العملة السودانية تواصل انهيارها امام الدولار فى السوق الموازية

العملة السودانية تواصل انهيارها امام الدولار فى السوق الموازية

تتفاقم الأزمة الاقتصادية في السودان بوتيرة متسارعة، في ظل استمرار التدهور الحاد في قيمة العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، ما يعكس حالة من الانفلات النقدي في السوق الموازية التي باتت تتحكم بشكل شبه كامل في عمليات الصرف. وقد سجل الجنيه السوداني انخفاضاً غير مسبوق أمام الدولار الأمريكي، حيث فقد أكثر من نصف قيمته منذ شهر مارس الماضي، وسط غياب أي تدخل فعّال من الجهات الرسمية المعنية بالشأن المالي، الأمر الذي ساهم في اتساع دائرة فقدان الثقة في السياسات الاقتصادية المعتمدة.

وتواصل العملة السودانية تراجعها في السوق الموازي، حيث بلغ سعر صرف الدولار مستويات قياسية تجاوزت حاجز 3,500 جنيه، متخطياً الرقم القياسي السابق الذي تم تسجيله في يوليو الماضي عند 3,350 جنيه. هذا الانحدار الحاد يأتي في وقت تشهد فيه البلاد غياباً شبه كامل للأدوات التنظيمية، وتراجعاً واضحاً في دور البنك المركزي، ما أدى إلى تفاقم حالة الفوضى النقدية، وانعكس سلباً على استقرار السوق المالي.

ورغم أن أسعار العملات الأجنبية أظهرت خلال الأسابيع الأخيرة نوعاً من الثبات النسبي، إلا أنها بقيت عند أعلى مستوياتها التاريخية، وهو ما يعكس استمرار الانحدار في قيمة الجنيه السوداني، ويؤكد أن السوق الموازي بات يشكل المرجعية الأساسية لعمليات الصرف، في ظل غياب الرقابة الفعالة وتراجع قدرة المؤسسات الرسمية على التدخل.

وتعود جذور الأزمة الاقتصادية الراهنة إلى مجموعة من الأسباب الهيكلية، أبرزها التراجع الكبير في حجم التحويلات المالية من المغتربين، والتي تمثل أحد المصادر الرئيسية لتوفير النقد الأجنبي في البلاد. كما ساهمت الزيادة الكبيرة في تكاليف استيراد النفط والسلع الأساسية في تعميق الأزمة، إلى جانب تأثير النزاعات العسكرية المستمرة التي ألقت بظلالها على الوضع المالي والاجتماعي، وفاقمت من الضغوط الاقتصادية على المواطنين.

ويُعد ارتفاع سعر صرف الدولار أحد أبرز العوامل التي أثرت بشكل مباشر على تكاليف المعيشة اليومية، حيث تجاوز الدولار حاجز 3,000 جنيه خلال السنوات الثلاث الماضية، ما أثار قلقاً واسعاً بين المواطنين. ويرى خبراء اقتصاديون أن هذا الارتفاع يعود إلى استمرار الحرب وعدم استقرار الحكومة، وهو ما أدى إلى تراجع الثقة في المؤسسات المالية، ودفع المستثمرين إلى اللجوء للدولار كملاذ آمن، مما ساهم في زيادة الطلب عليه بشكل ملحوظ.

وتشير المعطيات إلى أن الطلب على الدولار في السودان بات يتجاوز المعدلات الطبيعية، مدفوعاً بارتفاع حجم الاستيراد، حيث يتم جلب أكثر من 70% من المواد الغذائية من الخارج. وتسعى الشركات المحلية إلى تأمين احتياجاتها من العملة الأجنبية في ظل التراجع المستمر لقيمة الجنيه، ورغم محاولات الحكومة للحد من نشاط السوق السوداء، إلا أن هذه الأخيرة تشهد نمواً متزايداً، ما يؤدي إلى خروج المزيد من النقد الأجنبي من النظام المصرفي الرسمي، ويزيد من تعقيد الأزمة.

ويعكس الواقع الاقتصادي الراهن في السودان حالة من المعاناة اليومية التي تعيشها الأسر، حيث تُجبر على التكيف مع ظروف معيشية قاسية، في ظل غياب حلول ملموسة من الجهات الرسمية. ويستمر الوضع المالي في البلاد في حالة من عدم اليقين، ما يضيف إلى الضغوط الاجتماعية ويزيد من تعقيد المشهد العام. وتواجه الحكومة السودانية تحديات متزايدة في إدارة الملف الاقتصادي، إذ لم تتمكن حتى الآن من تقديم حلول عملية لوقف التدهور المستمر في سعر الصرف أو معالجة أزمة السيولة التي تضرب الأسواق المحلية. ويأتي هذا التراجع في ظل غياب السياسات النقدية الفعالة، وتوقف الدعم الخارجي، وتراجع الإنتاج المحلي، ما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية وتفاقم معاناة المواطنين.

ويحذر خبراء الاقتصاد من أن استمرار هذا المسار قد يؤدي إلى انهيار شامل في المنظومة المالية، خاصة في ظل اعتماد شريحة واسعة من المواطنين على السوق الموازية لتلبية احتياجاتهم اليومية، في وقت يعاني فيه الجهاز المصرفي الرسمي من ضعف الأداء وغياب الثقة. كما أن تراجع حجم التحويلات الخارجية يزيد من تعقيد الوضع، ويضع الحكومة أمام خيارات محدودة في ظل تصاعد الضغوط المعيشية والاجتماعية التي تهدد الاستقرار الاقتصادي في البلاد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *