دعوة للتضامن .. قرار ايقاف مراسلة قناتى العربية والحدث

في خطوة أثارت جدلاً واسعاً داخل الأوساط الإعلامية السودانية، أصدرت إدارة الإعلام الخارجي التابعة لوزارة الثقافة والإعلام والسياحة قراراً يقضي بإيقاف الصحفية لينا يعقوب، مديرة مكتب قناتي “العربية” و”الحدث” في السودان، وسحب التصريح الصحفي الممنوح لها. القرار جاء عقب بث القناة لتقرير استقصائي كشف عن موقع احتجاز الرئيس السابق عمر البشير في قاعدة مروي العسكرية، ما أثار موجة استنكار من مؤيدي النظام السابق الذين طالبوا باتخاذ إجراءات صارمة بحق القناة.
ردود غاضبة
نقابة الصحفيين السودانيين سارعت إلى إدانة القرار، واعتبرته انتكاسة خطيرة لحرية الصحافة في البلاد، مؤكدة أن مثل هذه الإجراءات تقوض حق المجتمع في الوصول إلى المعلومات، خاصة في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد. كما أشارت إلى أن استخدام مصطلحات فضفاضة مثل “الأمن الوطني” و”المصلحة العامة” لتبرير تقييد العمل الصحفي المستقل يتعارض مع المعايير الدولية لحرية التعبير، ويشكل سابقة مقلقة في التعامل مع الإعلاميين.
تراجع التصنيف
وفقاً لتقرير منظمة “مراسلون بلا حدود”، تراجع ترتيب السودان إلى المرتبة 156 من أصل 180 دولة في مؤشر حرية الصحافة العالمي لعام 2025، في وقت أعلنت فيه المنظمة أن أكثر من 400 صحفي سوداني يعيشون في المنافي. هذا التراجع يعكس حجم التحديات التي تواجه الصحافة السودانية، ويضع السلطات أمام مسؤولية متزايدة لضمان حرية العمل الإعلامي وحماية الصحفيين من الاستهداف.
تحذيرات رسمية
في بيان مطوّل اطّلع عليه “راديو دبنقا”، وجهت إدارة الإعلام الخارجي تحذيرات مباشرة لإدارتي قناتي “العربية” و”الحدث”، مؤكدة أن الحكومة لن تتسامح مستقبلاً مع ما وصفته بـ”الأخطاء غير المهنية” التي تتعارض مع شروط التصريح الممنوح للقناتين. البيان أشار إلى أن التقرير الذي بثته القناة تضمّن اتهامات غير موثقة منسوبة إلى قيادات النظام السابق، دون تقديم أدلة أو تحديد مصادر المعلومات، ما اعتبرته الوزارة محاولة للتشكيك في مؤسسات الحكم الحالي وزعزعة الثقة بينها وبين المواطنين.
اتهامات مهنية
الوزارة اتهمت مديرة المكتب بارتكاب تجاوزات مهنية متكررة منذ 24 ديسمبر 2024 وحتى تاريخ صدور القرار، من بينها بث معلومات غير موثقة ونشر روايات منسوبة إلى مصادر مجهولة دون الرجوع إلى الجهات الرسمية أو الالتزام بمعايير التحقق الصحفي. كما أشار البيان إلى أن هذه الممارسات أسهمت في تضليل الرأي العام المحلي والدولي، والإضرار بسمعة الدولة ومؤسساتها، فضلاً عن ما وصفه بـ”انتهاكات صارخة للمعايير المهنية المتفق عليها دولياً”.
معلومات حساسة
الوزارة ذكرت أن المراسلة نشرت معلومات غير دقيقة أسهمت في نزوح وتهجير مواطنين من مناطقهم، كما صرحت في مداخلة مباشرة بأن قوات الدعم السريع سيطرت على القيادة العامة للقوات المسلحة، وهو ما نفته الوزارة بشكل قاطع. كذلك، اتُهمت بنشر تفاصيل عسكرية حساسة، مثل قصف مطار بورتسودان بواسطة طائرات مسيّرة، ونسب هذه المعلومات إلى “مصدر عسكري مجهول” دون أي توثيق رسمي.
تقنيات مثيرة للجدل
البيان أشار أيضاً إلى استخدام المراسلة لغة وصفية غير مهنية تنطوي على إيحاءات عدائية واستفزازية، واعتمادها على مشاهد تمثيلية مدعومة بتقنيات الذكاء الاصطناعي لتصوير أحداث دون الإشارة إلى أنها غير حقيقية، ما اعتبرته الوزارة تضليلاً متعمداً للجمهور. كما ذكرت أنها لم ترد على رسالة رسمية بشأن تقرير حول استخدام الجيش السوداني لأسلحة كيميائية، وأشارت إلى “مباركة الشعب السوداني لقرارات الرباعية”، وهو ما اعتبرته الوزارة تجاوزاً غير مبرر.
توضيح حكومي
الوزارة شددت في بيانها على أن القرار يخص الصحفية بشكل مباشر، ولا يستهدف قناتي “العربية” و”الحدث” كمؤسستين إعلاميتين مرخص لهما بالعمل في السودان. كما دعت القناتين إلى مراجعة المحتوى المنشور عبر ممثليهما، والالتزام بالقوانين المحلية والمعايير المهنية الدولية، مؤكدة أن المؤسسات الإعلامية تتحمل مسؤولية قانونية وأخلاقية تجاه ما يُنشر باسمها.
سياق سياسي
القرار يأتي في وقت تسعى فيه الحكومة السودانية إلى تعزيز علاقاتها مع المملكة العربية السعودية، الدولة التي تمثل القناتين، حيث زار رئيس الوزراء السوداني الرياض مؤخراً. وكانت السلطات قد أوقفت في وقت سابق قناة “الشرق” السعودية عن العمل بعد نشرها تسريبات حول تعديلات الوثيقة الدستورية، والتي تبيّن لاحقاً صحتها، ما أثار تساؤلات حول حدود حرية النشر في البلاد.
موقف النقابة
نقابة الصحفيين السودانيين أعادت التأكيد على أن سلامة الصحفيين وحماية حريتهم المهنية مسؤولية أساسية تقع على عاتق السلطات، مطالبة بالتراجع الفوري وغير المشروط عن قرار الإيقاف وسحب التصريح. كما دعت إلى وقف أي تحريض أو استهداف للصحفية لينا يعقوب أو أي صحفي آخر، وضمان سلامتهم الشخصية والمهنية، مشددة على ضرورة احترام الحقوق المهنية والتمييز بين الأخطاء القابلة للمساءلة القانونية، وبين ممارسة الحق في التعبير ونقل المعلومات.
دعوة للتضامن
النقابة ناشدت جميع المنظمات الإقليمية والدولية المعنية بحرية الصحافة إلى التضامن مع الصحفية لينا يعقوب، والوقوف إلى جانب الصحفيين السودانيين في مواجهة القيود المتزايدة، والدفع باتجاه التراجع عن القرار، دفاعاً عن حق الشعب السوداني في إعلام حر ومسؤول، قادر على نقل الوقائع وتوثيق الأحداث دون خوف أو تدخل سياسي.