معهد أمريكي : فرصة ذهبية أمام الحكومة الجديدة بالسودان
تساءل تقرير حديث بمعهد السلام الأمريكي عن أهمية تشكيل مجلس الوزراء السوداني الجديد، وما يعنيه بالنسبة للانتقال السياسي بالسودان، معتبرا أن لدى مجلس الوزراء فرصة ذهبية لبناء التوافق السياسي ومعالجة هموم المواطنين، داعيا الوزراء الجدد الى الارتقاء الى مستوى الحدث، ومناقشة أجندة تضع الاصلاحات الاقتصادية واحتياجات المواطنين على رأس أولوياتها.
مكاسب متوقعة:
يقول الباحث جوزيف تاكر كبير الباحثين بمعهد السلام لمنطقة القرن الإفريقي إن إعلان مجلس الوزراء الجديد في الخرطوم في الثامن من فبراير الحالي والذي جاء استكمالا لمخرجات اتفاق سلام وقعته الحكومة الانتقالية مع العديد من الجماعات المسلحة في أكتوبر من العام 2020 بوساطة دولة جنوب السودان، كان باعثا للأمل في أن إشراك القادة السياسيين على نطاق أوسع يمكنه التقليل من تحديات السودان الملحة وتحقيق مكاسب السلام.
الا أنه لسوء الحظ، كشفت العملية المطولة لاختيار أعضاء مجلس الوزراء الجدد – وفقا للتقرير- عن انقسامات إضافية بين الموقعين على اتفاق السلام والعناصر السياسية المدنية التي يبدو أنها تقدم رؤى متنافسة للانتقال السياسي وما بعده.
التشكيل الوزاري:
تم الإعلان عن 25 وزيراً في التشكيل الوزاري الجديد تم استبدال جميع الوزراء باستثناء خمسة. أربعة حقائب وزارية فقط كانت من نصيب النساء. ينتمي وزيرا الدفاع والداخلية إلى قطاع الأمن كما تم الاتفاق عليه سابقاً بين الفصائل الحكومية المدنية والعسكرية. فيما ذهبت بعض المناصب إلى قيادات سياسية وحزبية – على سبيل المثال، تم تعيين جبريل إبراهيم من حركة العدل والمساواة في دارفور وزيراً للمالية ومريم صادق المهدي من حزب الأمة وزيرة للخارجية الجديدة.
تحديات سياسية:
بالإضافة إلى ممثلين عن مجموعات من أطراف السودان، مثل دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق والشرق ومناطق أخرى، يقدم مجلس الوزراء المعاد تشكيله قادة جددًا من تحالف قوى الحرية والتغيير المتعدد الكيانات والهش. فقد جمعت قوى الحرية والتغيير الجماعات السياسية والمدنية حول ثورة 2019 التي أدت إلى الإطاحة بالنظام السابق وتوصلت إلى اتفاق مع الجيش السوداني لحكم الفترة الانتقالية. يدير أعضاء تحالف قوى الحرية والتغيير الطيف السياسي من اليساريين والقادة المدنيين والعماليين إلى جانب الأحزاب الطائفية المحافظة.
ويشير التقرير الى أنه على الرغم من أن هذا التنوع مثير للإعجاب، فقد أدى في بعض الأحيان إلى صعوبات في تشكيل آليات صنع القرار والتوصل إلى توافق بين أعضاء التحالف. معتبرا أن هذا يمكن أن يكون سببا جزئيًا للصراع بين قوى الحرية والتغيير حول صياغة رؤية موحدة لعملية الانتقال.
بناء الثقة:
يرى الكاتب أنه بالنسبة لأولئك الوزراء الذين يمثلون الحركات المسلحة، سيكون من المهم بناء الثقة مع المواطنين الذين قد ينظرون إليهم على أنهم أقرب إلى العناصر الأمنية في السودان من ثوار الشوارع المسلمين الذين أنهوا قبضة البشير على السلطة. وتتمثل إحدى طرق تحقيق ذلك في أن يبدأ مجلس الوزراء في تنفيذ اتفاق السلام الذي تم التوصل اليه في أكتوبر 2020 والتأكد من فهم العامة للتأثير الوطني للاتفاقية.
وينبه الكاتب الى أن تنفيذ الاتفاقية، وإدارة الحكومة والاستمرار في إصلاح الوزارات التي سيشرف عليها الوزراء الجدد، تعتبر مهمة صعبة. الا أن التنسيق الفعال بين الوزارات – ربما عن طريق وزارة شؤون مجلس الوزراء – اضافة الى شفافية صنع القرار يمكن أن يساعد في تسهيل المهمة.
تقاسم السلطة:
ويشير التقرير الى أن العديد من السودانيين يتذكرون، ولأسباب مفهومة، اتفاقيات السلام السابقة التي تركزت حول تقاسم النخبة للسلطة. وتركيز العديد من المسؤولين – بمجرد توليهم مناصب وزارية – على التجارة وتكديس الثروة أكثر من تركيزهم على مسئوليات المنصب. مشددا على أن الحكم المسؤول من قبل مجلس الوزراء الجديد قد يؤدي إلى زيادة ثقة العامة في القيادات الجديدة ويمكن أن يخلق بيئة أكثر استقرارًا للانتخابات المخطط لها في نهاية الفترة الانتقالية.
