انهيار العملة السودانية وسط دولرة متسارعة

انهيار العملة السودانية وسط دولرة متسارعة

أصبح السودان نموذجًا لانهيار العملة الوطنية، حيث فقد الجنيه وظيفته كوسيط للتبادل وسط دولرة متسارعة. وفق بيانات دولية حديثة، انكمش الناتج المحلي بنسبة 28% هذا العام، فيما ارتفع الدين العام إلى 272% من الناتج المحلي، وهو من أعلى المعدلات عالميًا. هذا الانهيار لا يعكس أزمة نقدية فقط، بل يضع السودان في مرحلة “ما بعد العملة”، حيث أصبحت العملات الأجنبية هي الأداة الرئيسية للتعاملات اليومية.

منذ أبريل 2023، تسببت الحرب في تدمير البنية الإنتاجية وتراجع الإيرادات الضريبية إلى مستويات دنيا، ما أجبر الحكومة على تمويل العجز عبر طباعة العملة. التضخم تجاوز 245%، فيما ارتفعت معدلات الفقر إلى أكثر من 70%. ومع نزوح يتجاوز 11 مليون شخص، يعيش السودان أكبر أزمة نزوح عالمي مرتبطة بصراع داخلي.

في السوق الموازي، سجل الدولار 3800 جنيه للبيع و3700 للشراء، مقارنة بـ560 جنيهًا قبل الحرب، أي بزيادة تفوق 560%. هذا الانهيار يعكس حالة شلل نقدي فعلية، حيث يتسم السوق باستقرار مؤقت يتبعه انفلات سريع، مع شح السيولة وتوسع الدولرة كآلية رئيسية للتسعير.

مستقبل الجنيه

في أحدث تقارير المؤسسات الدولية الصادرة في نوفمبر 2025، قدمت جهات مثل Trading Economics والبنك الإفريقي للتنمية والبنك الدولي أرقاماً دقيقة حول الأداء الاقتصادي في السودان، مع توقعات قصيرة المدى تمتد حتى مطلع عام 2026، لتكشف صورة قاتمة عن استمرار الانكماش وتفاقم الأزمات المالية والاجتماعية.

توقعات قصيرة

وفقاً لتقديرات Trading Economics، من المتوقع أن يواصل الاقتصاد السوداني انكماشه خلال الربع الأول من عام 2026 بنسبة تقارب -12%، وذلك بعد أن سجل الناتج المحلي الإجمالي انكماشاً بلغ -28% في عام 2025. وتشير البيانات إلى أن الدين العام سيظل عند مستويات مرتفعة للغاية، لكنه قد يتراجع بشكل طفيف من 272% من الناتج المحلي في 2025 إلى نحو 250% في 2026، وهو ما يعكس استمرار الضغوط المالية دون حلول جذرية. كما يُتوقع أن يبقى معدل البطالة عند حدود 20.5%، ما يعكس استمرار أزمة التشغيل في ظل الحرب وتعطل القطاعات الإنتاجية. أما التضخم، الذي تجاوز 245% في عام 2023 بحسب البنك الإفريقي للتنمية، فسيظل مرتفعاً نتيجة استمرار طباعة العملة لتمويل العجز، الأمر الذي يفاقم أزمة الأسعار ويزيد من معاناة المواطنين.

في تحديث أصدره البنك الدولي في مايو 2025، أشار إلى أن السودان يعيش ما وصفه بـ”اقتصاد بلا عملة”، حيث فقد الجنيه السوداني دوره كوسيط للتبادل، وأصبحت الدولرة النمط السائد في التسعير والمعاملات اليومية. وأكد البنك الإفريقي للتنمية أن الحرب أدت إلى نزوح أكثر من 11 مليون شخص، فيما تراجعت الإيرادات الضريبية إلى 2% فقط من الناتج المحلي، ما أجبر الحكومة على تمويل العجز عبر طباعة العملة، وهو ما يضمن استمرار التضخم الجامح في المدى القريب.

توقعات قريبة

يتوقع أن يظل السودان في حالة شلل نقدي مع استمرار انهيار الجنيه وتوسع الدولرة وارتفاع الأسعار. ورغم بعض التقديرات التي تشير إلى إمكانية تحسن نسبي في الإنتاج الزراعي إذا استقر الوضع الأمني، فإن المؤشرات القريبة تؤكد أن الاقتصاد سيظل في مسار انكماشي مع تضخم مرتفع وفقر متصاعد، ما يعكس حجم التحديات التي تواجه البلاد في ظل استمرار النزاع المسلح وتراجع الدعم الدولي.

خلال الأشهر المقبلة وحتى مطلع 2026، تشير التقديرات إلى أن الدولار قد يتجاوز حاجز 5000 جنيه، خاصة مع ارتفاع الطلب على السلع المستوردة قبيل رمضان. استمرار الحرب سيبقي الاقتصاد في مسار انكماشي، مع تضخم مرتفع وفقر متصاعد. المؤسسات الدولية تؤكد أن السودان يعيش اقتصادًا بلا عملة، وأن أي تعافٍ لن يكون ممكنًا دون وقف الحرب وإعادة بناء المؤسسات النقدية والمالية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *