استقرار الجنيه السوداني مقابل الدولار مرتفعا

في ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالسودان منذ اندلاع النزاع المسلح في أبريل 2023، يواصل الجنيه السوداني تراجعه أمام العملات الأجنبية، وسط انهيار شبه كامل في قدرة الدولة على إدارة السياسات النقدية، وتراجع دور البنك المركزي إلى مستويات غير مسبوقة. هذا التدهور المتواصل يعكس حالة من التفكك في المنظومة المالية الرسمية، في وقت باتت فيه السوق الموازية تتحكم بشكل شبه كامل في حركة الصرف والتداول النقدي داخل البلاد.
وخلال مستهل تداولات اليوم الثلاثاء، سجل الجنيه السوداني استقراراً مؤقتاً عند مستوى مرتفع، بعد أن شهد انخفاضاً جديداً في قيمته مقابل الدولار الأمريكي قبل يومين، حيث بلغ متوسط سعر البيع في السوق الموازي نحو 3,270 جنيهاً للدولار، وهو مستوى يقترب من الرقم القياسي الذي سُجل في يوليو الماضي عندما بلغ 3,350 جنيهاً. هذا الارتفاع جاء بعد فترة من الركود النسبي، قبل أن تعود الأسعار إلى التصاعد بشكل جماعي، مدفوعة بعزوف عدد من التجار عن البيع واقتصار نشاطهم على الشراء، في مؤشر يعكس توقعات بحدوث زيادات إضافية في الأسعار خلال الأيام المقبلة.
وتراوحت أسعار صرف الدولار خلال الأسبوع الماضي بين 3,000 و3,190 جنيهاً، مع تداولات نشطة ضمن نطاق يتراوح بين 3,050 و3,130 جنيهاً، بمتوسط بلغ نحو 3,100 جنيهاً، قبل أن يسجل ارتفاعاً جديداً هذا الاسبوع ليصل إلى 3,200 جنيهاً، وسط غياب أي تدخل من البنك المركزي الذي فقد عملياً قدرته على تنظيم السوق أو التأثير في آلياته.
ويرى عدد من الخبراء الاقتصاديين، أن هذا التدهور يعود إلى جملة من الأسباب الهيكلية، أبرزها توقف الإنتاج في القطاعات الحيوية، وتراجع أداء البنوك التجارية، واعتماد البنك المركزي على إصدار العملة المحلية دون غطاء نقدي، إلى جانب ارتفاع معدلات السفر والهجرة لأغراض العلاج والدراسة، وتراجع التحويلات الخارجية، وتحويل الإيرادات لدعم العمليات العسكرية وشراء الأسلحة، ما أدى إلى زيادة الطلب على العملات الأجنبية في ظل محدودية المعروض.
كما أشار مصرفيون إلى أن استمرار البنك المركزي في طباعة العملة دون وجود احتياطي كافٍ من النقد الأجنبي ينذر بمزيد من التدهور في قيمة الجنيه، مؤكدين أن تغيير العملة في السابق لم يكن حلاً للأزمة، بل محاولة لتجاوز العجز في السيطرة على التضخم. وأوضحوا أن البنك المركزي فقد صلاحياته الفعلية، وأن الجهاز المصرفي لم يعد قادراً على وضع أو تنفيذ السياسات النقدية اللازمة لضبط التضخم واستقرار سعر الصرف، أو حتى ضمان أموال المودعين في البنوك التجارية، ما يعكس عمق الأزمة المالية التي تواجهها البلاد في ظل استمرار النزاع وتراجع مؤشرات الاستقرار الاقتصادي.