العملات الاجنبية تحافظ على استقرارها مرتفعة مقابل الجنيه السوداني

تشهد سوق العملات الأجنبية في السودان حالة من الثبات النسبي عند مستويات تاريخية مرتفعة، حيث حافظت أسعار الصرف اليوم الاثنين الموافق 8 سبتمبر 2025 على سقفها القياسي مقابل الجنيه السوداني في السوق الموازي، بعد موجة تصاعدية حادة بدأت منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023. هذا الاستقرار لا يعكس تحسناً في المؤشرات الاقتصادية، بل يمثل تجمداً عند نقطة انهيار نقدي غير مسبوقة، ما يستدعي قراءة تحليلية معمّقة في أسباب هذا التدهور البنيوي.
من 560 إلى 3500: تسارع الانهيار النقدي
وفقاً لبيانات موقع “أخبار السودان”، بلغ سعر بيع الدولار الأمريكي اليوم 3500 جنيهاً، مقارنة بـ560 جنيهاً ليلة اندلاع الحرب، ما يعكس نسبة تراجع في قيمة الجنيه تجاوزت 525% خلال 29 شهراً. هذا الانخفاض الحاد في سعر صرف العملة المحلية يعكس فقدان الثقة في الجنيه كمخزن للقيمة، وتحول السوق الموازي إلى المؤشر الحقيقي لتوازنات العرض والطلب النقدي في ظل غياب أدوات فعالة للضبط المالي.
مستويات صرف غير مسبوقة لباقي العملات
لم يكن الدولار وحده في مسار الصعود، بل تبعته معظم العملات الأجنبية الأخرى، حيث سجل الريال السعودي 933.333 جنيهاً، والدرهم الإماراتي 953.6784 جنيهاً، واليورو 4069.76 جنيهاً، والجنيه الإسترليني 4729.7297 جنيهاً، بينما بلغ الجنيه المصري 72.135 جنيهاً، والريال القطري 958.9041 جنيهاً. أما أسعار الشراء، فقد تراوحت بين مستويات مرتفعة نسبياً، مع رصد تفاوتات محلية طفيفة تعكس تذبذباً في السيولة النقدية المتاحة.
العوامل الهيكلية وراء الانهيار
يتضح من تحليل المؤشرات الكلية أن تدهور الجنيه السوداني لم يكن وليد لحظة الحرب فقط، بل نتيجة تراكمات اقتصادية ممتدة. من أبرز هذه العوامل:
- انخفاض الصادرات: أدى إلى تراجع تدفقات النقد الأجنبي، خاصة من قطاعات الزراعة والتعدين.
- زيادة الواردات: رفعت العجز التجاري، وأضعفت قدرة الدولة على موازنة الطلب على العملات الأجنبية.
- تهريب الأموال: ساهم في نزيف احتياطي النقد الأجنبي، وأضعف قدرة البنك المركزي على التدخل.
- نقص الاحتياطي النقدي: دفع السوق الموازي إلى لعب دور رئيسي في تحديد الأسعار.
- زيادة الطلب على الدولار: نتيجة تآكل الثقة في الجنيه، وتحول الدولار إلى أداة تحوط رئيسية.
السياسة المالية في ظل الحرب: أثر مزدوج
تشير التقارير إلى أن الحكومة السودانية خصصت نسبة كبيرة من ميزانيتها لدعم الجيش واستيراد الوقود، ما أدى إلى تراجع الإنفاق التنموي، وتفاقم العجز المالي. هذا التوجه، وإن كان مبرراً أمنياً، ساهم في تقليص قدرة الدولة على دعم القطاعات الإنتاجية، وأدى إلى تآكل الإيرادات الضريبية والجمركية، خاصة مع توقف تحويلات المغتربين، وتراجع النشاط الاقتصادي في الداخل.
الانعكاسات المستقبلية: سيناريوهات مقلقة
يحذر خبراء الاقتصاد من أن استمرار الوضع الراهن قد يؤدي إلى:
- مزيد من التدهور في قيمة الجنيه
- ارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات مفرطة
- تآكل القدرة الشرائية للمواطنين
- تصاعد معدلات الفقر والبطالة
- انكماش اقتصادي طويل الأمد
في ظل غياب إصلاحات هيكلية عاجلة، واستمرار التحديات الأمنية، فإن الاقتصاد السوداني يواجه خطر الانزلاق نحو حالة من الانكماش المزمن، ما لم يتم تبني سياسات نقدية ومالية أكثر مرونة، تعيد الثقة إلى السوق، وتعيد هيكلة أولويات الإنفاق العام.