الفساد: التفاصيل في التناقضات (1)

الذهب وبنك السودان… من يرسم السياسات؟
تحقيق: عاصم اسماعيل
تخبط سياسات البنك المركزي بخصوص شراء الذهب هل يعتبر فساد إداري أم مالي ؟ وهل الأزمة ناتجة عن عدم وجود كفاءات قادرة على إدارة هذه الموارد أم المصلحة الخاصة والمرحلية لبعض الشركات تقتضي التماشي معها من حين إلى اخر؟
فى هذا التحقيق الذي يستعرض فيه ما يدور في بنك السودان من موجهات وسياسات تخص “معدن الذهب” لايسعى” المحقق” إلى تجريم اشخاص أو مؤسسات بل يستعرض الحقيقة امام الجميع ويعمل على تعرية “التناقضات”المستندية”، كما أن الإتهام الموجه من بعض المستنطقين والمهتمين بالأمر إنما هو مسؤولية مؤسسة وليست شخصية لاعتبارات الهم الوطني الكبير خاصة وأن الحديث عن الذهب في السودان لم ولن ينفصل عن مصير الالاف السودانيين المنتظرين في صف تحسين المعيشة والخدمات، فمن هذا المنطلق جاءت الفكرة في محاولة ليس لتبرير أو تنكيل بأفعال مؤسسات أو أشخاص ولكن من أجل تقديم الحقائق مجردة ثم اطفاء صبغة التعليق عليها من باب المصلحة العامة.
بنك السودان المركزي منذ أن بدأت سياساته في الظهور رويداً رويداً في محاولة منه لتنظيم هذا القطاع، واجهتها انتقادات واسعة من قبل جمهور المواطنيين قبل أن يطفي عليها مختصي المعدن الاصفر صفة التناقضات وأنها السبب الرئيس في أحداث بعض المشاكل من بينها “التهريب”، وحتى “التهريب” قد يأتي منتظماً ومنظماً بعلم أو بدون علم الجهات المختصة والتي يندرج بنك السودان تحتها حيث الانطلاقة الأولى لهذا القطاع.
“المحقق” لايرى منطقاً في التناقضات التي ظلت ترد في سياسات البنك ولكنه أيضاً وبالنظر إلى مالات تلك الحقبة المهمة من تاريخ البلاد ربما و”الحديث يعود إلى المحقق” يعطي الحق مجازاً لها في تقلباتها مثلها مثل كثير من سياسات البلاد في حقبة ظهور المعدن الاصفر وتكالب الجميع عليه خاصة الذين فقدوا مصادر دخلهم ابان فترة النفط التي اختفت من وجدان السودان الشمالي عقب انفصال دولة الجنوب واصبحت الحكومة والمواطن يتدافعون نحو هذا المصدر الوحيد حينها.. “هذا التحقيق” قد يمتد لحلقات أبوابها ستظل مفتوحة ما دام معدن الذهب ما يزال يسطر وجوده بالاحرف الاولى في دفتر مورد السودان وميزانيته، وفي نفس الوقت يشكل حضوراً أنيقا في المحافل الاقليمية والدولية التي مازالت تتنافس عليه وهو الذي بطريقة او اخرى كان سببا في اشعال حرب السودان التي لازالت رحاها تدور الى الآن.
ظلت ازمة الذهب في السودان منذ انفصال دولة جنوب السودان في العام 2011م بعد ذهاب ثلاث ارباع النفط الى الدولة الوليدة والذى كان يغذى شريان الاقتصاد السودانى فاصبح البديل الفعلى هو الذهب لرفد الخزينة العامة في الدولة السودانية حيث كثف السودان جهوده في البحث والتنقيب عن المعدن الاصفر ففتحت الحكومة البلاد على مصراعيها وسهلت امر المعدنيين التقليدين وتسارعت الشركات الكبرى للاستثمار في التنقيب عنه ودخلت مؤسسات اقتصادية كبرى الى البلاد واصبح الذهب هو المورد الاساسي استعاضت عنه الحكومة بديلا للنفط.
ولكن تفاقمت في ظل استمرار البنك المركزي في احتكار شرائه من المعدنيين، الأمر الذي دعا غرفة مصدري الذهب إلى وصف السياسة التي تتبعها إدارة المركزي بالفاسدة وتصل إلى حد غسيل الأموال، وأن البنك يشتري الغرام الواحد من المعدن الأصفر بأعلى من السعر العالمي، ما يؤثر مباشرة على خفض قيمة الجنيه السوداني، بحسب غرفة مصدري الذهب، التي وصفت ما يحدث بأنه تدمير للاقتصاد. ولكن لبنك السودان المركزي رأي مهم حيث يقول مصدر رفيع بالبنك المركزي مفضلاً حجب إسمه لـ”سودان تايمز” ان ما يحدث في البنك من سياسات تنظيمية للذهب هو نفسه ما يحدث في السياسات العامة للدولة باعتبار أن استقلالية البنك منقوصة وظلت تتعرض على مدى سنوات لتدخلات خارجية رغم وجود الكفاءات الفنية والادارية والتي معظمها غادر البنك بسبب تلك التدخلات.
وشهدت سياسات المركزي في صادرات الذهب تقلبات متعددة ما بين محتكر للشراء ومنح المهمة لشركات خاصة، وكان المركزي اعتمد سياسات جديدة تسمح رسمياً للقطاع الخاص بشراء وتصدير الذهب، الأمر الذي عزاه البعض وقتها إلى الفارق الكبير بين كميات الذهب التي يتم تسليمها لبنك السودان وكميات الإنتاج الفعلية التي كانت أحد أسباب مراجعة سياسات الذهب أملاً منها في الحد من تهريبه.
وتوقع البنك أن تجذب السياسات جزءاً كبيراً من الكميات المنتجة، إلا أنه لم يمضِ على هذه الخطوة كثير من الوقت حتى أصدر المركزي قراراً قضى بإلغاء تراخيص شركات القطاع الخاص، وقرر الدخول بنفسه إلى سوق الذهب وشراء كل الكميات المنتجة بأسعار عالية من مناطق الإنتاج مباشرة عبر وكلاء.
منشورات لا تقوم على مبدأ الثبات تثير الشكوك :
يرى مراقبون أن جميع منشورات وسياسات بنك السودان المركزي فيما يتعلق بصادر الذهب او تقنين تجارته لا تقوم على مبدا الثبات بل تتقلب وفقا لما يراه البنك المركزي الذي لم يستطع على مر السنوات ضبط التجارة والشراء من المعدنيين الامر زاد من نسب التهريب والتهرب من تطبيق تلك السياسة .
ففى يناير من العام 2022م عنون بنك السودان المركزي خطابا ومنشوراً يتعلق بساسات شراء وتصدير الذهب الحر وذهب شركات مخلفات التعدين الا ان تلك السياسات لم تدم اكثر من ثلاثة شهور حيث أصدر منشوراً آخراً ألغى به سابقه وهكذا على مر السنوات الماضية يلغي البنك منشوراً ويصدر آخر ما جعل الأمر أشبه بالتجريب وهو الذي اثر على صادر الذهب وتجارته في البلاد.
المنشور رقم 3/ 2022 من الادارة العام للسياسات والبحوث والاحصاء صدر في يناير من العام 2022م معنون الى كافة المصارف والجهات ذات الصلة.
يقول نص المنشور:
(عملاً بسلطات محافظ بنك السودان المركزي بموجب المادة (7) والمادة (8) من قانون تنظيم التعامل بالنقد لسنة 1981م (تعديل 2011م) والمادة (20) من لائحة تنظيم التعامل بالنقد الأجنبي لسنة 2013م، وبغرض تعظيم موارد النقد الأجنبي فقد تقرر الآتي:
أولاً / إلغاء المنشورات الآتية:
منشور إدارة السياسات رقم (8/2020) الصادر بتاريخ 6 فبراير 2020 الخاص بسياسات شراء وتصدير الذهب الحر.
منشور إدارة السياسات رقم (16/2020) الصادر بتاريخ 25 يونيو 2020 الخاص بسياسات شراء وتصدير الذهب الحر وذهب شركات مخلفات التعدين.
ثانياً/ تعريف الذهب الحر:
يُقصد به الذهب المنتج بواسطة التعدين الأهلي أو ما يعرف بالتعدين التقليدي.
ثالثاً / يتم تصدير الذهب الحر وذهب شركات مخلفات التعدين وفق الضوابط الآتية:
يُسمح بتصدير الذهب بواسطة أي شخص معنوي بعد إستيفاء كافة إجراءات وضوابط الصادر السارية.
يتم تنفيذ عمليات صادر الذهب الحر وذهب شركات مخلفات التعدين بطريقة الدفع المقدم فقط، ووفقاً لأسعار البورصة العالمية.
يُسمح بتصدير الذهب الحر وذهب شركات مخلفات التعدين بعد تصفيته بمصفاة السودان للذهب. دون استثناء لأي جهة.
يُسمح للشركات العاملة في مجال مخلفات التعدين بتصدير كامل إنتاجها بعد أن يتم تحصيل أنصبة الحكومة من الأرباح والعوائد الجليلة والزكاة والضرائب عيناً من الإنتاج الكلي لتلك الشركات بواسطة الشركة السودانية للموارد المعدنية.
يتم الإحتفاظ بحصيلة صادر ذهب التعدين التقليدي ونصيب شركات مخلفات التعدين في حساب مكتبي بالنقد الأجنبي بإسم المصدر يُفتح لهذا الغرض لدى المصارف المعتمدة يسمى (حساب صادر ذهب) يُغذى بالحصيلة فور إستلامها، على أن تبقى حصيلة الصادر الخاصة بالمصدرين في حسابات الصادر لفترة أقصاها 5 أيام عمل . وفى حالة تجاوز الفترة المحددة لبقاء الحصيلة في حساب الصادر يتم شراؤها لصالح بنك السودان المركزي وبسعر شراء المصرف المعلن في ذلك التاريخ.
يتم استخدام حصيلة صادر الذهب الحر وذهب شركات مخلفات التعدين في أي من الأوجه الآتية:
أ. الإستيراد لصاحب الحصيلة وفق الضوابط المنظمة للإستيراد.
ب. بيع الحصيلة لمصرف المصدّر أو أي مصرف آخر.
7- على المصارف عدم تكملة الإجراءات المصرفية لصادر ذهب شركات مخلفات التعدين إلا بموجب موافقة مكتوبة من بنك السودان المركزي بعد إستيفاء المطلوبات الأخرى.
8- على المصارف عدم تكملة الإجراءات المصرفية لصادر الذهب الحر إلا بعد إبراز المستندات المطلوبة من الهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس الخاصة بالأوزان والمعايرة.
9- يتم تصدير الذهب بغرض التصنيع والإعادة.
وفقاً للضوابط الآتية
أ. إيداع ضمان عيني في شكل ذهب مصفى عيار 999,9 بكمية مساوية للكمية المراد تصديرها وإفادة بنك السودان المركزي بشهادة الإيداع تتضمن رقم إستمارة الصادر.
ب. إستيفاء شهادة المواصفات والمقاييس.
ج. تسليم الضمان العينى المشار إليه في (ثالثا-9/أ) أعلاه لبنك السودان المركزي لإتخاذ الإجراءات اللازمة وذلك في حالة فشل العميل في إرجاع الذهب المصدر بغرض التصنيع والإعادة خلال فترة شهر.
رابعاً / ضوابط عامة:
يلتزم المصدر بكافة الضوابط الصادرة من الجهات الإشرافية والرقابية المختصة كهيئة المواصفات والمقاييس، هيئة الجمارك، وزارة التجارة والتموين، وزارة المعادن وشركة مصفاة السودان للذهب.
يكون الحد الأدنى لإعتماد عقد صادر الذهب عشرة كيلو جرام بالنسبة للذهب المصفى، أو ما يعادل عشرة كيلو جرام من الوزن الصافي للذهب بالنسبة للذهب المصدر خام وذلك حسب شهادة الفحص والتحليل الصادرة من الهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس.
يُحظر تصدير الذهب بواسطة الجهات الحكومية، والأجانب أفراداً و/أو شركات (عدا شركات الامتياز العاملة في مجال تعدين الذهب).
ينحصر دور بنك السودان المركزى في شراء الذهب بغرض بناء الإحتياطيات العينية للذهب وفقا للقانون وأن يتم الشراء من سوق الذهب مباشرةً.
على المصارف مد بنك السودان المركزي – إدارة الإحتياطيات والذهب بالإدارة العامة للأسواق المالية براجعة شهرية لصادر ذهب التعدين التقليدي وشركات مخلفات التعدين وفقاً للنموذج المعد لذلك).
بعد اقل من 3 شهور البنك يلغى منشوره :
في مارس من العام 2022 أصدر بنك السودان المركزي منشورا جديدا معنونا للمصارف والجهات ذات الصلة بشأن سياسات وشراء وتصدير شركات الامتياز وشركات التعدين الصغيرة، حظر فيه تصدير الذهب بواسطة الجهات الحكومية والأجانب أفرادا وشركات، عدا شركات الامتياز العاملة في التعدين، كما حصر منشور البنك المركزي الخاص بشراء وتصدير الذهب دور بنك السودان المركزي في شراء الذهب بغرض بناء الاحتياطيات فقط. وألغى المنشور منشورات سابقة وأصدر توجيهات بالعمل الجديد.
واشترط المنشور في حال تصدير الذهب الحر الدفع المقدم فقط وفقًا لأسعار البورصة العالمية، وشيك ضمان بالقيمة المراد تصديرها، فضلاً عن تعهد معتمد من شعبة مصدري الذهب موقع بتوقيعين على الأقل من جملة التوقيعات المعتمدة، وفي حال عدم ذلك يتم التصدير بعد تقديم خطاب ضمان بالقيمة المراد تصديرها، وشدد على ضرورة إخطار إدارة النقد الأجنبي ببنك السودان في حال فشل العميل في إعادة ذهب التصنيع خلال فترة شهر، وذلك لاتخاذ الإجراءات اللازمة . وأكد على الاحتفاظ بحصيلة الصادر في حسابات البنوك لفترة أقصاها 21 يومًا وفي حالة تجاوز الفترة يتم شراؤها لصالح بنك السودان بالسعر المعلن.
وسمح المنشور لشركات الامتياز بتصدير 70% من المتبقي للإنتاج بعد خصم أنصبة الحكومة من الزكاة والعوائد الجليلة وأرباح الأعمال عينًا، على أن يتم الاحتفاظ بالحصيلة بحساباتها داخل أو خارج السودان لاستخدامها وفق ما نصت عليه الاتفاقيات الموقعة، وبيع الـ30% المتبقية لبنك السودان أو من يفوضه.
فيما سمح المنشور لشركات التعدين الصغيرة بتصدير نسبة 15% من المتبقي من الإنتاج بعد تحصيل أنصبة الحكومة عينا من الإنتاج الكلي، على أن يتم الاحتفاظ بالحصيلة في حساب خاص بالشركات لدى بنك السودان لاستخدامها في الأغراض المحددة، وسمح ببيع الحصيلة لصالح بنك السودان بسعر صرفه المعلن، وبيع نسبة ال85 % المتبقية لبنك السودان أو من يفوضه، وسمح لصاحب الحصيلة باستخدامها في الاستيراد على أساس 70% منها للسلع الاستراتيجية و30% للسلع الضرورية.
فى 11 يونيو من العام 2023م عنون بنك السودان اخر منشور بخصوص تصدير وشراء ذهب شركات الإمتياز والتعدين الصغير.
والذي يأتي في إطار تنظيم عمليات تصدير وشراء الذهب الخاص بشركات الامتياز والتعدين الصغيرفقد تقرر تجميد العمل بالشرط الخاص بتصفية الذهب بمصفاة السودان للذهب عند التصدير وسمح للمصارف بتنفيذ عمليات صادر خام الذهب لشركات الامتياز وشركات التعدين الصغير عبر استيفاء الشروط الواردة في منشور مارس 2022 باستثناء شرط تصفيته في مصفاة السودان للذهب الواردة بالفقرة ثانيا من المنشوروالحصول على شهادة الهيئه السودانيه للمواصفات والمقاييس، وشهادة موافقة للتصدير من وزارة المعادن على ان يتم تنفيذ عمليات مشتريات بنك السودان المركزي من الذهب بواسطة فروعه العامله او من يفوضه بدلا عن مصفاة السودان للذهب وفقا تحديد العيار من قبل الهيئة السودانيه للمواصفات والمقاييس وتحديد الاوزان عن طريق اللجنة المكونة بواسطة الشركة السودانية للموارد المعدنية بالولايات والمختصة باستلام ذهب الشركات وتقديم مستند لبنك السودان المركزي يفيد بأن أنصبة الحكومة من زكاة وعوائد جليلة ونصيب الحكومة في ارباح اعمال شركات التعدين قد تم خصمها عيناً من قبل الشركة السودانية للموارد المعدنية.
منشورات تقنن وتوطد تجارة العملة :
ولكن الاقتصادي نائب محافظ البنك المركزي السابق فاروق كمبرسي يقول: إن منشورات بنك السودان توطّد تجارة العملة بشكل أكبر، وتقنّن علاقة الذهب بتجارة العملة، ويرى انها سياسات كارثية في شكل ضوابط لشراء وتصدير الذهب وهي “كوبي & بيست” لسياسات النظام البائد. بالإضافة أن ما ورد بالمنشور الاخير لا يختلف كثيراً عن المنشورات الصادرة حتى يناير 2020 وخاصة المنشور رقم (5/2020) عدا الفقرة رابعاً التي احتوت على عدم السماح للجهات المصرح لها بتصدير الذهب إلا بعد تصفيته بمصفاة الخرطوم للذهب.
أما من الناحية الفنية والحديث لكمبرسي يسمح المنشور بتصدير الذهب بجميع أشكاله خام أو مصفى ولذا فإن طريقة تصدير الذهب الخام تزيد من عملية هدر الموارد، وبالتالي عندما تتم التصفية والمعايرة لطن الذهب الخام لعيار 21 في دبي، سيكون البيع بالصافي فقط وهو في حدود 875 كليو جرام بدلاً من واحد طن (1000 كيلو جرام اي واحد طن) وبالتالي نفقد ما نسبته 12.5% من كل واحد طن. وهنا نقصد الذهب الحر (الذهب المنتج بواسطة المعدنيين الأهليين).
لا يتسق ما ورد المنشور مع رؤية الحكومة حيث التوجه من تصدير السلع الخام الأولية إلى التصنيع لتحقيق القيمة المضافة. وتصدير الذهب الخام يحرم الوطن من عائد دولاري كبير جداً من المنتجات الجانبية. الناتجة عن عملية التصفية مثل الفضة
تجدر الاشارة إلى أن تصدير الذهب خام استفادت من شركة “الكالوتي” في الامارات بشكل خرافي منذ 2011م وحتى وقت قريب وهي الشركة التي ييبع لها البنك المركزي بصورة حصرية في العهد البائد!!!! والمنشور سيجعل الشركة تحتفل من جديد كما يقول نائب المحافظ السابق. وربط تصدير الذهب الحر (ذهب المعدنيين الأهليين) بعملية الأوزان والمعايرة من قبل الهيئة العامة للمواصفات والمقاييس.
ويقول: هذا أخطر بند تغاضى عنه المنشور بهدف خدمة أجندة تضارب المصالح لأن المعايرة وفق هيئة المواصفات تتسم بإشكالات جسيمة ويؤثر ذلك بشكل مباشر على احتساب حصائل الصادر والعائد المتوقع منها حيث يتم التلاعب بالعيار المطلوب، وهنا تتم عملية التلاعب بفواتير الصادر حيث يتم تسجيل كميات أقل من الذي يجب تصديره فعلاً عبر المطار بعد أخذ موافقة بنك السودان المركزي وتسمح عمليات التلاعب هذه بالسماح للمصدرين المحتملين من شركات القطاع الخاص، وشركات القطاع الخاص (التابعة للمؤسسة العسكرية)، بالاحتفاظ بجزء كبير من حصائلهم بالخارج، حيث أن السعر الرسمي سيكون غير مجزياً لأن التنافس على شراء الذهب الحر سوف يرفع سعر الجرام للنطاق الأعلى (مع العلم حتى لو المضاربة لا سمح الله رفعت سعر الجرام لمستوى أعلى من السعر العالمي فإن هناك شركات مستعدة للشراء لتتخلص من سيولتها الضخمة بالعملة المحلية، وتحول أرباحها للخارج)
(نظراً للفرق الجوهري بين تحليل المواصفات والمقاييس لدينا وتحليل المواصفات بدبي فإن ذلك يعني لا يتم قبول تحليل مواصفاتنا في دبي وغيرها من الأسواق).
وفيما يتعلق بحصيلة الصادر من الذهب الحر وذهب مخلفات شركات التعدين يرى فاروق كمبرسي ان المنشور كرر سياسة قديمة تقريباً من 2011-2012 وهي السماح للمصدرين بيع حصائلهم لعميل مستورد آخر أو عميل في مصرف آخر خلاف المصرف الذي يتعامل معه، أو للبنك هذا سوف يؤدي لبيع الحصيلة في شكل مزاد وتفاوض وسمسرة (يقودها للأسف بعض النافذين في المصارف العاملة ودورهم في توفير المعلومات لإيجاد مستورد يقابل صاحب الحصيلة) وبسعر يفوق سعر السوق الموازي نتيجة العمولات (أي تلك الحرية في التصرف في الحصيلة سوف تفرز سعر أعلى من السائد في السوق الموازي).
واضاف ربما تكلفة الحصول على الذهب الحر بعد فتح مجال المنافسة للجميع هو ربما يرفع سعر الجرام كما أسلفنا وسيعوض المصدرين ذلك بالحصول على مزيد من الجنيهات مقابل الدولار.
اما السماح بتصدير الذهب الخام، لا يتسق وقرارضرورة إنشاء بورصة للذهب والمعادن في السودان تجدر الاشارة إلى أن الخطورة في عدم قيام البورصة وتوقف المصفاة، أن يتم توظيف رأس المال الأجنبي الممنوع وفق المنشور من تقديم نفسه بواجهات سودانية في شكل شركات وهمية بأسماء سودانية على غرار الاجانب في أسواق المحاصيل وغيرها، وهنا سوف يشتعل السوق الموازي كثيراً بين تجارة الذهب والعملات الأجنبية.
واشار كمبرسي الى نقطة إيجابية وهي مهمة أن المنشور أعطى الحق لبنك السودان المركزي في شراء الذهب فقط من أجل بناء احتياطيات عينية، وفق قانون بنك السودان المركزي. وهنا لابد من السؤال لماذا نصدر الذهب؟ فمن الأوجب بناء احتياطيات من الذهب (يمكننا مبادلتها مع البنوك المركزية مستقبلاً للحصول على العملة الأجنبية المطلوبة).
سياسات تتسم بعدم الثبات:
ويقول الاقتصادي مجدى محمد ياسين لـ”سودان تايمز” إن سياسات بنك السودان المركزي في شراء الذهب تتسم تاريخياً بعدم الثبات. وأكد أن عدم القدرة على اتخاذ القرار إحدى مشكلات المركزي، مما أدى إلى عدم وجود ثقة بين البنك والمنتجين، ما أحدث خللاً ساهم في زيادة عمليات التهريب، مؤكداً أن المركزي غير قادر على تقييم سعر الذهب بطريقة علمية دقيقة. وشدّد على أهمية وجود توافق وتوازن بين سعر الصرف وسعر العملات العالمية فضلاً عن توازن بين سعر الذهب المحلي والسعر العالمي وقال: إن المركزي يعتمد السياسة الفرعية التي لا تتماشى أحيانًا مع السياسة النقدية الكلية، وطالب بضرورة مراجعتها وأن تخضع لدراسة مختصين وخبراء.
مراجعة حسابات المعدن الاصفر بالبنك المركزي:
غرفة مصدري الذهب طالبت بالإسراع في مراجعة حسابات المعدن الأصفر ببنك السودان، ودفعت بمذكرة تطالب بخروج جميع الشركات الحكومية والأمنية من النشاطات المتعلقة بالقطاع وأن يترك لاتحاد مصدري الذهب تنظيم تجارته بالأسعار العالمية الحرة وفقا للبورصة العالمية.
وأشارت مذكرة غرفة الذهب التي دفعت بها الجهات المختصة إلى وجود فئة انتهازية لا هم لها إلا الثراء بمعاونة بنك السودان حيث تم تكوين لجنة من مجموعة من الانتهازيين بدأوا يسعرون الذهب لمصلحتهم الشخصية وبأسعار خيالية تعمل تلقائيا على رفع سعر الدولار مقابل الجنيه ،هذا الامر دعا رئيس شعبة مصدري الذهب عبد المنعم الصديق، الى توجيه اتهام صريح لشركات حكومية تعمل على تهريب الذهب لمصلحة أفراد. وقال هناك شركتان “لم يسمهما” تعملان على تخريب الاقتصاد السوداني، مطالباً بحلهما ومراجعة حساباتهما والتحقيق مع المتورطين في هذا الأمر. ودعا إلى حل جميع الشركات الحكومية السابقة ومحاسبتها على الضرر الذي أصاب البلاد.
ويرى الصديق في حديثه لـ”سودان تايمز” أن الذهب يمكنه تحقيق إيرادات بقيمة 4 مليارات دولار سنويا استنادا إلى الأرقام التي أوردتها وزارة المعادن بأن الإنتاج السنوي يبلغ 100 طن، ولكنه تأسف للوضع الحالي في ظل وجود شركات حكومية تسيطر على الذهب وتتلاعب في معاملاته، ما قلل من نسبة الصادرات إلى 20 طنا فقط.
وقال رئيس شعبة مصدّري الذهب عبد المنعم الصديق: إن شركات أمنية تابعة للنظام السابق وأخرى حكومية وأخرى تعمل تحت غطاء شركات حكومية محمية، تعمل في بيع الذهب إلى دبي وتوزع العائد على تجار العملة من دون علم بنك السودان المركزي.
وأكد الصديق “عدم وجود سياسات واضحة للبنك المركزي، وإن وجدت فإنها تعمل لمصلحة أشخاص وشركات تعد من أكبر المعوقات أمام تصدير الذهب وقال: لا تزال هناك مجموعة تعمل داخل بنك السودان لا تريد للاقتصاد السوداني التطور، مضيفاً لا تزال الدولة العميقة تتمدد، وهذا وضع خطير وما يحدث داخل بنك السودان يؤدي إلى تدهور قيمة الجنيه، وبالتالي لا بد من سياسية سريعة تحمي الوضع الحالي.
ارتفاع صادرات الذهب :
في ذات العام وتلك الفترة التي اصدر فيها بنك السودان المركزي منشوره الاخير للعام 2022م في مارس اعلن بنك السودان المركزي ارتفاع صادر السودان من الذهب في النصف الأول من العام 2022م إلى 1,315.0 مليار دولار، مقارنة بـ1,014,1 مليار دولار في النصف الأول من العام 2021م.
وأوضح تقرير بنك السودان المركزي نصف السنوي أن حجم الزيادة في الصادر بلغت 300 مليون دولار، مقارنة بالعام 2021.
فيما كشفت إحصائيات عن مبيعات الذهب عبر بنك السودان في الفترة من ٢٠١٥-٢٠٢١ بلغت أكثر ١٣ مليون دولار، وفي يوليو ٢٠٢١-٢٠٢ بلغت أكثر من ١٤٠ مليون دولار، وفي مارس- مايو بلغت المبيعات عبر بنك السودان أكثر من36 مليون دولار.
