تضارب القرارات الحكومية الخاصة بالتعدين يتسبب في نفوق الماشية بالشمالية
تضارب القرارات الحكومية الخاصة بالتعدين يتسبب في نفوق الماشية بالشمالية..
تحقيق: فاضل عبدالله
مئات من الماشية والحيوانات والطيور تموت سنوياً في مناطق التعدين التقليدي بالولاية الشمالية خاصة في مناطق دلقو وعبري وحلفا بسبب المواد السامة لمخلفات التعدين لشركات التعدين المنظم والعشوائي خاصة الكرتة.
الخلاطات المستخدمة في عمليات إستخلاص الذهب والتي تنشر المواد الملوثة بـ(السيانييد والثيوريا) في الصحراء والجبال والوديان مع هطول الأمطار تنبت الحشائش السامة وسط المياه الملوثة بمجرد أن تشرب أو تآكل الماشية (الأبل – الضان – الطيور – الكلاب) منها تموت في الحال.
وبالرغم من خطورة هذه المواد خاصة (السيانييد) إلا أنها محمية بالقانون الإتحادي للشركة السودانية للموارد المعدنية التي لا تمنع الاستخدام ولكن بشروط متعلقة بالبعد عن المساكن (25) كلم، والعمل في مناطق مغلقة وحتى هذا الأمر لم يتم تطبيقه وخير شاهد قضية الشركة التركية بمنطقة دلقو التي تشهد احتجاجات اسبوعية بسبب هذه التجاوزات، فيما تحظر القوانين المحلية للولاية الشمالية استخدام (السيانيد) بقرار محلي.
منع إستخدام المواد السامة في التعدين التقليدي (سيوريا سيانييد) والسماح باستخدامها من قبل الشركة السودانية للموارد المعدنية للشركات خلق نوعاً من التضارب بين جهتين حكوميتين.
إذا كان قرار المنع القصد منه حماية البيئة والمواطن بالشمالية فلماذا سمحت الحكومة ممثلة في الشركة السودانية للموارد المعدنية باستخدام هذه المواد السامة والمضرة بالبيئة للشركات الكبيرة ومنعت الحكومة المحلية بالشمالية من استخدام ذات المواد القاتلة السيانييد والثيوريا في التعدين التقليدي؟
هل المواد السامة التي تستخدمها الشركات الكبيرة لا تقتل؟ وذات المخلفات تعتبر قاتلة وممنوعة وفق القرارات الولائية وبالتالي هنالك تضارباً في القرارات لجهتين تتبعان لحكومة السودان.
النتيجة لهذا التضارب أو التساهل في القانون موت عشرات الماشية والحيونات سنوياً مادة الثيوريا القاتلة مثلاً منتشرة في الأسواق وتباع علناً.
حظر:
القرارات المحلية بحظر استخدام السيانيد والثوريا ليست جديدة سبق وأن أصدرت الولاية الشمالية في العام 2021 مرسوماً مؤقتاً لضبط الرقابة الصحية والبيئية المتعلقة بمخلفات التعدين.
وحمل المرسوم الممهور بتوقيع د. آمال محمد عز الدين / والي الولاية الشمالية السابق والصادر قراراً بالتنفيذ الفوري لحزمة ضوابط منظمة لنشاط التعدين تحدد أماكن مزاولة العمل، وتبعد مسافة 25 كلم من أي منطقة سكنية أو زراعية أو مراعي، أو بالقرب من مصادر المياه ومجرى النيل والسيول وطرق المواصلات.
كما نص القرار على حظر إستخدام مادة (الثيوريا) وبقية المواد في التعدين التقليدي أو في أسواق التعدين.
من الملاحظ ان القرار حدد (الثيوريا) وبقية المواد الأمر الذي يشير إلى التضارب والتقاطعات في السياسات الحكومية المركزية والولائية تجاه المواد السامة المستخدمة في التعدين الأهلي.
مرسوم:
أيضا سبق وأن إصدار والي الولاية الشمالية المكلف عوض أحمد محمد قدورة مرسوماً ولائياً أُعتبر بمثابة قانون يمنع بموجبه إستخدام مادة “ثيوريا” ويمنع كذلك إستخدام الخلاطات وطرق المعالجة الأخرى للتعدين التقليدي للذهب ومنع تداولها بالولاية.
نص المرسوم أيضاً على منع تخزين مخلفات التعدين (الكرتة) في أي موقع بخلاف أسواق التعدين التقليدي ومواقع الشركات المرخص لها معالجة التعدين التقليدي، وحظر المرسوم القيام بأعمال الغسل والحرق وحصرها داخل الأماكن التي تخصصها السلطات الصحية والبيئية المختصة داخل أسواق التعدين التقليدي، وقضى المرسوم بمعاقبة من يخالف هذا القانون بالسجن والغرامة المالية ومصادرة كافة الأدوات والمواد المستخدمة بجانب وسيلة النقل لصالح الولاية.
مادة قاتلة:
ويحذر المختص في علم الكيمياء هشام أحمد جاد الله من مخاطر (السيانيد) قائلاً: “سيانيد البوتاسيوم هو مادة سامة تؤثر على أجهزة الجسم المختلفة وتؤدي للموت بسرعة، وهي مادة بيضاء تأتي في شكل حبيبات أو بلورات صلبة، وقد يتم استعمالها لأغراض القتل أو الانتحار”.
قائلا: “استخدام (السيانيد) في استخلاص الذهب محظور في العالم إلا ان شركات التعدين في البلدان النامية تخرق هذا الحظر من بينها السودان الذي يشهد تزايد استخدامه حتى بلغ في نهاية 2017 ما يعادل 105 طن سنوياً وذلك حسب ما أوردته الهيئة السودانية للبحوث الجيولوجية.”
الكرتة:
مرحلة (السيانيد والسيوريا) تاتي لاحقاً بعد إنتهاء التعدين التقليدي حيث تتم معالجة التربة المتبقية بمادة السيانيد لاستخلاص المتبقي من الذهب.
وتتم هذه المعالجة للتربة، والتي يطلق عليها مصطلح الكرتة، في مصانع أو معامل تابعة لشركات تقوم بشراء الكرتة من المناجم الأهلية.
نفايات:
تنتج عن هذه العملية نفايات صناعية شديدة السمية، مكونة أملاح (سيانيد) المعادن المختلفة و يلجأ المعدنون التقليديون والشركات الصغيرة ومعامل الذهب إلى التخلص منها عبر طرحها في شكل أوحال شديدة السمية مباشرة في الوديان ومجاري المياه، وهو ما يؤدي الى تلوث فادح وطويل الأمد في البيئات المحلية المحيطة بمناطق التعدين الأهلي.
تلوث:
تجمع الأجسام المطلبية بالولاية الشمالية (جسم أهلي مطلبي) نشر تقريراً إستند على دراسات علمية ونتائج تحليل عينات للمياه أثبتت تلوث المياه بـ(السيانييد) والزئبق بالقرب من شركات التعدين بمحلية دلقو.
وإتهم التجمع الشركة السودانية للموارد بالفشل في السيطرة على الشركات التي لم تلتزم بالاشتراطات وأن المواد المحظورة منتشرة خارج الشركات وفقاً لدراسات علمية.
وأكد التجمع أن قضية سكان منطقة صوردا خير دليل على فشل السياسيات الحكومية تجاة حماية المواطنين المتضررين من المواد السامة للتعدين المنظم.
انتشار:
يقول التاجر والمورد (ع،ع) في حديثه لـ(سودان تايمز): “نقوم بتسويق بضاعتنا من الثيوريا والسيانيد في الأسواق للشركات”، ولكن عند الشراء لا نعلم متى وكيف ومن يستخدمها؟ مشيراً إلى أن مادة (الثيوريا) تدخل من الصين بالطرق الرسمية وتباع في الأسواق علناً ويبلغ سعر الكيلو حالياً (17) مليون.
وأضاف: “نحن ناس سوق نبيع السلعة للزبائن ولا نحقق معهم هذا ليس عملنا اذا كانت الحكومة جادة في وقف الثيوريا عليها ان تمنع دخولها للبلاد”.
نفوق إبل بسب سموم التعدين:
يقول دولي عبد القادر صاحب إبل لـ(سودان تايمز): “فقدت أربعة من الإبل الحوامل على وشك الولادة بسبب المواد الملوثة فلقد شربوا ماء به مواد سامة لخلاطات في منطقة قريبة من سوق دلقو مما تسبب في قتلها جميعاً في لحظة واحدة بمنطقة شرق سوق دلقو على بعد (2) كلم من خط دبي (مكان إنتاج تعدين أهلي بدلقو).
يشير دولي إلى أن المواد السامة متدفقة بكميات هنالك ولا تحتاج إلى دليل فهنالك طيور وكلاب وحيوانات نفقت بسبب الخلاطات الموجودة في أعلى الجبل فالمياه الملوثة تنحدر من أعلى لأسفل في مناطق الرعي.
