جريدة لندنية : جولات حميدتى الخارجية اغضبت البرهان

جريدة لندنية : جولات حميدتى الخارجية اغضبت البرهان

أحدثت الجولات الأخيرة لقائد الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي أصداء سياسية واسعة داخل السودان وخارجه، وبدت نتائجها أكثر تأثيرا من جولات خصمه اللدود وقائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان.

وأثار الاستقبال الرئاسي الذي وجده دقلو في الدول التي زارها غضب البرهان الذي قال الجمعة إن الجيش سيقاتل قوات الدعم السريع “حتى تنتهي أو ننتهي”.

وأضاف البرهان في كلمة ألقاها في ولاية البحر الأحمر أن “السياسيين الذين أبرموا اتفاقا مع الدعم السريع أخطأوا بالحديث مع متمردين”، في إشارة إلى الاتفاق الذي جرى التوصل إليه بين الهيئة القيادية لتنسيقية القوى الديمقراطية “تقدم” وقائد قوات الدعم السريع لإنهاء الحرب.

وقال إن “اتفاق السياسيين مع قوات الدعم السريع غير مقبول ولا قيمة له”.

وأعلن البرهان “تسليح المقاومة الشعبية بأي سلاح لدينا”، ومضى قائلاً “لن نمنع المقاومة السودانية من جلب أي سلاح”، مشيراً إلى أن “لا صلح ولا اتفاق مع الدعم السريع”.

ويرى متابعون أن تصريحات البرهان تسدد ضربة قاصمة للجهود الإقليمية والدولية المبذولة لإنهاء الصراع الدائر منذ منتصف أبريل 2023، وهي تأذن بمرحلة جديدة من حرب عبثية يدفع المدنيون ثمنها.

عادل سيد أحمد: التجاوب الذي لقيه دقلو في المحطات التي زارها كان لافتا
ويشير المتابعون إلى أن تصريحات قائد الجيش تعكس في جانب منها حالة من اليأس بعد أن نجح دقلو في سحب الأضواء منه.

وأجهضت زيارات قائد قوات الدعم السريع لأوغندا وإثيوبيا وجيبوتي وكينيا وجنوب أفريقيا محاولات البرهان الظهور على أنه قائد البلاد الوحيد، وبلا منازع، واكتشف العالم أن دقلو لايزال الطرف القوي على الصعيد السياسي بما لا يقل عن قوته العسكرية في ميادين الحرب التي خاضتها قواته في مناطق عديدة بالسودان وحققت فيها انتصارات لافتة، جعلت قوات الجيش أمامها تبدو ضعيفة.

كما أن الجولة فضحت أكاذيب فلول النظام السابق، حيث روجوا لمصرع الرجل في الحرب ونسجوا شبكة من الأكاذيب الفترة الماضية، من نتائجها فقدان قائد الجيش مصداقيته.

وأصبح ما يعرف بدبلوماسية القمم الخارجية جزءا من الصراع السوداني بعد أن طغت المقارنات بين اللقاءات التي عقدها دقلو والبرهان على تطورات المشهد العسكري في الداخل، وأن ما دار في الاجتماعات التي عقدها قائد الدعم السريع مع قيادات أفريقية وسودانية في عواصم مختلفة هو جزء مهم لفهم أبعاد الصراع.

وقد رفع حميدتي صوت السلام عاليا في خطاباته وخلال جولاته، بينما ساد صوت الحرب اللقاءات التي عقدها البرهان، فالأول تحدث عن الأسس والقواعد الواضحة واللازمة لوقف إطلاق النار، بينما وضع الثاني شروطا رمادية وأحيانا تعجيزية بغرض تغذية الحرب وقطع الطريق على تحركات وقف إطلاق النار.

ويفسر التباعد بين المقاربتين أحد أهم أسباب التأثير الكبير لجولة دقلو مقارنة بجولات البرهان التي جاب فيها دولا عدة داخل القارة الأفريقية وخارجها من دون أن تحدث مردودات إيجابية ملموسة، كتلك التي أحدثتها الزيارات الخاطفة لقائد قوات الدعم السريع.

وأكد المحلل السياسي السوداني عادل سيد أحمد لـ”العرب” أن زيارات حميدتي كانت مختلفة عن غريمه البرهان، لأن الأخير سوّق لمبدأ استمرار الحرب والحلول العسكرية، وركز على أن قوات الدعم السريع “متمردة وخارجة عن الشرعية، وكل المعزوفة الصارخة التي تستجلب تعاطفا مع الجيش ونقمة على حميدتي”.

وأضاف سيد أحمد أن التجاوب مع زيارات قائد الدعم السريع في المحطات التي توقف فيها كان لافتا، لأنه تبنى خط السلام الذي تؤيده الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، والهيئة الحكومية للتنمية إيغاد، والوساطة السعودية – الأميركية، كما أن إعلان أديس أبابا الذي وقعه حميدتي مع تحالف “تقدم” يحوي رؤى كل هذه الجهات والمبادىء المطلوبة للوصول إلى وقف الحرب وتحقيق السلام في السودان.

وأوضح المحلل السوداني أن الدعم السياسي الذي حصل عليه دقلو ليس المقصود منه تأييد قوات الدعم السريع والإنحياز لقادئها، بل تأييد مبدأ السلام الذي كان عنوانا واضحا في أجندته في الدول الخمس التي زارها، وكلها من مصلحتها أن ترى السودان مستقرا.

وظهر البرهان مترددا في تبني السلام بسبب الضغوط الواقعة عليه من التيار الإسلامي الذي يرفض النقاط التي تلتقي عليها أدبيات الثورة والمجتمع الدولي والقوى الإقليمية وتحالف “تقدم” والدعم السريع، وجميعها تساند الاتفاق الإطاري الذي جرى الغدر به لتطرقه لتحقيق العدالة الانتقالية وتفكيك نظام الثلاثين من يونيو.

وشدد سيد أحمد في حديثه لـ”العرب” على أن السودان في مفترق طرق، فإما أن يستجيب البرهان لنداءات السلام والتسوية والتفاوض، على غرار المنهج الظاهر في خطاب حميدتي، أو يرضخ قائد الجيش لدعوات الإخوان التي يمكن أن تدخل البلاد حربا دينية وقبلية، حيث وجدت قيادات الحركة الإسلامية في الحرب فرصة للانتقام من الثورة، وقوات الدعم السريع التي انحازت لها.

ولذلك فالسودان قد يكون موعودا بسيناريو يمكن وصفه بـ”سوداليبيا ستان”، يجمع بين الخصال السيئة والقاتمة في السودان وليبيا وأفغانستان، ما يجعل المجتمع الدولي يسابق الزمن لمنع هذا السيناريو، وتبدو رؤاه قريبة مما طرحه دقلو.

وكشف الغضب الذي عبرت عنه وزارة الخارجية السودانية من جولة قائد الدعم السريع الأفريقية عن نوع فاضح من القلق الذي سوف يترتب عليها لاحقا، تأثير سلبي على أي زيارة يمكن أن يقوم بها البرهان الفترة المقبلة في المنطقة، فقد جرى تفريغ ما أراده من زعامة منفردة من المضامين التي حاول الترويج لها سابقا.

وأعلنت وزارة الخارجية السودانية، الخميس، استدعاء سفيرها لدى كينيا كمال جبارة، احتجاجا على الاستقبال الرسمي الذي نظمته الحكومة الكينية لقائد قوات الدعم السريع.

واستقبل حميدتي رسميا بحرس شرف في مطار أديس أبابا، ورقصات شعبية في نيروبي، وجاء استقباله من الرئيسين الأوغندي والجنوب أفريقي في المقر الخاص بهما، مؤشرا على خصوصية سياسية، وأن حملات النيل منه لم تحقق أغراضها.

وأثارت تغريدة لرئاسة جنوب أفريقيا على منصة إكس جدلا سياسيا قبل أن يتم حذفها، حيث نشر حساب الرئاسة صورا للقاء الذي جمع بين دقلو ورامابوزا، تضمنت الإشارة لقائد قوات الدعم السريع بـ”سيادة رئيس السودان”.

ويرى متابعون أن تصريحات البرهان تنهي أي فرصة لنجاح الترتيبات الجارية لعقد لقاء بينه ودقلو، مشيرين إلى أن قائد الجيش أظهر بالواضح أنه مستعد للذهاب بعيدا في هذه الحرب، التي يعتبرها معركة وجودية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *