استقرار حذر فى اسواق العملات بالسودان

استقرار حذر فى اسواق العملات بالسودان

يشهد السوق الموازي في السودان حالة من الاستقرار الحذر في أسعار العملات الأجنبية مقابل الجنيه السوداني، وذلك بعد أسابيع من الارتفاعات المتسارعة التي دفعت بأسعار الصرف إلى مستويات غير مسبوقة في تاريخ البلاد. هذا الثبات اللافت، الذي سُجل صباح السبت الموافق 6 سبتمبر 2025، يأتي بعد موجة تصاعدية بدأت منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، حين كان سعر صرف الدولار لا يتجاوز 560 جنيهاً، ليصل اليوم إلى 3500 جنيهاً للبيع، بزيادة تتجاوز 525% خلال أقل من عامين ونصف، وفق بيانات موقع “أخبار السودان” الذي يرصد حركة السوق يوميا.

وبحسب الأسعار المتداولة اليوم، بلغ سعر بيع الدولار الأمريكي 3500 جنيهاً، فيما تراوح سعر الشراء بين 3450 و3495.6 جنيهاً في بعض المناطق، ما يعكس تفاوتاً طفيفاً في العرض والطلب داخل السوق الموازي. أما الريال السعودي فقد سجل 933.333 جنيهاً للبيع و920 جنيهاً للشراء، بينما بلغ الدرهم الإماراتي 953.6784 جنيهاً للبيع و940.054 جنيهاً للشراء. اليورو وصل إلى 4069.76 جنيهاً للبيع و4011.62 جنيهاً للشراء، والجنيه الإسترليني سجل 4729.7297 جنيهاً للبيع مقابل 4662.16 جنيهاً للشراء. كما رُصدت أسعار الريال القطري عند 958.9041 جنيهاً للبيع و945.205 جنيهاً للشراء، والدينار البحريني عند 9078.947 جنيهاً، والريال العماني عند 9100 جنيهاً، والدينار الكويتي عند 11129.032 جنيهاً.

هذا الاستقرار النسبي في الأسعار، رغم كونه عند مستويات تاريخية مرتفعة، لا يعكس تحسناً في المؤشرات الاقتصادية، بل يُعد مؤشراً على بلوغ السوق مرحلة من التشبع في الطلب، وسط تراجع القدرة الشرائية وانكماش السيولة النقدية. ويُعزى هذا التدهور الحاد في قيمة الجنيه السوداني إلى مجموعة من العوامل البنيوية والسياسية، أبرزها الانخفاض الحاد في الصادرات، الذي أدى إلى تراجع الدخل القومي، مقابل زيادة مستمرة في الواردات، ما فاقم العجز في الميزان التجاري.

كما ساهم تهريب الأموال إلى الخارج، ونقص احتياطي النقد الأجنبي، في زيادة الضغط على الجنيه، في وقت ارتفع فيه الطلب على الدولار بشكل غير مسبوق، سواء من قبل التجار أو المواطنين الباحثين عن ملاذ آمن لأموالهم. وتفاقمت هذه الأزمة بفعل الأوضاع الأمنية المتدهورة، إذ خصصت الحكومة السودانية نسبة كبيرة من ميزانيتها لدعم الجيش وتمويل عمليات استيراد الوقود، ما أدى إلى استنزاف الموارد العامة وتراجع الإنفاق على القطاعات الإنتاجية والخدمية.

ورغم محاولات الحكومة لضبط السوق عبر إجراءات تنظيمية وملاحقة المضاربين، إلا أن استمرار الصراعات المسلحة في مناطق واسعة من البلاد، وتراجع الإنتاج الزراعي والحيواني والتعديني، ساهم في تقويض أي جهود للاستقرار الاقتصادي. ويُعد قطاع الزراعة وتربية المواشي من أبرز مصادر الدخل القومي، إلا أن تراجع الإنتاج فيهما بسبب الحرب والنزوح وانعدام الأمن، أدى إلى انخفاض كبير في العائدات الخارجية.

في هذا السياق، حذر خبراء اقتصاديون من أن استمرار الوضع الراهن قد يقود إلى مزيد من الانهيار في قيمة الجنيه السوداني، مع توقعات بارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات غير قابلة للضبط، وتزايد معدلات الفقر في مختلف أنحاء البلاد. كما أشاروا إلى أن تراجع الإيرادات الضريبية والجمركية، ووقف تحويلات السودانيين في الخارج نتيجة تعطل النظام المصرفي، يزيد من تعقيدات المشهد الاقتصادي، ويضع البلاد أمام تحديات غير مسبوقة في تاريخها الحديث.

وبينما يترقب السوق أي مؤشرات على تدخل دولي أو إقليمي لدعم الاقتصاد السوداني، تبقى أسعار العملات عند مستوياتها التاريخية، في ظل غياب رؤية واضحة للخروج من الأزمة، واستمرار حالة الجمود السياسي والعسكري التي تعصف بالبلاد منذ أكثر من عامين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *