قراءة في الاتفاق الموقع بين تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) وقوات الدعم السريع (ق د س) – (٦) .
بقلم : الصادق علي حسن
آليات ولجان طمس الحقائق وتقنين الإفلات من العقاب.
توقف الكاتب عن مواصلة إجراء القراءة والتعليق على الاتفاق السياسي الموقع ما بين تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم) وقوات الدعم السريع (ق د س) في الأيام الفائتة وذلك بسبب ظروف قاهرة ، وقد ظلت العديد من رسائل وتعليقات القراء ترد إليه و يأمل في تناول بعضها ومواصلة النقاش المفتوح بحسب ظروف الأحوال لتكملة النقاش في الموضوع المطروح ما ذلك ممكنا . لقد استفاد كاتب المقالات كثيرا من الملاحظات والتعليقات الثرة ، كما ويلتمس الكاتب للقراء من غير القانونيين الذين أرسلوا تعليقات في مسائل قانونية،وهم يتمسكون بصحة ما يعتقدون العذر في عدم الإلمام ببعض المسائل القانونية، فليس بالضرورة ان يكون اي شخص ملما بمسائل خارج نطاق عمله أو تخصصه إلا في حدود معرفة المبادئ العامة المبذولة للكافة والمتعلقة بإحترام الحقوق والحريات ، فالطبيب او المهندس وحملة الشهادات الأكاديمية و أصحاب الحرف والمهن الأخرى غير القانونية لهم العذر في عدم الإلمام بدقائق أحكام الدستور والقانون ، كما وهنالك معلومات عامة مرتبطة بنظم إدارة الدولة والحقوق المكفولة قد تكون معرفتها متاحة للشخص العادي مثل غيره من قبيل الثقافة العامة ، إن المؤمن لا يُلدغ من الجحر مرتين ، لذلك التوعية وتعلية المعارف ضرورية في كل الأحوال حتى لا تتكرر الممارسات الخاطئة المرتبطة بالحريات والحقوق الأساسية ، بمثلما حدث من كارثة أخطاء الوثيقة الدستورية . كما وبالضرورة ان يغادر الشخص العادي مربع التزام الصمت المطبق ليمارس بنفسه حقه في الرقابة والتقويم على كل الممارسات العامة وعلى كل من يمارس أو يتولى الشأن العام خاصة العمل السياسي منه .
* آليات ولجان طمس الحقائق :
قوى الحرية والتغيير (قحت) وتنسقية القوى المدنية الديمقراطية(تقدم) .
إن (قحت) عبارة عن تحالف سياسي لكيانات حزبية ومدنية ، وقد تشكل هذا التحالف عقب ثورة ديسمبر المجيدة ، ولم يكن لهذا التحالف او عناصره مساهمات معتبرة في ثورة ديسمبر المجيدة أوالشارع الثائر. ولما كان الشارع السوداني الثائر في حاجة لمن يوحد شعارات خروج المسيرات الجماهيرية ضد النظام البائد وقد تعددت الشعارات واللافتات التي أعاقت الوصول إلى الهدف المنشود . الحظ وحده ادى لنجاح تجمع المهنيين السودانيين في توحيد مواقيت خروج الثوار، ولم يكن لمن كانوا يجلسون تحت لافتة تجمع المهنيين السودانيين أي مساهمات حركية معتبرة أو فكرية مؤثرة بخلاف توقيت خروج المسيرات الجماهيرية ، كما ونتيجة لضعف التنظيمات الحزبية والسياسية طغى صوت تجمع المهنيين السودانيين على خطاب الثورة وعلى الشارع الثائر وصار تجمع المهنيين الممثل بلا منازع للثورة، وما بين يوم وليلة وضحاها صار الشاب د ناجي الأصم ورفاقه هم من يقررون في مستقبل الثورة والبلاد ، ونتيجة لطغيان الطموحات الذاتية والحزبية لدى قادة تجمع المهنيين تم تمرير الكثير من الأمور الهامة بعجلة متناهية من خلال الوثيقة الدستورية المعيبة ، وقد وضعت الوثيقة المذكورة بنتائجها