النظام الصحي في السودان: اوضاع المرضى تتجاوز مرحلة الخطورة
الخرطوم : عاصم اسماعيل
اجبرت الحرب السودانية الاطباء الى مغادرة مهنتهم مجبرين لتعرض معظم الكوادر الطبية الى الاعتداء والضرب والقتل من قبل عناصر قوات الدعم السريع مع ان استمرار المعارك، منذ منتصف أبريل الماضي، حرم المنشآت الصحية، من الأدوية والمستلزمات الأساسية، مؤكدين أن حالة الفوضى الحالية، تقود أيضاً إلى تقليص قدرة الأطقم الطبية، على القيام بعملها.
وقال اطباء أن القطاع الصحي أصبح على شفا الانهيار، بعدما توقفت المستشفيات الكبيرة في البلاد، ودمرت مرافق طبية أخرى، سواء كانت حكومية أو خاصة، بجانب تعرض مئات الصيدليات، للتدمير أو النهب منذ بدء الأزمة.
وتأزم الموقف الدوائي ومعاناة المواطنين الصحية جراء عدم توفر الإمداد الدوائي في أعقاب الأحداث التي شهدتها ولاية الجزيرة والمخاطر المتوقعة من فقدان الأدوية خاصة المنقذة للحياة. في وقت تضاءلت الوفرة الدوائية في البلاد إلى أقل من 30 %.
ومنذ اندلاع الحرب السودانية يواجه القطاع الصحي في البلاد أوضاعاً كارثية، حيث استهدفت العمليات العسكرية وأعمال النهب المسلح المستشفيات ومخازن الدواء، في العاصمة الخرطوم والمدن التي تمددت إليها المعارك.
وفي أعقاب استيلاء الدعم السريع على “ود مدني” حذرت نقابة الأطباء السودانيين من أن اتساع رقعة الحرب وتمددها إلى عاصمة ولاية الجزيرة، يضع البلاد أمام واحدة من أكبر الكوارث الإنسانية في ظل الحرب الراهنة.
وبعد اندلاع الحرب في الخرطوم ومدن أخرى، أصبحت “ود مدني” ملاذا امنا لمرضى القلب والسرطان والكلى والحالات الطبية المستعصية، الذين يواجهون مصيرا مجهولا بسبب إغلاق المستشفيات ونقص الدعم الصحي والموارد الطبية ونزوح الأطباء والكوادر الصحية إلى خارج المدينة.
ولفتت نقابة الأطباء إلى أن أغلب المستشفيات أصبحت خاوية وغير قادرة على تقديم الخدمات الطبية اللازمة، حيث تم احتلال مستشفى الجزيرة للطوارئ والإصابات وخرج عن الخدمة، وتم إغلاق مركز مدني لأمراض وجراحة القلب بعد أن أصبح مباشرة في مرمى نيران الاشتباكات العسكرية فضلاً عن توقف الخدمة في باقي المستشفيات التخصصية وأضافت تزداد الأمور تعقيداً بإغلاق الصيدليات ونقل الأدوية التجارية خارج ود مدني .
وحذرت منظمة الصحة العالمية من أن النظام الصحي في السودان قد وصل إلى نقطة الانهيار نتيجة للضغط الكبير على المرافق الصحية وانخفاض قدرتها على استيعاب الاحتياجات المتزايدة الناجمة عن تفشي الأمراض وسوء التغذية.
وكشف تقرير نشرته منظمة الصحة العالمية ان 11 مليون شخص يحتاجون الى مساعدات صحية عاجلة، وبين أن 70 % من المستشفيات في الولايات المتضررة توقفت عن العمل جراء النزاع، بينما تعاني المستشفيات المتبقية من الإنهاك بسبب تدفق الأشخاص الذين يلتمسون الرعاية، وغالبيتهم من النازحين داخليّاً.
وبدأت ازمة الدواء في السودان منذ يناير 2020 عندما ألغى بنك السودان تخصيص 10% من حصيلة الصادرات غير النفطية، كانت توجه لاستيراد الدواء.
وفى العام 2021م اوشك مخزون السودان من الأدوية الضرورية والمنقذة للحياة على النفاد بعد أن تسبّبت احتجاجات في إغلاق ميناء بورتسودان
ومنذ ذلك التوقيت اصبحت ندرة بعض الادوية الضرورية كأمراض السكري وضغط الدم تلوح في الافق ، وزادت أسعار بعض الادوية بنسبة 200%، و أن أصنافاً من الادوية أصبحت غير متوفرة بالإمدادات الطبية مما اضطرت معه بعض المؤسسات العلاجية الخاصة لشراء العقارات والادوية الطبية من السوق السوداء بالتعاقد مع بعض التجار القادمين من خارج البلاد.
وظلت مسألة الحصول على الدواء قضية كبرى شغلت الرأي العام السوداني في الآونة الأخيرة وذلك لندرته في المرافق الصحية.
وتجسدت مأساة انعدام الأدوية المنقذة للحياة كواحدة من أقبح أوجه الحرب المستمرة بين الجيش وقوات الدعم السريع في السودان منذ أكثر من تسعة اشهر.
وحذرت منظمات وهيئات محلية ودولية من كارثة إنسانية كبيرة بسبب نقص الدواء في أوساط العالقين بمناطق القتال في ظل الإغلاق الكامل للصيدليات والمراكز الصحية في عدد من المناطق حيث توقفت كل المصانع العاملة في إنتاج الأدوية في السودان وعددها 26 مصنعا، ثلاثة منها للغازات الطبيعية، واثنان للأدوية البيطرية، و21 مصنعاً للأدوية البشرية وتنتج ما بين 30 إلى 40 في المائة من إجمالي الحاجة المحلية للدواء سنويا.
وقامت مجموعات مسلحة بمهاجمة مقر الإمدادات الطبية في الخرطوم وإيقاف العمل فيه وإغلاق الصيدلية الخارجية، علما بأن الإمدادات الطبية هي الهيئة الحكومية التي تشرف على استيراد الأدوية، وتتابع مع المجلس الأعلى للأدوية والسموم استيراد الأدوية من قبل القطاع الخاص.
وبعد سيطرة قوات الدعم على ولاية الجزيرة حذرت اللجنة العليا للطوارئ الإنسانية والصحية في السودان من أن أكثر من 26 ألفاً من مرضى السرطان والكلى يواجهون خطراً حقيقياً بسبب عدم توفر الدواء، في وقت تضاءلت الوفرة الدوائية في البلاد إلى أقل من 40 %.
وناشدت المنظمات الدولية لضمان خروج الأدوية المنقذة للحياة، مشيرة إلى أن العقارات الطبية الخاصة بمرضى السرطان والكلى محتجزة في مدينة “ود مدني” عاصمة ولاية الجزيرة، وسط البلاد والتي لجا اليها غالبية مرضي الامراض المزمنة والمستعصية فارين من مناطق النزاع.
كما تم تعليق عمل برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة ومنظمة أطباء بلا حدود في ولاية الجزيرة، بعدما أحرزت فيها قوات الدعم السريع تقدما على الجيش في مدن تلك الولاية، وتكرار الهجمات على مراكز المنظمتين.
ومع تمدد مساحة الحرب في البلاد تتوسع رقعة معاناة المرضى وتتزايد تكاليف العلاج ويقول المواطن عيسى احمد ان تكلفة نفقات البحث عن العلاج اعلى بكثير من تكلفة العلاج رغم عدم توفرها ويحكى انه استطاع نقل والده مريض الكلى الى ولاية الجزيرة في اعقاب اعادة فتح المراكز بمدينة ودمدني الا انه تفاجأ بعد توسع رقعة الحرب عليه الانتقال الى مكان اخر عبر طرق ملتوية قاسية عبر الدواب وعلى الارجل حتى الوصول الى مناطق امنة من النزاع ومن التفكير في البحث عن ولاية يمكن الانتقال اليها لمواصلة العلاج واضاف هذه تكلفة لا تقدر بثمن فيها جوانب نفسية ومادية واجتماعية وقال رغم ذلك الا ان ماكينات غسيل الكلى غير متوفرة في كثير من المستشفيات التي مررنا بها مثل ولاية سنار والقضارف وكسلا .
اطباء قالوا ان بعضهم ترك الخدمة في المستشفيات حفاظا على ارواحهم حيث اصبحوا مهددين على الدوام من قبل العصابات المسلحة في حين يرى اخرون ان جميع المستشفيات والمراكز الصحية اغلقت ابوابها ولايوجد مساحة للعمل تحت أي ظرف من الظروف مؤكدين ان ذلك يؤثر بصورة كبيرة على المرضى وتتزايد من خلاله اعداد الموتى بشكل غير متوقع.
واكد وزير الصحة هيثم محمد ابراهيم في اجتماع الاسبوع الماضي ناقش فيه الاوضاع الصحية ان البلاد فقدت الامدادات الطبية لمعظم المخزون الدوائي الذى كان متواجدا بولاية الجزيرة الخاص بمرضى السرطان والكلى اضافة الى معظم الادوية والمستلزمات الطبية الاخرى.
واكدت اديبة ابراهيم السيد عضو اللجة الفرعية لاختصاصي النقابة الطبية ان انهيار النظام الصحي في السودان اصبح واقعا يصعب تداركه، وان اوضاع المرضى اصبحت تتجاوز مرحلة الخطورة مبينة ان تدهور النظام الصحي ادت الى انعدام الدواء والرعاية الصحية في وقت قالت اللجنة التمهيدية لنقابة اطباء السودان ان انهيار النظام الصحي يهدد حياة الاف الاطفال والنساء
ويقول الطبيب بابكر اسماعيل ان النظام الصحي لا يمكن تداركه في الوقت الراهن لانعدام ابسط الاجهزة الطبية التي دمرت تماما وكانت تتركز بصورة اساسية في الخرطوم وولاية الجزيرة كما ارتفعت اسعار الدوية لعدم وجود مخزون مع توقف شبه كلى لاستيراد الادوية واصبح المواطن يذهب الى الصيدلية ليشتري الدواء المناسب دون وصفة طبية واضاف هذا ايضا يدخل في اطار الازمة الاقتصادية المعروفة وحتى كثيرون لجأوا الى التداوي بالأعشاب في ظروف بالغة الصعوبة لعدم توفر مركز صحى او حتى صيدلية.
وتقول الصيدلية بثينة توفيق ان ادوية الأنسولين وأدوية السرطان والتخدير وغيرها من الأدوية المنقذة للحياة بدأت تتقلص والتي ليس لها بدائل استخدامها .
واكدت ان كل التقديرات تشير الى أن النقص في الأدوية المنقذة للحياة في السودان بلغت نسبته ما بين 60 -70 بالمائة واضافت ليست هذه المشكلة الوحيدة التي تواجه المواطنين، حيث ارتفعت أسعار الدواء والمحاليل الطبية بنسب وصلت إلى أكثر من 700 بالمئة خلال التسعة أشهر الماضية. كما ان البيانات الرسمية اشارت إلى اختفاء أكثر من ألف وخمسمائة صنف من نحو 1700 صنف مستخدمة، منها 160 من الأدوية المنقذة للحياة.