تصعيد عسكرى فى السودان يعكس هشاشة المبادرات الدولية

تصعيد عسكرى فى السودان يعكس هشاشة المبادرات الدولية

في تصعيد ميداني جديد يعكس هشاشة المبادرات الدولية لوقف إطلاق النار، شنت قوات الدعم السريع سلسلة هجمات منسقة بطائرات مسيّرة على مواقع تابعة للجيش السوداني في عدة مدن، أبرزها عطبرة وأم درمان، بالتزامن مع قصف مدفعي عنيف على مدينة الدلنج، وذلك بعد يوم واحد فقط من إعلان الجماعة موافقتها على هدنة إنسانية اقترحتها الوساطة الرباعية.

نفذت قوات الدعم السريع فجر الجمعة هجمات جوية متزامنة باستخدام طائرات مسيّرة استهدفت مواقع عسكرية في مدينة عطبرة بولاية نهر النيل، ومدينة أم درمان بولاية الخرطوم. وأفاد شهود عيان بسماع دوي انفجارات عنيفة في الأطراف الشمالية والشرقية لعطبرة، أعقبها تصاعد كثيف لأعمدة الدخان، فيما شوهدت سيارات الإسعاف تتجه إلى مناطق القصف. وأغلقت السلطات الطرق المؤدية إلى الأحياء المتضررة، وطلبت من السكان البقاء في منازلهم. وفي أم درمان، حلقت مسيّرات قبيل الفجر فوق منطقتي كرري والثورة، حيث يُعتقد أنها استهدفت مواقع للجيش، وردت الدفاعات الأرضية بإطلاق نيران كثيفة، دون توفر معلومات دقيقة عن حجم الخسائر حتى الآن.

في ولاية جنوب كردفان، أعلنت شبكة أطباء السودان أن مدينة الدلنج تعرضت لقصف مدفعي يوم الخميس، أسفر عن مقتل ستة أشخاص وإصابة 12 آخرين. وأفادت مصادر عسكرية بأن القصف نُفذ من قبل قوات الدعم السريع بالتنسيق مع عناصر من الحركة الشعبية، واستُخدمت فيه مدفعية ثقيلة من الجهتين الشمالية والشرقية للمدينة. وأدى الهجوم إلى دمار واسع وسقوط ضحايا من المدنيين والعسكريين. وأكد مسؤول عسكري أن الجيش السوداني اعترض 15 طائرة مسيّرة أُطلقت باتجاه عطبرة، دون تسجيل إصابات، فيما تصدت الدفاعات الأرضية لهجوم مماثل على أم درمان. وأشارت وكالة “أسوشييتد برس” إلى أن السكان سمعوا دوي انفجارات في المدينتين، بينما أُغلقت بعض الطرق الحيوية نتيجة القصف.

تأتي هذه الهجمات بعد يوم واحد فقط من إعلان قوات الدعم السريع موافقتها على مقترح هدنة إنسانية قدمته الوساطة الرباعية التي تضم الولايات المتحدة، السعودية، الإمارات، ومصر. ورغم إعلان الجماعة التزامها بالمبادرة، أفادت تقارير إعلامية وشهادات ميدانية بوقوع هجمات جديدة بطائرات مسيّرة على مواقع تابعة للجيش في العاصمة الخرطوم ومحيطها. وأكد شهود عيان لوكالة الصحافة الفرنسية تحليق مسيّرات وسماع دوي انفجارات في مناطق خاضعة لسيطرة الجيش، في وقت لم تُعلن فيه أي تفاصيل رسمية عن آليات تنفيذ الهدنة أو جدولها الزمني.

بعد أسبوعين من سيطرتها على مدينة الفاشر، آخر معاقل الجيش في إقليم دارفور، وسّعت قوات الدعم السريع نطاق عملياتها نحو الشرق، مستهدفة ولايات كردفان والعاصمة الخرطوم. وأفاد شهود في شمال أم درمان بسماع أصوات مضادات أرضية أعقبها انفجارات قرب قاعدة وادي سيدنا العسكرية ومحطة المرخيات للطاقة، ما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي في بعض الأحياء. وفي عطبرة، الواقعة على بعد 300 كيلومتر شمال الخرطوم، تحدث السكان عن تحليق مكثف للطائرات المسيّرة، تلاه إطلاق نار من المضادات الأرضية واندلاع حرائق في شرق المدينة.

أعلنت نقابة أطباء السودان أن قصفًا عشوائيًا نفذته قوات الدعم السريع على مدينة الدلنج أدى إلى تدمير قسم الأشعة والتصوير الطبي في مستشفى الدلنج التعليمي، مما تسبب في تعطيل أحد أهم المرافق الصحية في المنطقة. وأشارت النقابة إلى سقوط عدد من الجرحى، في وقت تواصل فيه قوات الدعم السريع حصار المدينة منذ يونيو 2023، ما فاقم من تدهور الوضع الإنساني فيها. وتأتي هذه التطورات في ظل تصاعد التحذيرات الدولية من استهداف المدنيين والمنشآت الطبية، وسط غياب ممرات آمنة للنازحين.

كانت قوات الدعم السريع قد أعلنت الخميس موافقتها على مقترح هدنة إنسانية قدمته الرباعية الدولية، ويقضي بوقف إطلاق النار لمدة ثلاثة أشهر. وأفاد مسؤول سعودي لوكالة الصحافة الفرنسية أن المقترح يهدف إلى تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية ووقف استهداف المدنيين. ولم تُعلن حتى الآن تفاصيل رسمية بشأن آليات تنفيذ المبادرة أو التزامات الأطراف المتحاربة. ودعت وزارة الخارجية الأمريكية طرفي النزاع إلى الالتزام الفوري بالهدنة، مشددة على ضرورة حماية المدنيين وتوفير ممرات آمنة للنازحين.

جاءت هذه المبادرة بعد أيام من إعلان قوات الدعم السريع سيطرتها على مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، عقب حصار استمر أكثر من عام. وأفادت الأمم المتحدة بوقوع مجازر وعمليات اغتصاب ونهب ونزوح جماعي للسكان، في واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية التي شهدها الإقليم. وأكدت تقارير أممية أن المدينة شهدت فظائع موثقة، مدعومة بمقاطع مصورة نشرتها قوات الدعم السريع على منصات التواصل الاجتماعي، في وقت انقطعت فيه الاتصالات بشكل كامل عن المدينة، ما صعّب من عمليات التوثيق والمساعدة.

أسفر النزاع المستمر في السودان منذ منتصف أبريل 2023 عن مقتل عشرات الآلاف من الأشخاص، ونزوح نحو 12 مليونًا، وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة. وتُعد الأزمة السودانية حاليًا من أكبر أزمات النزوح والجوع في العالم، وسط تحذيرات منظمات الإغاثة من انهيار كامل للمنظومة الإنسانية، في ظل استمرار القتال وغياب أي أفق سياسي لإنهاء الحرب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *