارير مصرفية أن أسعار الدولار في البنوك السودانية لا تعكس الواقع الفعلي للسوق، حيث تصل أسعار البيع الرسمية إلى نحو 2,400 جنيه، في حين أن السوق الموازي تجاوز هذه الأرقام بأكثر من 60%، ما يعكس الفجوة الكبيرة بين السعر الرسمي وسعر التداول الحقيقي.
في المقابل، يعيش ملايين السودانيين أوضاعًا إنسانية بالغة الصعوبة، حيث تعاني مدن مثل الخرطوم والفاشر من نقص شبه كامل في الغذاء والدواء، وارتفاع أسعار السلع الأساسية بنسبة فاقت 400% في بعض المناطق، إلى جانب انتشار الأوبئة، وفي مقدمتها الكوليرا التي تجاوز عدد المصابين بها 96 ألف حالة، وفقًا لبيانات الأمم المتحدة. وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 25 مليون شخص يواجهون انعدام الأمن الغذائي، بينما لا يتجاوز التمويل المتاح للاستجابة الإنسانية 13% من المطلوب، ما ينذر بانهيار شامل يهدد استقرار البلاد ومستقبلها.
ويرى خبراء الاقتصاد أن استمرار هذا المسار دون تدخلات جذرية سيؤدي إلى تفكك المنظومة المالية، خاصة في ظل اعتماد شريحة واسعة من المواطنين على السوق الموازي لتلبية احتياجاتهم اليومية، وتراجع أداء الجهاز المصرفي الرسمي، وغياب الثقة في السياسات الاقتصادية المعتمدة. كما أن توقف الدعم الخارجي، وانخفاض التحويلات من المغتربين، وغياب أدوات الرقابة الفعالة، كلها عوامل ساهمت في تعميق الأزمة، وجعلت من الجنيه السوداني عملة منهارة فعليًا، لا تعكس أي قيمة حقيقية في السوق الدولية.