استمرار تراجع الجنيه السوداني مقابل الدولار

استمرار تراجع الجنيه السوداني مقابل الدولار

سجل الجنيه السوداني خلال شهر أغسطس الجاري تراجعاً تاريخياً غير مسبوق أمام العملات الأجنبية، في مؤشر واضح على تعمق الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023. وبحسب بيانات السوق الموازي، بلغ سعر صرف الدولار الأمريكي اليوم الأحد 31 أغسطس نحو 3,500 جنيه سوداني، مقارنة بـ560 جنيهاً فقط في أبريل من العام الماضي، ما يعكس خسارة تجاوزت 525% من قيمة العملة المحلية خلال أقل من عامين ونصف.

هذا الانهيار الحاد في سعر الصرف يأتي في ظل غياب شبه كامل للسياسات النقدية الفعالة، وتراجع دور البنك المركزي في ضبط السوق، ما أدى إلى انفلات واضح في التداولات النقدية، وسط هيمنة شبه مطلقة للسوق الموازي على عمليات الصرف. ويؤكد خبراء اقتصاديون أن هذا التراجع الحاد يعكس فقدان الثقة في المؤسسات المالية الرسمية، ويعزز من توجه المستثمرين والمواطنين نحو العملات الأجنبية كملاذ آمن، في ظل استمرار النزاع العسكري وعدم استقرار الحكومة.

ورغم محاولات الجهات الرسمية للحد من نشاط السوق السوداء، إلا أن الأخيرة تشهد نمواً متسارعاً، مدفوعاً بارتفاع الطلب على الدولار لتغطية احتياجات الاستيراد، خاصة في ظل اعتماد السودان على الخارج لتوفير أكثر من 70% من المواد الغذائية والسلع الأساسية. وقد ساهم هذا الطلب المتزايد في خروج كميات كبيرة من النقد الأجنبي من النظام المصرفي الرسمي، ما فاقم من أزمة السيولة وأضعف قدرة الدولة على التدخل.

وتشير المعطيات إلى أن أسعار العملات الأجنبية حافظت خلال الأسابيع الأخيرة على مستوياتها المرتفعة، دون أن تشهد أي تراجع يُذكر، ما يعكس استمرار الضغوط على الجنيه السوداني، ويؤكد أن السوق الموازي بات المرجعية الأساسية لتحديد سعر الصرف. ويُعزى هذا الانحدار إلى مجموعة من الأسباب الهيكلية، أبرزها تراجع التحويلات المالية من المغتربين، وارتفاع تكاليف الاستيراد، إلى جانب تأثير النزاعات العسكرية التي ألقت بظلالها على الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد.

ويُعد ارتفاع سعر الدولار أحد أبرز العوامل التي أثرت بشكل مباشر على تكاليف المعيشة اليومية، حيث تجاوز حاجز 3,000 جنيه خلال السنوات الثلاث الماضية، ما أثار قلقاً واسعاً بين المواطنين الذين باتوا يواجهون صعوبات متزايدة في تأمين احتياجاتهم الأساسية. ويرى خبراء أن استمرار هذا المسار قد يؤدي إلى انهيار شامل في المنظومة المالية، خاصة في ظل اعتماد شريحة واسعة من المواطنين على السوق الموازي، وتراجع أداء الجهاز المصرفي الرسمي، وغياب الثقة في السياسات الاقتصادية المعتمدة.

وتواجه الحكومة السودانية تحديات متزايدة في إدارة الملف الاقتصادي، إذ لم تتمكن حتى الآن من تقديم حلول عملية لوقف التدهور المستمر في سعر الصرف أو معالجة أزمة السيولة التي تضرب الأسواق المحلية. ويأتي هذا التراجع في ظل توقف الدعم الخارجي، وتراجع الإنتاج المحلي، ما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية وتفاقم معاناة المواطنين، وسط حالة من عدم اليقين المالي والاجتماعي تهدد الاستقرار الاقتصادي في البلاد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *