فيضانات السودان تهدد المشاريع الزراعية وتغرق المنازل السكنية

 فيضانات السودان تهدد المشاريع الزراعية وتغرق المنازل السكنية

 

أعلنت وزارة الري والموارد المائية في السودان حالة الطوارئ القصوى، بعد تسجيل ارتفاع قياسي في مناسيب نهر النيل، نتيجة تدفقات غير مسبوقة من سد النهضة الإثيوبي، واصدرت السلطات السودانية انذارا احمر يشمل عدة ولايات على امتداد الشريط النيلي، وسط تحذيرات من فيضانات مدمرة قد تغرق المنازل والأراضي الزراعية، وتعرض حياة آلاف المواطنين للخطر وسط تطور مقلق ينذر بكارثة بيئية وانسانية وتهديد واسع النطاق.

ووجهت غرف الطوارئ فى السودان تحذيرا ونداءا عاجلا للمواطنيين من خطر حقيقي يواجه المناطق الحاذية للنيل بعدما اجتاحت المياه جميع الحواجز واغرقت المنازل السكنية وسط تزايد مضطرد فى منسوب النيل، وشهدت عدة ولايات سودانية موجة فيضانات عارمة اجتاحت المنازل والأحياء السكنية والأراضي الزراعية، في كل من إقليم النيل الأزرق وولايات سنار والجزيرة والخرطوم ونهر النيل والشمالية، وتسببت مياه النيل المرتفعة في أضرار جسيمة، وسط تحذيرات من استمرار ارتفاع المناسيب خلال الأيام المقبلة، ما يهدد بمزيد من الخسائر في الأرواح والممتلكات.

وحذر خبراء سودانيون من التأثيرات المباشرة لتشغيل سد النهضة الإثيوبي على السودان، في حال عدم التوصل إلى اتفاقيات شاملة بين الدول الثلاث المعنية السودان، مصر، وإثيوبيا، وقال الخبير فى القانون الدولى هانى احمد السر أن عدم الإخطار المسبق بعمليات تشغيل السد يشكل تهديدا مباشرا للسودان،واشار إلى أن ذلك قد يؤدي إلى اضطرابات اقتصادية واجتماعية واسعة، وشدد على ضرورة الالتزام بالمعايير البيئية في حوض النيل،مستندا إلى اتفاقية فيينا،ومؤكدا أن منظمة الوحدة الأفريقية أقرت مبدأ التوارث في حقوق مياه النيل.

وأضاف فى جلسة حوار حول اضرار سد النهضة عقدت امس أن هناك جهات خارجية تسعى لتحويل إثيوبيا إلى مركز اقتصادي إفريقي، مشيرًا إلى وجود شراكة إسرائيلية إثيوبية في هذا السياق، كما نبه إلى الآثار السلبية المحتملة للسد، منها خطر الزلازل، الجفاف المائي في الصيف، والفيضانات في موسم الخريف التي بدات تغرق مناطق الخرطوم والجزيرة، مما يستدعي حماية دقيقة للبنية الإنشائية للسد.

وقال مختصون ان فيضانات السودان نتيجة مباشرة لسلسلة من الأخطاء التقنية والإدارية في إدارة سد النهضة منذ عام 2015، وأن طريقة تعبئة السد وتشغيل التوربينات لم تخضع للمعايير العلمية المطلوبة،حيث أن أربعة توربينات فقط كانت تعمل مؤخرا، رغم أن السد مصمم لتشغيل أربعة عشر، واكدوا ان الخلل، أدى إلى اضطرار السلطات الإثيوبية لفتح بوابات السد بشكل مفاجئ، ما تسبب في تدفق كميات هائلة من المياه نحو السودان، وصلت إلى نحو 750 مليون متر مكعب يوميًا، وهو رقم بالغ الخطورة في ظل غياب خطط تصريف علمية.

وأصدرت الإدارة العامة لشؤون مياه النيل التابعة لوزارة الزراعة والري تنويهاً عاجلاً للمواطنين القاطنين على ضفاف النيل، دعتهم فيه إلى اتخاذ التدابير اللازمة لحماية ممتلكاتهم وأرواحهم. وأشارت الإدارة إلى أن مناسيب النيل لا تزال في حالة ارتفاع مستمر، ما يستدعي الحذر الشديد، واكدت انخفاض إيراد النيل الأزرق إلى 699 مليون متر مكعب يومياً، وتخفيض تصريف سد الروصيرص إلى 613 مليوناً، في حين بلغ تصريف سد سنار 688 مليون متر مكعب، وسجل خزان جبل أولياء أكثر من 130 مليوناً، وسد خشم القربة تجاوز 120 مليوناً، بينما بلغ تصريف سد مروي أكثر من 730 مليون متر مكعب يوميا.

وأوضحت الإدارة أن عدداً من المحطات والولايات والأنهار وصلت إلى منسوب الفيضان، من بينها محطات ود العيس بولاية سنار،الخرطوم، الجزيرة ،نهر النيل،أما الولايات المتأثرة فهي النيل الأزرق، سنار،الجزيرة، الخرطوم، نهر النيل، والنيل الأبيض. وتشمل الأنهار المتضررة النيل الأزرق (محطة الخرطوم)، النيل الأبيض (الجبلين – الخرطوم)، والنيل الرئيسي (الخرطوم – دنقلا).