السالبة البلاد في مفترق طرق . يُحمد للدكتور محمد ناجي الأصم انه ابتعد عن المشهد السياسي بعد ان صارت مساهماته مع رفاقه مخيبة للآمال ونافذة لإضعاف الدولة من خلال الأصابع الإقليمية والدولية، لقد أنزوى د الأصم ولم يصر على حمل اللافتة المرفوعة بإسم تجمع المهنيين السودانيين ، وقد توقف طواعية عن الإستمرار في إرتكاب المزيد من الأخطاء الفادحة. لم يسع تجمع المهنيين السودانيين وكان له الوضع المؤثر عقب نجاح ثورة ديسمبر المجيدة في تسهيل إجراءات تنظيم النقابات والإتحادات المهنية وانتخاب عضويتها من قواعدها، وأصبح التجمع نفسه عبارة عن لافتة سياسية يحملها بعض الأشخاص بعدد أصابع اليد حتى صدور قرارات البرهان بفض الشراكة مع نخب (قحت) وتجمع المهنيين . في ظل حكومة (قحت) لم يسع تجمع المهنيين لإجراء أي إنتخابات مهنية لأي نقابة أو أتحاد ليباشر المهنيون بأنفسهم إختيار من يمثلونهم، كما ومن المفارقات العجيبة ان هنالك من أعضاء تجمع المهنيين نافذون يقيمون ويعملون بمهن خارج البلاد وقد لجأوا إلى دول أخرى يلتمسون أسباب الأمان والحياة لأسرهم ومن هنالك يتمسكون بلافتة تجمع المهنيين السودانيين الفضفاضة ، وعقب فض شراكة قحت مع البرهان وعناصر اللجنة الأمنية للنظام البائد ، استدرك المهنيون فداحة نتائج الأخطاء المتراكمة بواسطة تجمع المهنيين، وقام الصحفيون بانتخاب نقابة الصحفيين السودانيين كما باشر الأطباء إنتخاب لجنتهم التمهيدية، ولو حدثت تلك الصحوة قبيل قرارات البرهان بالإطاحة بقحت ، لساعدت تلك الصحوة في تعزيز الممارسة الديمقراطية السليمة. لقد وجد زملاء الأصم ونخب الأحزاب ضالتهم في اللافتة السياسية بإسم تجمع المهنيين السودانيين والتحالفات الصورية ومارسوا إضعاف الممارسة الديمقراطية داخل الأجسام المهنية ، ولا يوجد حاليا على أرض الواقع أي وجود لتجمع المهنيين السودانيين إلا من خلال منابر السياسة و الإجتماعات ، كما وتحت غطاء تحالف (تقدم ) عادت نخب تجمع المهنيين لتكرار ذات الأخطاء الفادحة وهي تعتقد في بساطة متناهية بأن الأوضاع يمكن ان تسير كالسابق ولا تحتاج منها حتى إلى بذل القليل من الجهد في إجراء البحوث والدراسات المقارنة لتستفيد من تفادي تكرار الأخطاء .
* أطماع العودة إلى السلطة :
من يقرأ الاتفاق السياسي الموقع ما بين (تقدم) و(ق د س) يتبين له جليا أطماع الهرولة في إتجاه الحصول على مكاسب السلطة، لذلك لم تظهر قضايا المواطنين والحرب الدائرة بصورة جادة في الاتفاق السياسي ، كما وبرزت الشعارات السياسية مرة أخرى لأسباغ الشرعية على طرفي الاتفاق السياسي من خلال الآليات الواردة بصفحة (٤) منه وقد أتفق الطرفان على الآتي :
ثالثا : الآليات.
١/ اللجنة الوطنية لحماية المدنيين وتتولى مهام متابعة عودة المواطنين/ات لمنازلهم وتأمين تشغيل الأسواق والمستشفيات والمرافق الحيوية وتحديد مسارات عبور المساعدات الإنسانية وضمان وصولها.
٢/ اللجنة المشتركة للوصول لوقف وإنهاء الحرب وبناء السلام المستدام ومتابعة تنفيذ ما اتفق عليه في هذا الإعلان.
٣/ اللجنة الوطنية للتحقيق حول من أشعل الحرب.
٤/ اللجنة الوطنية المستقلة لرصد كافة الإنتهاكات في جميع انحاء السودان وتحديد المسؤولين عن ارتكابها وذلك بما يضمن محاسبتهم.
