تحقيق يكشف اسباب زيارة المدعية العامة للمحكمة الجنائية للسودان ؟؟
تحقيق : شادية جادين
وصلت الى البلاد مساء امس “السبت” المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية السيدة فاتو بنسودا، في زيارة رسمية تستمر حتى الحادي والعشرين من الشهر الجاري.
وتبدأ مناقشة التعاون بين المحكمة الجنائية الدولية والسودان بخصوص المتهمين الذين أصدرت المحكمة أوامر قبض بحقهم . ووصفت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية زيارتها للسودان بانها تاريخية واشارت ان هدف الزيارة من شقين الاول هو الاجتماع بالمسئولين السودانيين حول عمل المحكمة الجنائية الدولية في دارفور وكيفية تنسيق التكامل بين عمل المحكمة وعمل الجهاز القضائي السوداني حول موضوعات ذات الصلة بدارفور والثاني هو كيفيه الحصول على تعاون السلطات السودانية في جمع المعلومات ذات الصلة بقضية السيد عبد الرحمن (كوشيب).
لمحة تاريخية :
منذ سنوات ظلت قضية المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية تؤرق الشعب السوداني الي ان جاءت ثورة ديسمبر المجيدة التي اقتلعت النظام السابق الذي يمثل معظم منسوبيه مطلوبين لدي المحكمة الجنائية ، ومؤخرا بدا الامر يتجدد حين اورد موقع دارفور 24 خبر مفاده ( شروع المحكمة الجنائية الدولية في فتح مكتب عمل لها في السودان حيث قامت بطرح وظائف مترجمين للعمل بدارفور ) وهذا الخبر حسب رصد (دارفور 24) ورد في موقع وظائف الامم المتحدة ، هذ الامر فتح الباب امام العديد من التساؤلات اولها هل من الممكن ان يكون هنالك مكتب للمحكمة الجنائية بالخرطوم حسب قوانين الامم المتحدة ومجلس الامن الدولي ، ام انه مكتب لجمع الادلة والبينات في قضايا الحرب والتطهير العرقي التي حدثت في دارفور وبعض المناطق السودانية ، ام ان الامر له علاقة بقضية علي كوشيب الذي يمثل الان امام القضاء بمحكمة العدل الدولية بلاهاي
إتهام مبدئي:
يري د. عبد الله ادم خاطر ان المحكمة الجنائية لم تفتح ملف السودان الا بعد مقابلة اعضاء من المحكمة الجنائية الدولية للنائب العام وقتها كان علي عثمان يس وطرحت عليه سؤال ما هو تقيمكم لحديث رئيس الجمهورية ؟ وكانت الاجابة ( رئيس الجمهورية كلامه اوامر ) السؤال الثاني عرض عليه فيديو للرئيس المخلوع عمر البشير وهو يتحدث في الفاشر ويقول ( لا تاتوا الي بأسير او جريح ) بعد ان اسمعه هذا الحديث قال له هل المتحدث هو رئيس الجمهورية فأجاب بنعم وذهب اعضاء المحكمة الجنائية بعد ذلك ، هذه الواقعة كانت اساس الاتهام المبدئي لحكومة السودان وللرئيس عمر البشير . بعدها حدثت تطورات منها ان لجنه القاضي الايطالي كاسيوس قدمت مجهود في التقرير الذي رفع لمجلس الامن واكدت اللجنة ان هنالك انتهاكات لحقوق الانسان وجرائم ضد الانسانية وجرائم حرب الا انها لم تؤكد في ذلك الوقت ان هنالك تطهير عرقي وبموجب هذا التقرير احال مجلس الامن قضية دارفور الي المحكمة الجنائية لان مجلس الامن الدولي مخول له فتح مثل هذه الملفات او احالتها الي المحكمة الجنائية الدولية.
عدم اعتراف :
واضاف د. خاطر ان حكومة السودان في ذلك الوقت ذهبت في التعامل مع المحكمة الجنائية بعدم الاعتراف بمهامها واختصاصاتها وانها غير معنية ، وكل هذا لم يكن مصدق وغير مأخوذ به ، ولكن بعد سقوط حكومة الانقاذ تجددت الحالة ومن اوائل الذين قدموا انفسهم للجنائية ( علي كوشيب ) وسبقه في عهد الرئيس المخلوع عمر البشير وزير الصحة الاسبق ابوقردة ايضا قدم نفسه علي اساس انه متهم وتمت تبرئته ، اذن حالة المحكمة الجنائية دائما موجودة ولكن الجديد الاعتراف بها عند تولي الحكومة الانتقالية وفتح باب التواصل وامكانية التعاون وقد يكون من بين هذا التعاون فتح مكتب لها في السودان تدير به الشئون المختلفة وهذا غير ملزم بان تكون المحاكمات في الخرطوم لكن يمكن ان يكون مكتب لمساعدة المحكمة في اي وقت ، وهذا قد يشمل علي كوشيب او اي شخص من قائمة ال51 المطلوبين لدي المحكمة الجنائية وذهب خاطر الي انه قد يكون هنالك حاجة لشهود وهذا يتطلب حمايتهم ، اذن اذا تم فتح مكتب بالخرطوم يمكن ان يساعد في هذا العمل ، واكد د. خاطر بان العلاقة ليست بالجديدة ولكن شابها نوع من التوتر نتيجة الانكار من النظام البائد والان اصبحت العدالة حسب رؤية المرحلة الانتقالية مطلوبة لكل السودانيين ومن بينهم كل الذين وصلت قضاياهم للمحكمة الجنائية الدولية ، واضاف مثلما تمت محاكمة عدلي في السنغال وكذلك فظائع رواندا اسست لها محكمة في اروشا من الممكن ان تؤسس محكمة لقضايا السودان المختلفة داخل السودان او في اي دولة من العالم وهذا لا يتم الا بالتعاون مع الحكومة السودانية وبمساعدتها .
تعنت وامتناع:
فيما ذهب الفريق اول ركن محمد بشير سليمان الي ان قضايا الحرب والابادة الجماعية وما يرتبط بالجانب الاخلاقي هي جزء من مسئوليات المحكمة الجنائية الدولية ، السودان ليس من الموقعين علي المحكمة الدولية ولكن بالرغم من ذلك هنالك قائمة ب51 من قيادات الحكومة السابقة مطلوبين لدي المحكمة الجنائية ، والسلطة السابقة لم يكن بإمكانها تسليم هذه الشخصيات لان من بينها رئيس الدولة والقيادات العليا في الحزب الحاكم آنذاك ، والمحكمة الجنائية بحكم تبعيتها لمجلس الامن الدولي وبحكم مسئوليتها العالمية في اطار الامم المتحدة مسئولة ايضا من مثل هذه القضايا علي مستوى العالم اينما كانت وسبق ان ذهب الرئيس الكيني للمحكمة الجنائية عندما طلب منه ذلك لاتهامه بجرائم حرب وهنالك كثر ايضا ذهبوا لها، اما السلطة السابقة بحكم انها متهم والدولة غير موقعه تمانعت عن تسليم المتهمين والمعنين بالحرب في دارفور ، واضاف ظل ابناء دارفور في الداخل والخارج مصرين علي ان تحقق العدالة ويحاكم المتهمين في قضايا الحرب والابادة الجماعية في المحكمة الجنائية الدولية و الا يحاكموا في الخرطوم.