قرارات عاجلة:
وبحسب التقرير فإنه بعد التوصل إلى توافق في الآراء بشأن التمثيل السياسي، سيتعين على الحكومة الجديدة أن تظهر بسرعة أن تحالفها الواسع للقوى يمكنه العمل بشكل وثيق مع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك لمعالجة القضايا الرئيسية. ومن المهم أيضًا بحسب التقرير أن يحظى مجلس الوزراء بدعم قوي من حمدوك والمسؤولين الرئيسيين في مكتبه لاتخاذ قرارات شجاعة عند الحاجة.
وسلط التقرير الضوء على بعض القضايا الرئيسية بما في ذلك توحيد أسعار الصرف ومواصلة إصلاح الدعم؛ الانخراط مع القادة العسكريين لبدء إصلاح قطاع الأمن الذي يعطي الأولوية لأمن المواطن؛ إعادة تنشيط المفاوضات من أجل سلام أكثر شمولاً يشمل حركات مسلحة مهمة من جنوب كردفان ودارفور؛ التركيز على المطالب المشروعة المتعلقة بالعدالة الانتقالية والمساءلة؛ ووضع الخطوط العريضة للسياسة الخارجية التي تنزع فتيل التوترات الإقليمية – خاصة مع إثيوبيا فيما يتعلق بالحدود والمفاوضات الجارية بشأن سد النهضة- وإعادة تقييم علاقة السودان بمصر والإمارات العربية المتحدة ودول الخليج الأخرى.
ويمكن لمجلس الوزراء أن يفعل الكثير لمعالجة هذه القضايا بمفرده، لكنه سيحتاج أيضًا إلى العمل عليها مع مجلس السيادة، ونبه التقرير الى أنه يجب على الوزراء أيضًا الضغط من أجل إنشاء لجان حكومية بارزة، فضلاً عن مؤسسات مثل المجلس التشريعي الانتقالي الذي طال انتظاره. فالمشاركة القوية بين مجلس الوزراء وهذه الهيئة يمكن أن تحسن سبل الرقابة الحكومية وثقة الجمهور في كلا المؤسستين.
تغيير تاريخي:
ويرى الكاتب أنه خلال حقبة حزب المؤتمر الوطني، كان يُنظر إلى الفاعلين في الأحزاب السياسية والحركات المسلحة المعينين في الوزارات على أنهم بلا سلطة. الا انه حاليا، يبدو العكس. حيث يمثل الوزراء الحاليون عدة مصادر للسلطة ويمكن للبعض حشد الجماهير لتأييد القرارات أو رفضها. وسيكون من الضروري لهؤلاء الوزراء التأكيد على أنهم يمثلون بشكل جماعي المشهد المتنوع للمجموعات السياسية والجغرافية والاجتماعية السودانية. والأهم من ذلك، يجب أن يؤكدوا من خلال العمل، وليس الخطابة فقط، أن مثل هذا التنوع يمكن تسخيره لمعالجة الأسباب الجذرية للصراعات في السودان.
ويشدد تقرير معهد السلام على أنه إذا تمكنت الحكومة الجديدة من الارتقاء إلى مستوى الحدث، فلديها فرصة ذهبية لتصبح نموذجًا لبناء الإجماع السياسي واتخاذ القرارات العادلة في السودان. في حين تم اختيار الوزراء السابقين في مجلس الوزراء بسبب قدراتهم التكنوقراطية ومواقفهم التي تبدو غير سياسية بحسب التقرير، يمكن القول إن هذه الحكومة الجديدة هي واحدة من أكثر الهيئات الحاكمة تسييساً في تاريخ السودان.
ويشير التقرير إلى أنه غالبًا ما اتهمت الأحزاب السياسية والحركات المسلحة طوال تاريخ السودان عقب الاستقلال، بأنها لا تمثل بالضرورة مصالح المجتمعات التي يزعمون أنهم يتحدثون باسمها. لافتا الى أنه إذا تمكن مجلس الوزراء من الاتفاق على أجندة تعطي الأولوية لاحتياجات المواطنين، فيمكن أن يؤدي ذلك إلى بناء الثقة في مثل هذه المجموعات ويخفف من الجوانب السلبية المحتملة للسياسة في الحكومة.
ويرى كاتب التقرير أن هنالك نقاطا مهمة يجب الوقوف عليها، فالإعلان الدستوري – الاتفاق التأسيسي للانتقال- ينص على منع الوزراء من الترشح في الانتخابات المخطط لها في نهاية الفترة الانتقالية. ومع ذلك، تم التفاوض على جزء من اتفاق السلام في أكتوبر 2020 للسماح للوزراء الذين يمثلون الموقعين على الاتفاقية بخوض الانتخابات. وأعرب الكاتب عن أمله في أن يتم توفير مساحة لالتقاط الأنفاس للتركيز على الأولويات العاجلة لعملية الانتقال وإصلاح النسيج الاجتماعي الممزق في السودان.