واضاف: ذهبنا لشرطة التعدين وجدناهم سبقونا بتدوين بلاغ ضد متهمين لديهم نشاط لخلاطات غير قانونية وفعلاً تم ضبطها بجانب وبراميل ملئية بالمواد الممنوعة.
بحسب دولي تم القبض على متهم واحد فقط وهرب بقية المتهمين الستة حيث أقر المتهم بأن البراميل تحوى (سيانييد وثيوريا) مؤكداً أنه مجرد عامل وأن صاحب الخلاطات أسمه (م) وأوضح دولي أن الإبل تم تقييمها بمبلغ (11.400) مليون بواقع 2.850 للواحدة.
مشيراً إلى أن الطبيب البيطري في تقريره أكد قرب مكان الحادث من الحوض الملوث بـ(7) متر لكنه رفض تحليل العينات للإبل بحجة أنها تحللت حالياً ولايمكن تحليلها قائلاً: القضية تأخرت كثيراً في الاجراءات والمحكمة اضطرت لدفع مبالغ كبيرة أكثر من مليون جنيه المواصلات والمحامين.
وقال: “نحن متضررون نعم المعادن فتحت البلاغ لكن الإجراءات بطيئة وعقيمة من قبل الشرطة والنيابة”.
يقول دولي القضية: ” تأخرت في المحكمة.. كل أسبوعين جلسة لدرجة أن مصاريف المحكمة كلفت أكثر من (1.5) مليون وحتى الآن لم آنال تعويضاً مناسباً والمتهم الرئيسي هارب.وخلال الجلسات المتهم أقر بان الخلاط والنشاط خارج مكان التعدين.
يقول (ع) محامي القضية واضحة جداً لكن المتهم الرئيسي هارب، حيث أطلق سراح المتهم الذي تم القبض عليه في محل الحادث (عامل) فيما هرب صاحب الأحواض التي تعمل في الكرتة.
تسرب:
الناطق الرسمي بإسم التعدين الأهلي بالشمالية الرشيد الطاهر أكد لـ(سودان تايمز) أن استخدام مادة الثيوريا غير موجود في الاسواق الكبيرة إلا في حالات نادرة وفردية.
وأوضح الرشيد أن المادة ربما تتسرب للخارج عن طريق تجار وسماسرة خاصة لشركات الكرته مشيراً إلى أن الأمر ليس من اختصاصهم داعياً لضبط التجارة لجهة أنها تتسبب في أضرار للبيئة فهنالك حالات كثيرة لنفوق حيوانات وماشية في محليتي دلقو وعبري.
خارج دائرة الأختصاص:
المدير التنفيذي لمحلية دلقو مدثر شرف الدين أكد في حديث مقتضب لـ(سودان تايمز) عدم إختصاص المحلية بقضية إستخدام (السيانييد – الثوريا) في التعدين وقال: “نعلم أن هنالك حالات كثيرة للضرر بسبب السيانييد والثيوريا ولكن هذا ليس من اختصاصنا مهمتنا تنحصر فقط في تنظيم الاسواق.”
بلاغ جنائي:
أكد مصدر بالشركة السودانية للموارد المعدنية تعدد الحوادث الخاصة بمخالفة القوانين فيما يتعلق بالتسبب في الضرر مشيراً إلى أن حادثة الإبل الأخيرة مقيدة بالرقم (146) لعام 2023 محكمة جنايات دلقو تحت المرسوم الولائي رقم (4) غرامة مالية المادة (74) والمادة (72) إهمال وإتلاف جنائي تسبب في قتل الجمال وفق بلاغ شرطة التعدين ضد أصحاب خلاطات مخالفين إتضح أن إبل شربت من حوض غير مسور في منطقة أبار خلف الجبل بالقرب من خط دبي للإنتاج (مكان قديم لإنتاج الذهب بدلقو عرف سابقاً بوفرة الإنتاج) تم ضبط (10) خلاطات بالمحل ثلاثة منها كانت تعمل.
تضارب:
وأكد المصدر أن استخدام (السيانيبد) ليس ممنوعاً للشركات وفق اشتراطات محددة ولكن قانون الثروة المعدنية المحلي بالولاية الشمالية وفقا رقم (4) في الشمالية 2022 منع استخدام الزئبق و(السيانيد) في أعمال التعدين لأثارها على البيئة.