ولكن الخبير المصرفي توفيق الزين يقول لـ”سودان تيامز” :ليس بصادر الذهب وحده يحيا الاقتصاد السوداني فقد كان صادر الذهب بواسطة بنك السودان في أقصاه مبلغ 2.1 مليار دولار في عام 2012م وبعدها أستمر ليكون في المتوسط حوالي مليار دولار حتى 2019م. وبالتالي عائد الذهب سيكون (بندق في بحر) فقط عقب السياسات التي انتقت من حق هذا المعدن كثيرا والتدخلات التي تحدث بين الفينة والاخرى من متنفذين يعملون “للاسف” لمصلحتهم الشخصية ولا يراعون المصلحة العامة واضاف كيف لا تنتقص المبيعات عبر البنك وكيف لاتنتشر الفوضي في هذا المعدن وزاد انا لا ارمى اللوم على مهربي الذهب ولكن من يضع السياسة ومن لاينفذ القانون هو المسؤول الاول عنها.
شركات تتجاوز قواعد المركزي:
ويقول مختصون في قطاع الذهب ان هنالك شركات في السابق تتجاوز قواعد البنك المركزى في عمليات صادر الذهب، حيث نشرت وكالة “رويترز” في حقبة سابقة ان “مجموعة الجنيد” المملوكة للدعم السريع كانت تتجاوز قواعد البنك المركزى السوداني المنظمة لتصدير الذهب وفى احيان اخرى كانت تبيعه للبنك المركزي نفسه بسعر تفضيلي، وفي نفس الاطار نشر خطاب معنون من مجلس السيادة الى البنك المركزى السماح لشركة الجنيد بتصدير 250 كيلو ذهب، الا ان المدير العام لشركة الجنيد عبد الرحمن البكرى في حوار نشرته صحف محلية نفى ذلك وقال: نحن أطلعنا في السويشال ميديا على هذا الخطاب، ولكن لم نعلق عليه لأنه كانت به أخطاء لا تفوت على فطنة القارئ، فالذي فبرك ذلك الخطاب لم يكن حريفاً.
(15) طن ذهب
بنك السودان المركزي نافيا صحة ما تناولته وسائط التواصل بخصوص شركة الجنيد واشار محافظ بنك السودان المركزي البروفيسور بدرالدين عبدالرحيم إبراهيم في تصريح (لسونا) إلى تداول خطاب مزيف في بعض وسائط التواصل يوضح بصدور توجيه من مجلس السيادة الانتقالي معنون للبنك المركزى للسماح لشركة الجنيد للأنشطة المتعددة بتصدير 250 كيلو ذهب عبر مطار الخرطوم وأضاف أنه بالاستناد إلى استقلالية بنك السودان المركزي ننفي نفيا قاطعا تسلمنا لأي خطاب أو توجيه في هذا الشأن، ونوه إلى عدم صحة ما ورد في الخطاب المشار إليه والذي استخدمت فيه خدعة (الفوتوشوب) بغرض ايهام وتضليل القارئ. وقال مردفا نعول علي فطنه الجمهور في كشف مثل هذه الممارسات.
إنتاج الذهب زاد في الربع الأول من العام الحالي رغم استمرار الحرب، حيث تجاوز (15) طن ذهب مقارنة بـ(7.9) طن من نفس الفترة في العام 2023م.
ويبدو ان الشركة السودانية للموارد المعدنية تعمل وبنك السودان المركزى في تناغم تام دون وجود عقبات حيث يرى المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية، محمد طاهر عمر، أن الوضع الطبيعي هو أن يشتري بنك السودان الذهب ويُصدِّره، لكن نسبة للظروف المعلومة في البلاد، قد لا يتمكّن من القيام بالعملية بالصورة المطلوبة، وهذا الفراغ يملأه التجار.
يقول : تم تصدير (11) طناً و(222) كيلو ذهب من جملة (15) طناً عبر الشركات، وأن الفاقد قليل جداً من الذهب المهرب، مشيراً إلى أن الحصيلة الدولارية منذ منتصف نوفمبر 2023م إلى نهاية أبريل الماضي بلغت (637) مليون دولار.
نتابع في الجزء الثانى :
ما الذى يقوله مصرفيون واقتصاديون عن سياسة المركزي بشان الذهب؟
اين موقع المعدن التقليدى والشركات من سياسة شراء الذهب؟
من يدافع عن سياسة بنك السودان ومن يخالفها الرأي.. هل من مسببات!!
البنك المركزى يعترف …. هؤلاء “…..” واولئك تقع عليهم المسؤولية..