قضاء عادل:
ومضي الفريق ركن محمد بشير في حديثه قائلا سبق وان كونت السلطة السابقة لجنة للتحقيق في جرائم الحرب وكان رئيس هذه اللجنة الاستاذ دفع الله الحاج يوسف وشكلت ايضا لجنة من السلطة القضائية وجهات امنيه اخري لمحاكمة المتهمين. هذه المحاكمات تظل غير مقنعة لأهل دارفور خاصة ان لديهم جسم قانوني يهتم بهذه القضايا ولأنهم يظنون ان بعض الافراد من النظام البائد لن يحاكموا زملائهم محاكمة شفافة ، الي ان جاء تسليم كوشيب نفسه للجنائية ـ واضاف السلطة السابقة والانتقالية الان يرون ان القضاء السوداني قادر وكفء لمحاكمة المتهمين في جرائم الحرب والقانون الجنائي السوداني يعضد ذلك ، ويبقي عامل الثقة هو الفيصل في ذلك لأنه عندما جاءت الحكومة الانتقالية حدثت تقاطعات ما بين المجلس السيادي الجناح العسكري والجناح المدني وبين السلطة التنفيذية علي راسها وزير العدل والنائب العام ، وظلت التصريحات متضاربة، المجلس السيادي يقول لن نسلم اي متهم في جرائم الحرب ليحاكم خارج السودان ووزير العدل سبق ان قال سنسلم المتهمين الي المحكمة الجنائية وكرر ذلك من بعده محمد الحسن التعايشي عضو المجلس السيادي، في اطار كل هذا يبقي ما هو المخرج لتفادي الصراع داخل القوى السياسية وإرضاء للناشطين والمهتمين بقضية دارفور والحركات المسلحة ، وقد يكون فتح مكتب للمحكمة الجنائية الدولية في الخرطوم هو المخرج لا ليحاكم ولكن ليكون احد وسائل الحصر للمتهمين بكافة مستوياتهم واتجاهاتهم ومواقعهم وهذا يقلل من الشك ويزيد ثقة ناشطين دارفور والحركات المسلحة علي الاقل في اطار تحديد من هم المتهمين ومحاكمتهم داخل السودان بواسطة القضاء السوداني وبواسطة القانون السوداني ولكن ايضا لمزيد من الثقة المكتب سيكون مراقب ومتابع ويقدم الاستشارة والملاحظات، ايضا لا مانع من ذلك حتي تأتي نتائج المحاكمات سليمة ومقنعة للأطراف المتضررة من الحرب التي دارت في دارفور او غيرها من مناطق السودان وان المتهمين قد نالوا جزاءهم بالقانون ومتابعة و مراقبة المجتمع الدولي لان التوجيه في القضية اساسا صدر عن مجلس الامن الدولي .
انعقاد طارئ:
بينما يري الاستاذ مجاهد عثمان المحامي ان المحكمة الجنائية الدولية لديها 3 خيارات الاول ان تتم المحاكمة وفقا لقانون الاجراءات الجنائية والقانون الجنائي السوداني لأنه ايضا يعاقب علي مثل هذه الجرائم ، والخيار الثاني اخذ المتهمين ومحاكمتهم في لاهاي ، الخيار الثالث هو عباره عن سابقة قانونية في محاكمة مجرمي الحرب في البوسنه والهرسك ويوغسلافيا حيث شكلت محاكم وطنية مختلطة بها مستشارين من المحكمة الجنائية الدولية ومن وجهة نظري هذا الانسب للسودان ان تكون المحاكمة بقضاة سودانيين ومعهم مستشارين من المحكمة الجنائية ، في كل هذه الخيارات المحكمة الجنائية الدولية في مرحلة جمع البينات تعتمد علي عمل ميداني داخلي يتم داخل الدولة التي وقعت بها الجرائم .وموضوع التحقيق الصحفي لا يخرج عن هذا الاطار ، واذا تم الوصول الي تفاهمات في ان تتم محاكمات مختلطة داخل الخرطوم هذا يتطلب عمل ميداني وجمع ادله من داخل السودان وفي هذه الحالة فقط يمكن للمحكمة الجنائية الدولية ان تطلب موظفين في السودان ، غير ذلك ليس لها مكاتب خلاف لاهاي في اي من دول العالم وانما تنعقد انعقاد طارئ في دولة معينة لقضية محددة وينتهي الاجل بانتهاء القضية المنظور فيها .
محكمة مشتركة:
واتفق د. علي السيد المحامي والخبير القانوني مع الاستاذ مجاهد عثمان في ان المحكمة الجنائية الدولية لا تفتح مكتب في السودان واذا كان هنالك طلب مثل هذا يري د. علي السيد ان السودان لن يوافق علي ذلك ولكن قد تطلب المدعية في المحكة الجنائية مترجمين يجيدون بعض اللهجات المحلية في دارفور ، ولكن اذا تم الوصول الي تفاهمات وكانت هنالك محاكمة في السودان يمكن ان تنعقد محكمة مشتركة بين الهيئة القضائية السودانية والمحكمة الجنائية الدولية وذلك بعد ان يوافق عليها السودان بعد سلسلة اجراءات .