سقوط الفاشر … موجة جديدة من الصراعات تثير مخاوف وتصعيد واسع
سقوط الفاشر يعيد تشكيل خريطة الحرب في السودان ويثير مخاوف من تصعيد واسع وانقسام محتمل
في تحول ميداني وصف بأنه الأبرز منذ اندلاع النزاع، سيطرت قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، يوم الأحد الماضي، ما منحها نفوذًا شبه كامل على الإقليم بخمس ولاياته، باستثناء جيوب محدودة في أقصى الشمال الغربي، حيث تنتشر قوات الجيش السوداني والقوة المشتركة المتحالفة معه، إضافة إلى رقعة صغيرة تتمركز فيها حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد النور في محيط جبل مرة. ورغم ذلك، تعتبر قوات الدعم السريع أن هذه المناطق تقع ضمن نطاق نفوذها العسكري، باعتبارها القوة الأكبر في الإقليم.
تغير السيطرة
أحدثت هذه التطورات الميدانية تحولًا جذريًا في خريطة السيطرة العسكرية داخل دارفور وكردفان، حيث رجحت الكفة لصالح قوات الدعم السريع، ما فتح الباب أمام احتمالات تصعيد أكثر عنفًا، ظهرت ملامحه بوضوح في الفاشر. ويشير مراقبون إلى أن هذا التقدم قد ينقل الحرب إلى عمق شمال ووسط السودان، حيث لا تزال مناطق واسعة تحت سيطرة الجيش، الذي يواجه تحديات متزايدة منذ أكثر من عامين ونصف من القتال.
تهديد الأبيض
في الأيام الأخيرة، تقدمت قوات الدعم السريع في شمال كردفان، وسيطرت على مدينة بارا الاستراتيجية، الواقعة على بعد نحو 40 كيلومترًا شمال مدينة الأبيض، عاصمة الولاية. وامتدت العمليات لتشمل منطقتي أم دم حاج أحمد والزريبة، وبدأت القوات في تنفيذ مناوشات تهدف إلى تطويق الأبيض من الجهات الأربع، عبر محاولات للسيطرة على مدينتي الرهد وأم روابة. وتُعد الأبيض مركزًا عسكريًا ولوجستيًا رئيسيًا للجيش السوداني، ومنصة انطلاق لهجماته في شمال وغرب كردفان، وكانت تمثل المعبر البري الوحيد نحو الفاشر قبل سقوطها.
أهمية استراتيجية
سقوط مدينة الأبيض، التي تبعد نحو 600 كيلومتر عن العاصمة الخرطوم، سيمنح قوات الدعم السريع طريقًا مفتوحًا نحو أم درمان، ثاني أكبر مدن العاصمة، وهو هدف أعلنته قيادات الدعم السريع مرارًا. وتُعد الأبيض من أهم المدن السودانية اقتصاديًا واستراتيجيًا، إذ تضم أكبر سوق للمحاصيل النقدية، وبورصة الصمغ العربي، وتُعد ملتقى طرق تجارية وزراعية، كما يمر عبرها خط أنابيب النفط المتجه إلى ميناء بورتسودان. وقد اتخذتها بعثة الأمم المتحدة قاعدة لوجستية، وتُعرف محليًا بلقب “عروس الرمال”.
نزوح متزايد
مع تصاعد التوترات في شمال كردفان، رصدت منظمة الهجرة الدولية موجات نزوح كبيرة من مدينتي بارا وأم دم حاج أحمد، باتجاه الخرطوم وولاية النيل، هربًا من الانتهاكات التي تعرض لها السكان. كما أفادت مصادر محلية بأن مدينة الأبيض تشهد حركة نزوح ملحوظة، تحسبًا لتكرار سيناريو الفاشر. ويؤكد اللواء المتقاعد كمال إسماعيل أن معركة الأبيض ستكون أكثر كارثية من الفاشر، مشددًا على أن لا منتصر في هذه الحرب، وأن سقوط المدينة لن يعني نهاية المعارك، بل بداية لمعارك جديدة تهدد وحدة السودان.
تحركات عسكرية
أفادت صحيفة “سودان تربيون” بأن هيئة أركان الجيش السوداني أرسلت مجموعة من كبار القادة إلى غرفة العمليات المركزية في الأبيض، في مؤشر على تعديل في خطة إدارة الحرب. ولا يزال الجيش يحتفظ بسيطرته على العاصمة الخرطوم بمدنها الثلاث، وعلى الولايات الشمالية ونهر النيل، والإقليم الشرقي، وولاية الجزيرة، والنيل الأبيض وسنار والنيل الأزرق. أما في غرب كردفان، فلم يتبق له سوى الفرقة 22 مشاة في بابنوسة، التي تخضع لحصار شديد منذ أكثر من عامين، وقد نزح سكانها بالكامل.
قلق دولي
أثارت سيطرة الدعم السريع على الفاشر مخاوف إقليمية ودولية من احتمال تقسيم السودان إلى إقليمين بحكومتين متنازعتين، على غرار النموذج الليبي. وحذر كبير مستشاري الرئيس الأميركي لشؤون أفريقيا، مسعد بولس، من تداعيات هذا السيناريو على أمن المنطقة، بما في ذلك الأمن المائي في البحر الأحمر، الذي وصفه بأنه خط أحمر لمصالح الولايات المتحدة.
نفي التقسيم
في خطاب عقب السيطرة على الفاشر، نفى قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) أن يكون “تحرير الفاشر” بداية لانقسام السودان، واعتبر أن هذه الرواية خرجت من أجهزة استخبارات الجيش. وأكد أن الفاشر تمثل نقطة تحول استراتيجية لوحدة السودان، سواء عبر السلام أو الحرب، مشددًا على رفض أي نقاش حول تفتيت البلاد.
معركة مستمرة
قال ضابط رفيع متقاعد في الجيش السوداني إن الفاشر تُعد مدينة استراتيجية من الناحية الجيوبوليتيكية، وإن الدعم السريع يسعى لتحويل الأنظار نحو كردفان لتنفيذ مخططاته العسكرية. وأكد أن سقوط الفاشر لا يعني حسم المعركة، وأن الجيش يمتلك خططًا تكتيكية واستراتيجية لخوض معارك طويلة في كردفان، تشمل استعادة دارفور. وأضاف أن الحرب بطبيعتها كرّ وفرّ، وأن استعادة المدن أو خسارتها أمر وارد في أي وقت.
سيناريو تفاوض
صرح قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان عقب انسحاب قواته من الفاشر بأن القوات المسلحة قادرة على “قلب الطاولة” وتحقيق النصر في جميع أنحاء البلاد. ومع استبعاد الحسم العسكري كحل نهائي، يعود سيناريو “حارِب وفاوِض” إلى الواجهة، حيث يسعى كل طرف إلى تعديل موازين القوى ميدانيًا لدفع نحو مفاوضات توقف الحرب وتعيد الاستقرار إلى السودان.
