طبيعة الدور الامريكى حول لقاء البرهان بمستشار ترامب

تتجه الأنظار في الأوساط السياسية والعسكرية السودانية نحو اللقاء غير المعلن الذي جمع بين مستشار الرئيس الأميركي للشؤون العربية والأفريقية، مسعد بولس، وقائد الجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان، والذي جرى في مدينة جنيف السويسرية وسط تكتم شديد، وأثار موجة من التساؤلات حول طبيعة الدور الأميركي في الأزمة السودانية. وقد أعقب هذا الاجتماع تسريبات أخرى تحدثت عن لقاء مماثل جمع بولس بقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتي”، بعد ساعات من اجتماع البرهان، ما زاد من حالة الغموض حول التحركات الأميركية الأخيرة، خاصة في ظل غياب أي تأكيد رسمي بشأن اللقاء الثاني، رغم تقارير محلية وإقليمية أشارت إلى وصول حميدتي إلى جنيف عبر طائرة خاصة، وفقاً لتتبع حركة الطيران.
الاجتماع الذي جمع البرهان بمسعد بولس، بحسب ما أكدته وكالات أنباء رئيسية ووسائل إعلام موثوقة، جرى يوم الاثنين الموافق 11 أغسطس 2025، واستمر قرابة ثلاث ساعات، تناول خلالها الطرفان مقترحًا أميركيًا لوقف شامل لإطلاق النار في السودان، إلى جانب تسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المتأثرة بالنزاع. ورغم أهمية اللقاء، امتنعت كل من وزارة الخارجية الأميركية والسودانية عن الإدلاء بأي تعليق رسمي بشأن فحواه أو نتائجه، ما فتح الباب أمام تكهنات متعددة حول أهداف واشنطن من هذه التحركات.
وفي السياق ذاته، أشار المحلل السياسي محمد لطيف في تصريح لصحيفة “الشرق الأوسط” إلى أن الاهتمام الأميركي المفاجئ بالملف السوداني ينبع من اعتبارات استراتيجية تتعلق بعدم استقرار الإقليم، وتأثير ذلك على مصالح واشنطن وحلفائها، ضمن إطار ما يُعرف بخطة “الشرق الأوسط الجديد”. واعتبر لطيف أن الولايات المتحدة تتعامل مع الأزمة السودانية وفقًا لنمط تدخلاتها السابقة في مناطق النزاع مثل الهند وباكستان والكونغو ورواندا، مدفوعة بما وصفه بـ”الإحساس الأخلاقي” بضرورة المساهمة في تهدئة النزاعات وتحقيق انتقال دبلوماسي من الحرب إلى الحلول السياسية.
ورغم الطابع الإيجابي للمبادرة الأميركية، يرى لطيف أن فرص نجاحها تبقى محدودة في ظل غياب الإرادة السياسية لدى الأطراف المتنازعة. وأوضح أن قوات الدعم السريع لا تبدو متأثرة بشكل كبير بالضغوط الخارجية، كما أن الدولة الداعمة لها لا تواجه تعارضًا مباشرًا بين مصالحها ومواقف هذه القوات، ما يمنحها هامشًا واسعًا في اتخاذ قراراتها الميدانية. وأضاف أن الدعم السريع يسعى إلى تحسين وضعه العسكري عبر التمدد في مناطق كردفان والفاشر، وإحكام السيطرة على وسط البلاد، وهي خطوات قد تؤثر على استعدادها للدخول في مفاوضات دون ضمانات أو مكاسب ملموسة.
كما أشار إلى أن هذه القوات تعمل على تأسيس حكومة جديدة أعلنت عنها مؤخرًا، وتسعى إلى ترسيخها بشكل فعلي، ما يعزز موقفها التفاوضي ويجعلها أقل استعجالًا في القبول بأي تسوية لا تحقق مصالحها، خاصة إذا لم تتضمن ترتيبات واضحة لما بعد الحرب تضمن لها دورًا في المرحلة المقبلة.
أما اللقاء الذي جمع حميدتي بمسعد بولس، في حال تأكد حدوثه، فقد يُفسر على أنه رسالة أميركية مزدوجة للطرفين المتنازعين، تهدف إلى إظهار استعداد واشنطن للتعامل مع جميع الفاعلين على الأرض. غير أن غياب التأكيد الرسمي يجعل من الصعب إصدار حكم نهائي بشأن أهداف اللقاء، ويجعل التقييم مرهونًا بالمؤشرات التي قد تظهر خلال الأيام المقبلة.
وفي تحليل أوسع، يرى لطيف أن غياب الإرادة السياسية المستقلة لدى الجيش، نتيجة تأثير التيار الإسلامي داخله، يمثل تحديًا كبيرًا أمام أي مبادرة دولية، بما في ذلك المقترح الأميركي. كما اتفق مع الرأي القائل بأن قوات الدعم السريع تُعد الطرف الأكثر مرونة وواقعية، وتمتلك القدرة على دفع العملية التفاوضية إلى الأمام إذا توفرت لها الحوافز المناسبة.
وتشير تحليلات متداولة على منصات التواصل الاجتماعي السودانية إلى أن نجاح أي مبادرة لوقف إطلاق النار يتطلب شروطًا دقيقة، من بينها تحديد مدة زمنية قابلة للقياس، وتوفير مراقبين دوليين مزودين بأدوات متابعة متقدمة تشمل الطائرات والأقمار الصناعية، إلى جانب تقديم حوافز مالية مشروطة، وتفعيل آليات العقوبات في حال حدوث خروقات، فضلاً عن التنسيق مع القوى الإقليمية للحد من تدفق السلاح والتمويل إلى الأطراف المتحاربة.
وفي حال توفرت هذه العناصر خلال الأسابيع المقبلة، يمكن اعتبار الاجتماعات الأخيرة خطوة أولى نحو تهدئة إنسانية وعسكرية محتملة. أما إذا غابت هذه المؤشرات، فستظل اللقاءات مجرد تحركات دبلوماسية محدودة لا تُحدث تغييرًا جوهريًا في المشهد الميداني.