تخصيص مليارات الجنيهات لوزير المعادن ومدير شركة الموارد المعدنية. حكاية العوائد الجليلة للذهب

تخصيص مليارات الجنيهات لوزير المعادن ومدير شركة الموارد المعدنية.  حكاية العوائد الجليلة للذهب

 

حكاية العوائد الجليلة للذهب

تحقيق – عبدالرحمن العاجب

مع إستمرار حرب أبريل المدمرة في حصد أرواح السودانيين، وتشريدهم وتدمير البنية التحتية للبلاد، ينشط أمراء الحرب في نهب ثروات البلاد وعلى رأسها المعدن النفيس (الذهب) تارة عبر التهريب وتارة أخرى عبر الفساد المحمي بالقوانين واللوائح في عهد اللادولة الذي تشهده البلاد، وكثيرا ما يسمع المواطنون عن ما يعرف بالعوائد الجليلة ولديهم سؤال عن ماهية تلك العوائد؟ ولماذا تواجه حرباً ضروساً، رغم الإنتاج الكبير للذهب في البلاد، إلا أن الشواهد تؤكد تهريب كميات كبيرة من الذهب بعيداً عن عين الرقابة ودون الإيفاء بالرسوم والضرائب المحدَّدة، وفي هذا الخصوص يمكن القول إن العوائد الجليلة هي رسوم تفرض على قطاع الذهب والمعادن والمتعاملين فيه وهي نصيب الحكومة من المعدن النفيس.

وفي السياق كشف مصدر واسع الإطلاع أن العوائد الجليلة التي تحصل من قبل الذراع الفني لوزارة المعادن الشركة السودانية للموارد المعدنية تمثل نسبة (٧٠٪) من شركات الامتياز الكبرى، إضافة إلى أرباح تؤخذ للدولة مابين (٢٠ إلى ٣٠ ٪) لشركات الامتياز، فضلاً عن الزكاة بواقع (٢٥٠٠٪) وكل هذه الرسوم التي تحصل من شركات الامتياز مقابل السماح لها بتصدير (٧٠ ٪) من إنتاجها وتسليم (٣٠٪) المصفاة وبنك السودان المركزي وتمثل (٧٠٪) مايمكنها من استجلاب المعدات والآليات وغيرها من الأشياء.

وفي ذات المنحى تحصل المحقق على مستندات تؤكد وجود فساد كبير في عائدات الذهب الحكومية التي تعرف بإسم (العوائد الجليلة) وهي الرسوم التي تتحصلها الشركة السودانية للموارد المعدنية من المعدنين التقليديين عن طريق موظفي الشركة المنتشرين في مواقع التعدين المختلفة، ونسبتها هي 10٪ من المنتج او مبلغ (400) جنية في وقت سابق عن الجوال الواحد وتوزّع مناصفة بين الولاية (المقام عليها موقع التعدين) وبين الحكومة المركزية.

وعلى نحو مفاجئ أصدر وزير المعادن محمد بشير أبو نمو قراراً بزيادة التحصيل النقدي على المعدنين التقلديين ورفع رسوم العوائد الجليلة من (400) جنيه إلى (2000) جنيه، وتحصل المحقق على نسخة من قرار الوزير الذي حمل الرقم (6) للعام 2023م.

وأوضح قرار أبو نمو أنه بعد الاطلاع على قانون الثروات المعدنية لعام 2015م ولائحة التعدين التقليدي للعام 2016م والقوانين واللوائح المنظمة والمنشورات ذات الصلة تقرر رفع رسوم العوائد الجليلة على جوال حجر المعدنيين التقليديين (العوائد الجليلة) من 400 جنيه إلى 2000 جنيه، أو خصم 10% من ناتج الذهب من الجوال عيناً، ونوه القرار إلى أن الزيادة أتت وفقاً لتوجيهات الدولة القاضية برفع زيادة التحصيل الحكومي ودعم الاقتصاد القومي.

وكشفت معلومات ووثائق تحصل عليها المحقق عن تخصيص مبالغ طائلة تقدر بمليارات الجنيهات لوزير المعادن محمد بشير ابو نمو والمدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية السابق مبارك أردول، من العوائد الجليلة للتعدين التقليدي، وبحسب المستندات التي تحصل عليها المحقق فإن ثمة فساد كبير حدث في قطاع المعادن، وكشف خطاب صادر عن المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية موجه إلى وزير المعادن، كشف عن لائحة تقسيم حوافز تحصيل العوائد الجليلة للتعدين التقليدي التي تم اعتمادها من وزير المعادن في عهد النظام البائد.

وأقرت اللائحة بحسب المادة (٣) الفقرة (٣) بأن تحفظ ٠٥٪ من قيمة حوافز كل ولاية كامانات تحت تصرف المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية، ووفقاً للمادة (٥) مقروءة مع المادة (٦) والمادة (٧) يتم مركزة متبقي صرف حافز مكتبي الولاية (فائض نسبة ال ١.٥٪) لتحفيز منسوبي الإدارة العامة للتعدين التقليدي والإدارات الأخرى ذات الصلة.

وكشف خطاب صادر بتاريخ ٣/سبتمبر/ ٢٠١٨م عن تغيير الأمر وأصبح توزيع فائض ال ١.٥٪ وال ٥. ٪ يتم كما يلي: نسبة ٥٠٪ من إجمالي (ال ٥. ٪ وفائض ال ١.٥ ٪) تحول للصندوق التكافلي للعاملين بالشركة، ونسبة ٣٠٪ من إجمالي (ال ٥.٪ وفائض ال ١.٥٪) تكون تحت تصرف وزير المعادن، ونسبة ٢٠٪ من إجمالي (ال ٥. ٪ وفائض ال ١.٥٪) تكَون تحت تصرف المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية مبارك أردول.

وفي ذات المنحى أشار خطاب صادر من المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية مبارك أردول موجه إلى وزير المعادن محمد بشير ابو نمو بتاريخ ٢/١٥ /٢٠٢١م أشار إلى أنه منذ سبتمبر ٢٠١٨م وحتى تاريخ إصدار الخطاب يستمر توزيع وصرف ال ( ٥. ٪ وفائض ال ١.٥٪) ويبلغ رصيد إجمالي هذا المبلغ المخصص لوزير المعادن محمد بشير ابو نمو حتى ١٢/٣١/ ٢٠٢١م وهي فترة عشرة شهور مبلغ( ٩.٩٤٣.٤٠٩.٨٤) جنيه.

وبعد أن تسلّم الوزير محمد بشير ابونموش منصبه كوزير للمعادن رسمياً، ولم يمضي على بقائه في مكتبه اكثر من 4 ايام حتى قام مدير الشركة السودانية للموارد المعدنية مبارك أردول بإرسال خطاب للوزير في مكتبه يفيده بأن هنالك أموال طائلة وضع لها الكيزان ونظامهم البائد لوائح ستكون في جيب مكتب الوزير وتحت تصرفه، والمُعلن عنها فقط هو مبلغ 9.943.904.84 مليار جنيه لمدة عشرة أشهر فقط وهي ما نسبته 1.5% و 0.5% من العوائد الجليلة للتعدين التقليدي.

ويستند أردول في هذا الخطاب لما أرساه مدير الشركة في عهد الكيزان من تجنيب وسرقة للمال العام دون أي اعتراض او رغبة في تغييره خاصة وأن نصيب أردول من هذه العوائد يكون 20% من نفس النسب أعلاه .. وتوضح المستندات المذكورة أعلاه اسباب دفاع وزير المعادن محمد بشير ابو نمو عن أردول وتمسكه به رغم اتهامات الفساد التي ظلت تلاحقه.

ومعلوم للجميع أن النظام البائد عندما قام بإنشاء الشركة السودانية للموارد المعدنية كان الغرض منها تجنيب المال العام، وفي ذات السياق هناك سؤال مهم لوزير المالية والتخطيط الاقتصادي جبريل ابراهيم.. الخطاب المذكور أعلاه يوضح أن هنالك أموال يتم تجنيبها بلوائح انشأها النظام البائد هذه الأموال تسمى أموال العوائد الجليلة للتعدين التقليدي.. ولايدخل منها ولا جنيه واحد لخزانة الدولة وتضيع هذه الأموال بين مكتب أردول ومكتب أبونمو.. فما هو رأيك أو تصرفك القانوني تجاه هذا الأمر الذي تعلمه جيدا وتعلم تفاصيله..؟؟

والسؤال الأهم للشعب السوداني بما أن وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي تضع ميزانية لكل وزارة وتوفر لها كل ما يُعينها على العمل فأين تذهب هذه المبالغ المليارية من مكتب الوزير أبو نمو .. هل تذهب لتمويل حركة تحرير السودان كما كانت تمول كتائب الظل سابقا.. أم ان مناوي نفسه لا يعلم بهذه المليارات التي يجهل الشعب تغول الوزير ابونمو عليها حتى الآن ..؟

وأقر المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية مبارك عبدالرحمن أردول، في وقت سابق بأن السودان أعلى الدول أفريقياً في فرض العوائد الجليلة في قطاع التعدين (القطاع المنظم من تعدين صغير وشركات الامتياز والمخلفات)، لافتاً إلى أن أنصبة الحكومة تفوق الـ(50%) للمستثمر، وجدَّد أردول تأكيده في ورشة (حقوق التعدين في العالم وخيارات فرض الضرائب على المعادن) التي عقدت في وقت سابق، جدد تأكيده بأنهم فقط معنيين بالإشراف وتحصيل العوائد الجليلة، أما المنصرفات لما يتم تحصيله فهي مهمة  جهات أخرى تتصرَّف في إيرادات التعدين من بينها وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي وديوان الزكاة.

وتحصل المحقق على خطاب صادر بتاريخ 17-5- 202‪0م من مدير الإدارة العامة للموارد البشرية والمالية بالشركة السودانية للموارد المعدنية المحدودة، مقدام خليل ابراهيم، وطالب الخطاب شركة سودامين بأن تخاطب شركة اليانس بسداد نصيب الحكومة من متبقي أرباح الأعمال المجدولة للارباع، من الربع الثاني للعام 201‪8م وحتى الربع الثالث للعام 201‪9

وطالب الخطاب بإضافة مبلغ (3.500.000) يورو (ثلاثة مليون وخمسمائة ألف يورو فقط) لحسابات بنك السودان المركزي وذلك لصالح الشركة السودانية للموارد المعدنية المحدودة، والمبلغ عبارة عن متبقي نصيب الحكومة من أرباح الأعمال المجدولة للارباع من الربع الثاني للعام 201‪8م وحتى الربع الثالث للعام 201‪9م وكشف الخطاب حجم الفساد الذي تمارسه الشركة السودانية للموارد المعدنية المحدودة من تلاعب بأموال الشعب السوداني.

فيما تحصل المحقق على خطاب أخر صادر بتاريخ 9-6 – 202‪0 م من مدير الإدارة العامة للموارد البشرية والمالية بالشركة السودانية للموارد المعدنية المحدودة، مقدام خليل ابراهيم، وطالب الخطاب شركة سودامين بأن تخاطب شركة مانوب بسداد نصيب الحكومة من أرباح أعمال شركة مانوب للاعوام ٢٠١٦ / ٢٠١٧ / ٢٠١٨م باليورو، وطالب الخطاب بإضافة مبلغ 2.410.439.46 يورو – اثنان مليون وأربعمائة وعشرة ألف وأربعمائة تسعة وثلاثون و 46 /100‪ يورو لحسابات بنك السودان المركزي وذلك لصالح الشركة السودانية للموارد المعدنية عبارة عن متبقي نصيب الحكومة من أرباح أعمال شركة مانوب للاعوام ٢٠١٦ / ٢٠١٧م ونصيب الحكومة من أرباح أعمال العام ٢٠١٨م.

وأعلنت الحكومة السودانية، في العام 202‪2 إن إنتاجها من الذهب بلغ (41.8) طنا بقيمة (150.9) مليار جنية سوداني (2.5 مليار دولار). وجاء ذلك، في بيان صادر عن الشركة السودانية للموارد المعدنية التابعة لوزارة المعادن، وقالت الشركة بحسب بيانها إن إنتاج العام الماضي، وهي تقصد عام 202‪2سجل (41.8 )طنا.

وذكرت الشركة السودانية للموارد المعدنية أن صادرات السودان من المعادن في ذات العام بلغت نحو ملياري دولار، بما يمثل 47% من جملة صادرات البلاد، وأشارت إلى أن شركات الاستكشاف بلغت 107 شركة، فيما بلغت شركات التطوير 44 شركة، ومثلت عدد المربعات المستغلة  9٪ فقط من مساحة البلاد، فيما بلغت شركات التعدين الصغيرة 90 شركة.

استعرض التحقيق حكاية العوائد الجليلة والفساد الذي يشهده قطاع المعادن، وتخصيص مليارات الجنيهات لوزير المعادن ومدير شركة الموارد المعدنية، وطرح المحقق عدد من الأسئلة لكل من وزير المعادن محمد بشير عبدالله أبو نمو والمدير العام الماضي السودانية للموارد المعدنية السابق مبارك أردول ووزير المالية والتخطيط الاقتصادي جبريل إبراهيم، ولكنهم جميعا رفضوا الإجابة على أسئلة التحقيق.

وبحسب ما أفاد الخبراء فأن المشكلة الكبيرة في التعدين تكمن في عدم وجود بورصة للذهب، وبالنسبة لهم فإنه مازال السؤال مطروحاً لماذا لا تنشئ الدولة بورصة حتى اللحظة؟ وما الذي يعيق هذا المشروع وهو يعتبر أحد أهم الطرق التي تحد من التهريب وتضيف للدولة وضعاً أفضلاً للاقتصاد سوقاً منظماً يتم التداول فيه تحت عين الدولة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *