الممثل السوداني “فضيل” يتشبب فى ازمة بسبب ثورة ديسمبر

واجه الممثل الكوميدي السوداني عبد الله عبد السلام، المعروف باسم “فضيل”، موجة انتقادات حادة من الجمهور السوداني عقب تصريحات مثيرة للجدل وصف فيها ثورة ديسمبر بأنها “أسوأ ثورة في تاريخ السودان”. التصريحات التي جاءت في مقطع فيديو متداول على منصات التواصل الاجتماعي، أثارت ردود فعل غاضبة من قطاعات واسعة من السودانيين، الذين اعتبروا ما قاله فضيل إساءة مباشرة لثورة شعبية أطاحت بنظام ديكتاتوري، وشكلت نقطة تحول مفصلية في تاريخ البلاد. الهجوم الجماهيري لم يقتصر على مضمون التصريح، بل امتد ليشمل المسيرة الفنية لفضيل، وسط تساؤلات عن دوافعه الحقيقية وراء هذا الموقف المفاجئ.
انتقاد المنهج
في الفيديو الذي أثار الجدل، وجّه فضيل انتقادات لاذعة إلى وزارة التربية والتعليم، على خلفية تضمين درس في كتاب اللغة العربية للصف الرابع الابتدائي يتناول الاحتفال السنوي بثورة ديسمبر تحت شعار “حرية سلام وعدالة”. واعتبر فضيل أن إدراج هذا المحتوى في المناهج الدراسية يمثل “كارثة”، قائلاً إن تدريس الأطفال هذا النوع من المحتوى هو “مصيبة”، مضيفاً أن “الوزير إذا لم يكن يعلم فهذه مصيبة، وإذا كان يعلم وسكت فالمصيبة أعظم”. التصريحات جاءت في سياق رفضه لما اعتبره “تمجيداً لثورة لا تستحق”، وهو ما اعتبره كثيرون تجاوزاً للحدود المهنية والأخلاقية، خاصة أن الحديث كان موجهاً للأطفال في مرحلة تعليمية مبكرة.
تناقض المواقف
تصريحات فضيل الأخيرة تتناقض بشكل صارخ مع مواقفه السابقة التي عبّر عنها خلال الفترة الانتقالية التي أعقبت الثورة. ففي مقابلة صحفية أجريت معه عام 2022، أكد فضيل أنه لا ينتمي إلى أي توجه سياسي، وأنه لا ينتقد حكومة الثورة، مشيراً إلى أن الجدل الذي أثير حوله في تلك الفترة كان نتيجة “بتر مقاطع” من قبل عناصر النظام السابق. وقال حينها إنه يفضل الابتعاد عن السياسة حفاظاً على جمهوره، مؤكداً أن الفنان يعالج القضايا المجتمعية من خلال الفن وليس الخطاب السياسي. هذا التحول من الحياد إلى الهجوم المباشر على الثورة أثار تساؤلات حول دوافعه الحقيقية، خاصة في ظل التوقيت الحساس الذي تمر به البلاد.
ردود غاضبة
ردود الفعل على تصريحات فضيل جاءت سريعة وحادة، حيث عبّر عدد كبير من السودانيين عن رفضهم لما اعتبروه إساءة لثورة شعبية تمثل وجدانهم الوطني. الانتقادات لم تقتصر على الجانب السياسي، بل امتدت إلى تقييم المسيرة الفنية لفضيل، حيث تساءل كثيرون عن مدى استحقاقه للقب “فنان”، مشيرين إلى أن أعماله تعتمد على مفردات محلية فقدت تأثيرها بمرور الزمن. وكتب الناقد مجاهد نايل مقالاً لاذعاً وصف فيه فضيل بأنه “لا يملك فكرة فنية”، بل يعتمد على “مجموعة مفردات” لم تعد تثير الضحك حتى لدى الأطفال. واعتبر نايل أن فضيل يحاول “ركوب التريند” لإثبات وجوده بعد انحسار الأضواء عنه، وأنه اختار الطريق الأسهل عبر الإساءة لثورة ديسمبر.
جدل فني
النقاش حول تصريحات فضيل تجاوز البعد السياسي ليصل إلى تقييم دوره الفني ومكانته في المشهد الثقافي السوداني. مجاهد نايل، في مقاله النقدي، شكك في تصنيف فضيل كفنان كوميدي، مشيراً إلى أنه لم يقدم سوى شخصية واحدة طوال مسيرته، متسائلاً: “زول عندو شخصية واحدة في مسيرتو الفنية كلها!! يبقى مُشخّصاتي كيف؟”. وأضاف أن المفارقة بين شعار الثورة “حرية سلام وعدالة” وما يبدو أن فضيل يفضله من قيم مضادة، يطرح تساؤلات حول فهمه لدور الفن في التعبير عن تطلعات الشعوب. ووصفه بـ”الأرزقي” الذي يفضل “حربية، حُطام، وندالة” على حساب القيم التي نادت بها الثورة.
أزمة تعبير
تحولت قضية فضيل من مجرد رأي شخصي إلى نقاش أوسع حول حدود التعبير الفني، ودور الفنان في القضايا الوطنية. الجدل الذي أثارته تصريحاته أعاد طرح أسئلة حول العلاقة بين الفن والسياسة، ومدى تأثير البيئة المحلية على الخطاب الفني، خاصة في سياق ثورة ديسمبر التي شكلت لحظة فارقة في التاريخ السوداني الحديث. وبين من يرى أن للفنان الحق في التعبير، ومن يعتبر أن هناك خطوطاً حمراء لا يجوز تجاوزها، تبقى تصريحات فضيل مثالاً على التوتر القائم بين حرية التعبير والمسؤولية الأخلاقية في السياق السوداني الراهن.