* الآليات المتفقة عليها بين الطرفين (تقدم) و(ق د س)ستفضي إلى تشكيل اللجان الأربع المذكورة، وهي آليات ولجان تنطبق عليها وصف لجان طمس الحقائق والإفلات من العقاب ، كما ومن خلال تشكيلها يسعى الطرفان وهما يعلمان تماما (كلاهما) بان اي طرف يعمل خفية على توظيف الأخر في خدمة أجنداته الذاتية، وليس من أجل تحقيق الديمقراطية أو كفالة الحقوق الأساسية المهدرة ، كما ولن يلتزم اي طرف منهما بما تم الاتفاق عليه تحت التربيزة، فليس في صالح الدعم السريع بعد هذه الكلفة الباهظة في الحرب ونتائجها التي لحقت بسمعة قيادات الدعم السريع ، إضافة لظهور قيادات ميدانية لديها طموحاتها الذاتية وقد مارست جميع أنواع الإنتهاكات وعرضت حياتها للمخاطر من أجل السلطة ان تتساهل مع نخب تقدم ، كما ومن المؤكد أيضا لن تقبل نخب تقدم لتصبح سلما لطموحات قيادات الدعم السريع ، وتؤدي دور الكومبارس بلا نفوذ في المشهد السياسي لصالح قيادات الدعم السريع التي برزت من أمثال جلحة وكيكل وسفيان وشيريا وغيرها ، وقد ظلت نخب تقدم دوما توعد الرأي العام بشعارات تحقيق الديمقراطية، فماذا تفعل بعد وقف الحرب .
* لجان الطرفان التي ستتشكل منهما (معا) بموجب الاتفاق السياسي وعلى رأسها اللجنة الوطنية التي تقوم بمهام الإضطلاع بحماية المدنيين وعودتهم وتأمين الأسواق والمستشفيات والمرافق والمسارات الآمنة ، هذا الإتجاه لتشكيل اللجنة المذكورة يُكشف ان الطرفان قد اتفقا على إنهاء دور الشرطة والقضاء والأجهزة الإدارية الأخرى بالدولة، كما وسينتج عنه إذا ما تم إنفاذه بالفعل المدخل الواسع نحو الفوضي الشاملة وتقنين لما يحدث الآن من خلال تكوين أجهزة قضائية وشرطية وإدارية بولايات غرب ووسط وجنوب دارفور والخرطوم والجزيرة ومن دون أي مرجعية أو ضوابط.
* اللجنة المشتركة التي ستشكل بموجب البند (٢) من الاتفاق السياسي وقد تم النص في البند المذكور على ربط الوصول إلى وقف وإنهاء الحرب وبناء السلام المستدام بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه بين الطرفين مما يعني إستمرار الحرب وإلى حين إنفاذ الاتفاق السياسي بين طرفيه ، وقد صار ذلك من شروط وقف وإنهاء الحرب.
* البند (٣) من الاتفاق هو المدخل الحقيقي لطمس الحقائق، فهذه اللجنة التي ستشكل بإسم اللجنة الوطنية للتحقيق حول من الذي أشعل الحرب هي لجنة ستكون إدارية تشكيلها سيكون تكرارا لما حدث بموجب أحكام الوثيقة الدستورية المعيبة على غرار تشكيل لجنة استاذ نبيل أديب بموجب قانون لجان التحقيق لسنة ١٩٥٤م بشأن جريمة فض الإعتصام ، كما ومن خلال اللجنة المشار إليها سيتم طمس الحقائق كما ذكرنا في المقال السابق(٥) . والسؤال المشروع ،ما الذي يمكن تحقيقه إذا تم بالفعل تحديد من الذي اشعل الحرب . هذه الشماعة المرفوعة بواسطة طرفي الاتفاق السياسي بغض النظر عمن هو من بادر بأشعال الحرب . المؤكد ان الطرفان قد أرتكبا جرائم جسيمة تندرج ضمن أخطر الجرائم في القانون الدولي الإنساني والقانون الإنساني الدولي و هما شريكان في الحرب ونتائجها، كما ان تحديد من الذي أشعل الحرب لن يفيد في إنتفاء المسؤولية الجنائية المشتركة بينهما . فما الذي يفيد بالضبط عند التحقيق في هذا الأمر ، ومن دون ان يكون التحقيق بواسطة النائب العام والنيابة العامة المستقلة وفي ظروف سليمة وحكومة مدنية مخولة بسلطة الشعب ، المؤكد ان هكذا تحقيق قد يصرف النظر عن الموضوع الأساسي وعن ملاحقة الطرفين المتورطين وبالتالي الإفلات من المساءلة والعقاب.
* ما ورد بالبند (٤) من الاتفاق عن تشكيل لجنة وطنية مستقلة، السؤال هنا، وكيف يمكن تكوين هذه اللجنة المستقلة ومرجعية تشكيلها غير مستقلة؟ كما وان أحد طرفي الاتفاق السياسي مسؤولا مسؤولية أساسية، وبصورة مباشرة عن هذه الجرائم والإنتهاكات الجسيمة المرتكبة. نواصل.