في شمال مدينة الخرطوم بحري “منطقة ود رملى” اجتاحت الفيضانات المنطقة بعد انهيار سد ترابي كان يشكل حاجز طبيعى امام المياه،وأسفر الانهيار عن غمر عدد كبير من المنازل والمزارع، ما أدى إلى حالة من الذعر بين السكان المحليين الذين أطلقوا نداءات استغاثة عاجلة لإجلائهم وتأمينهم من خطر الغرق،وسط ضعف البنية التحتية وعدم كفاية التدابير الوقائية.

وقالت وزارة الصحة السودانية أن ثلاث ولايات تأثرت بالفيضانات، الجزيرة، الشمالية، والنيل الأبيض،وأوضحت في بيانها أن 386 أسرة، تضم 1876 شخصاً، تضررت نتيجة للأمطار وارتفاع مناسيب النيل، مع توقعات بزيادة هذه المعدلات في الأيام المقبلة.

واظهرت صور معاناة انسانية متفاقمة يعيشها سكان جنوب الخرطوم فى المناطق المحاذية للنيل نتيجة الفيضان الذى اجتاح أجزاء واسعة من المنطقة، متسببا في تدمير عدد من المنازل وتشريد الأسر، وتظهر الصور والتقارير الأولية حجم الأضرار التي لحقت بالبنية السكنية، وسط غياب التدخلات العاجلة من الجهات المختصة،ما فاقم من معاناة الأهالي الذين باتوا في حاجة ماسة إلى مساعدات إغاثية عاجلة تشمل المأوى والغذاء والمياه النقية.

وفى وقت نفي فيه مختصون من تاثير سد النهضة بالفيضانات، قالوا ان ظاهرة النينو وارتفاع درجات الحرارة ساهمت فى رفع معدلات التبخر واضطراب الفاصل المدارى الذى تحرك شمالا حتى مدينة اسوان المصرية.

ويوضح خبير الري أبوبكر مصطفى أن سد النهضة كان مغلق خلال شهر أغسطس، مكتفيا بتصريف محدود عبر التوربينات، وهو ما أنقذ السودان من كارثة محتملة، إذ كان من الممكن أن تتجاوز التدفقات مليار متر مكعب يوميا إذا اجتمع فيضان نهر عطبرة مع تصريف السد، وانتقد غياب التنسيق بين إثيوبيا والسودان، والاعتماد على معايير قديمة لإدارة السدود، واعتبر أن ذلك فاقم الأزمة.

واتهم خبراء سد النهضة بالتسبب في الفيضانات الحالية بالسودان،وقالوا ان السد لم يتم تفريغه تدريجيا بل تم تخزين المياه خلال موسم الأمطار في إثيوبيا بين يونيو وأغسطس، ما حمّله عبئا إضافيا، وأضافوا أن التوربينات الأربعة التي كان من المفترض أن تساعد في تقليل المياه فشلت في العمل، مما منع إثيوبيا من إطلاق المياه الفائضة، التي تدفقت بكميات ضخمة باتجاه السودان.

وتضررت مشاريع زراعية بولاية الجزيرة من خطر الفيضان وقال مدير الزراعة مبارك عبد الرحمن يعقوب،ان الفيضانات اثرت على العمليات الزراعية حيث تضررت اكثرمن  2000 فداناً موزعة على 176 مزرعة تنتج المزارع الخضروات والمنتجات البستانية مثل الورقيات والمانجو والموالح والموز،فى المناطق جنوب الجزيرة الامر الذى يؤثر بصورة مباشرة على المزارعين وتحقيق الامن الغذائي للمواطنيين.

وفى ولاية نهر النيل شهد النيل ارتفاعا كبيرا فى المناسيب تسببت فى انهيار المنازل والبنى التحتية،وقال مواطنون ان الفيضانات غمرت اجزاء كبيرة من الاراضي الزراعية وقطعت الطريق القومى فى الولاية بعد ان جرفت الاسفلت ما تسبب فى شلل تام فى حركة المرور. وتاثرت جزيرة بدين فى الولاية الشمالية ومناطق بمحلية مروى، فى وقت اجتاحت المياه ولاية سنار وتسببت فى تضرر مساحات زراعية واسعة وسط تحذيرات من استمرار الخطر.

ويقول مدير خزان سنار محمد الحاج ان ادارته تعاملت مع تدفقات المياه عبر تفريغ جزئي للبحيرة بهدف حماية المناطق المنخفضة الواقعة خلفها من الغرق، وأشار إلى أن الإدارة العامة لشؤون مياه النيل، أصدرت نشرات تحذيرية بشأن هذه الزيادات،وقال أن نمط تدفق المياه في السنوات السابقة كان يتركز عادة بين النصف الثاني من أغسطس والأسبوع الأول من سبتمبر.

وحمل المدير تشغيل سد النهضة،وقال انه ساهم فى تعقيد الوضع المائي نتيجة غياب المعلومات الدقيقة حول التصريف، ما اضطر السلطات السودانية إلى الاعتماد على محطات القياس الداخلية بعد دخول المياه إلى البلاد، وناشد المواطنين المقيمين قرب ضفاف النيل والمناطق المنخفضة ومواقع الهشاشة البيئية توخي الحذر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *