بابنوسة .. روايات متعددة

بابنوسة .. روايات متعددة

تضارب في الروايات حول الوضع الميداني في بابنوسة وسط تصاعد المواجهات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في ولاية غرب كردفان. تصاعد النزاع المسلح في مدينة بابنوسة بولاية غرب كردفان يعكس تحولاً ميدانياً خطيراً في خارطة الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وسط تحذيرات من تفاقم الأزمة الإنسانية في المنطقة المحاصرة منذ أشهر.

أكدت مصادر عسكرية في الجيش السوداني أن القوات المسلحة لا تزال متمركزة في مواقعها داخل مدينة بابنوسة بولاية غرب كردفان، مشيرة إلى أن وحدات الجيش تواصل التصدي لهجمات قوات الدعم السريع وتتمسك بخطوطها الدفاعية في محيط المدينة. وتأتي هذه التصريحات في وقت تتصاعد فيه حدة المواجهات بين الطرفين، وسط ظروف ميدانية معقدة وأوضاع إنسانية متدهورة.

في المقابل، أعلنت قوات الدعم السريع أنها أحكمت سيطرتها على مدينة بابنوسة من عدة محاور، مؤكدة فرض طوق عسكري شامل حول المدينة وتقدمها داخل الأحياء السكنية. وأشارت في بيان رسمي إلى أن قواتها دفعت الجيش السوداني إلى التراجع نحو محيط مقر الفرقة 22 مشاة، في خطوة اعتبرتها مؤشراً على تقدم ميداني واسع النطاق. ويأتي هذا الإعلان في سياق تصعيد عسكري مستمر تشهده ولاية غرب كردفان منذ أسابيع، وسط تضارب في الروايات بشأن السيطرة الفعلية على الأرض.

أعلنت قوات الدعم السريع، في بيان رسمي صدر يوم الأربعاء، أنها تمكنت من إحكام السيطرة على ثلاثة محاور رئيسية داخل مدينة بابنوسة الواقعة في ولاية غرب كردفان، مشيرة إلى تطويق مقر الفرقة 22 التابعة للجيش السوداني. كما أفادت بإسقاط طائرة مسيّرة تابعة للقوات المسلحة في أجواء المدينة صباح اليوم ذاته. وتأتي هذه التطورات في سياق تصاعد المعارك بين الطرفين، حيث تحولت بابنوسة إلى نقطة اشتباك جديدة بعد أن شهدت خلال الأيام الماضية واحدة من أعنف المواجهات في الإقليم، ما يعكس تغيراً نوعياً في مسار العمليات العسكرية غرب السودان.

اتهمت شبكة أطباء السودان قوات الدعم السريع باعتقال سبع أسر مدنية تضم نساء وأطفالاً في المناطق المحيطة بمدينة بابنوسة، على خلفية الاشتباه بانتماء أقاربهم إلى الجيش السوداني. ووصفت الشبكة هذه الإجراءات بأنها اعتقال تعسفي وعقاب جماعي بحق المدنيين، معتبرة أنها ترقى إلى مستوى جرائم الحرب. من جانبه، نفى الباشا طبيق، مستشار قائد قوات الدعم السريع، هذه الاتهامات، مؤكداً عبر منشور على منصة “إكس” أن المدينة خالية من السكان المدنيين منذ منتصف العام الماضي، واتهم الشبكة بنشر معلومات غير دقيقة تهدف إلى التأثير على الرأي العام المحلي والدولي.

شهدت مدينة بابنوسة صباح الأربعاء تجدد الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، حيث شنت الأخيرة هجوماً واسعاً من أكثر من ثلاثة محاور، ما أدى إلى اندلاع مواجهات عنيفة استخدمت فيها الأسلحة الثقيلة والمدفعية. ووفقاً لمصادر ميدانية، ترافقت المعارك مع قصف مدفعي متبادل، إذ استهدفت قوات الدعم السريع تحركات الجيش داخل المدينة، بينما ردت القوات المسلحة بقصف المواقع التي تنطلق منها القذائف. ولم يصدر الجيش السوداني تعليق مباشر على إعلان الدعم السريع بشأن إسقاط طائرة مسيّرة من طراز “كانجي”، لكنه أكد في بيان مقتضب أن الوضع الميداني لا يزال تحت السيطرة.

تداول ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة تظهر عناصر من قوات الدعم السريع داخل عدد من أحياء مدينة بابنوسة، مؤكدين تقدمهم في المحاور الشمالية والغربية والجنوبية، إضافة إلى اختراق السوق من الجهة الشرقية. ووفقاً لما ورد في تلك التسجيلات، فرضت قوات الدعم السريع طوقاً جديداً على مواقع الجيش داخل المدينة، ما دفع القوات المسلحة إلى التراجع نحو مقر الفرقة 22 مشاة بعد مواجهات ضارية. وتشير المقاطع إلى أن المسافة الفاصلة بين قوات الدعم السريع ومقر الفرقة لا تتجاوز ثلاثة أحياء، من بينها حي المطار وحي السلام، ما يعكس ضيق نطاق الاشتباكات داخل المدينة.

أكدت قوات الدعم السريع في بيانها الصادر يوم الأربعاء 12 نوفمبر 2025 أنها أسقطت طائرة مسيّرة في سماء بابنوسة، مشيرة إلى استعدادها لصد أي هجوم محتمل من الجيش السوداني. وتخضع المدينة منذ عدة أشهر لحصار شامل فرضته قوات الدعم السريع، ما تسبب في أزمة حادة في الغذاء والدواء، وسط استمرار المعارك منذ اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023. وتسيطر قوات الدعم السريع على معظم مناطق غرب كردفان، بما في ذلك الفولة، النهود، والخوي، بينما يحتفظ الجيش السوداني بوجوده في مدينة بابنوسة وحقول النفط الاستراتيجية في منطقة هجليج، ما يجعلها نقطة اشتباك مستمرة بين الطرفين.

أدت المواجهات المستمرة في مدينة بابنوسة إلى سقوط أعداد كبيرة من الضحايا في صفوف المدنيين، ما دفع غالبية السكان إلى مغادرة منازلهم في حركة نزوح جماعي غير مسبوقة. وقد نزح آلاف المدنيين وسط ظروف إنسانية وصحية بالغة التعقيد، مع تصاعد المناشدات المحلية والدولية لفتح ممرات آمنة تتيح حركة المواطنين ووصول المساعدات الإنسانية بشكل عاجل. وتكتسب المدينة أهمية استراتيجية كبيرة، إذ تقع على خط السكة الحديد الذي يربط بين مدينة كوستي في ولاية النيل الأبيض ونيالا وصولاً إلى مدينة واو في جنوب السودان، ما يجعلها مركزاً حيوياً في الصراع الدائر بين الجيش وقوات الدعم السريع.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *