الكشف عن قرب انطلاق الجولة الاولى من المحادثات السودانية

سياق التحركات الدولية الرامية إلى إرساء هدنة إنسانية في السودان تمهيداً لوقف إطلاق النار، كشف مصدر مسؤول في جامعة الدول العربية عن قرب انطلاق جولة أولى من المحادثات السودانية، برعاية مشتركة من الاتحاد الأفريقي، والجامعة العربية، والأمم المتحدة، ومنظمة الإيقاد. وتهدف هذه الجولة إلى توسيع دائرة التفاهم بين الأطراف السودانية حول آليات دفع عملية السلام، في ظل استمرار النزاع المسلح منذ منتصف أبريل 2023.
وبحسب ما أفاد به المصدر لصحيفة «الشرق الأوسط»، فإن المحادثات ستُعقد في مقر الاتحاد الأفريقي بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وستشمل ممثلين عن الكتلة الديمقراطية، وتجمع صمود، إلى جانب عدد من الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني السوداني. وتُعد هذه الجولة أولى المحادثات التي تُعقد تحت مظلة عربية–أفريقية–دولية مشتركة منذ اندلاع الحرب، ما يعكس تحولاً في طبيعة الرعاية السياسية للملف السوداني، ويعزز فرص التوصل إلى تفاهمات أوسع بين القوى المدنية والمجتمعية.
مبادرة أبو الغيط لتنسيق الجهود الدولية
في يونيو 2024، أطلق الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، مبادرة تهدف إلى تنسيق الجهود بين المنظمات والدول المعنية بملف السودان، في محاولة لتوحيد المسارات السياسية المتعددة التي تسعى إلى إنهاء الحرب. وقد أعقب هذه المبادرة سلسلة من الاجتماعات التنسيقية في عدد من العواصم العربية والأفريقية، إضافة إلى لقاءات في مقر الاتحاد الأوروبي، هدفت إلى بناء أرضية مشتركة بين الأطراف الدولية الفاعلة.
وخلال القمة العربية التي عُقدت في بغداد في مايو الماضي، عقد أبو الغيط اجتماعاً ثلاثياً ضم السكرتير العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، محمود يوسف، حيث ناقشوا خطوات تنسيقية مشتركة لاستعادة السلام في السودان. هذا اللقاء عكس رغبة واضحة في تجاوز التباينات بين المبادرات المختلفة، وتوحيد الجهود نحو مسار تفاوضي أكثر فاعلية وشمولاً.
تباين الرؤى الدولية حول الحل السياسي
السفير صلاح حليمة، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، وصف الحديث عن التنسيق الدولي بأنه “قديم متجدد”، مشيراً إلى أن كل طرف دولي يمتلك رؤية مختلفة للحل في السودان. ورغم هذا التباين، أكد وجود حد أدنى من التوافق بين الجهات الدولية حول سبل إنهاء النزاع، وهو ما يفتح المجال أمام بناء أرضية مشتركة للحوار.
وفي تصريحاته لـ«الشرق الأوسط»، شدد حليمة على أن المنظمات الدولية يمكن أن تلعب دوراً مراقباً وميسراً للحوار، لكنها لا يجب أن تتدخل في جوهر العملية التفاوضية، التي ينبغي أن تكون سودانية–سودانية خالصة. هذا الموقف يتماشى مع ما ورد في بيان الرباعية الدولية، الذي أكد على ضرورة أن تكون عملية السلام نابعة من الداخل السوداني، دون فرض حلول خارجية.
هدنة إنسانية تمهيداً لوقف دائم لإطلاق النار
في بيان مشترك صدر مساء الجمعة، دعت الرباعية الدولية، التي تضم المملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات العربية المتحدة، والولايات المتحدة، إلى هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر في السودان، تعقبها عملية وقف دائم لإطلاق النار، تمهيداً لمرحلة انتقالية تقود إلى حكم مدني خلال تسعة أشهر.
وأكدت الدول الأربع أن النزاع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع تسبب في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية على مستوى العالم، ويمثل تهديداً مباشراً للسلام والأمن الإقليميين. وشدد البيان على أن الحل العسكري غير ممكن، وأن استمرار الوضع الراهن يزيد من معاناة المدنيين ويضاعف المخاطر على استقرار المنطقة. كما شددت الرباعية على أن مستقبل السودان يجب أن يُحدد من خلال عملية انتقالية شاملة وشفافة، لا تخضع لهيمنة أي طرف مسلح.
دعوة لوقف الدعم العسكري الخارجي
البيان المشترك، الذي جاء عقب مشاورات بين وزراء خارجية الدول الأربع بدعوة من واشنطن، دعا جميع الأطراف السودانية إلى تسهيل وصول المساعدات الإنسانية بشكل آمن وسريع عبر جميع الطرق المتاحة، مع ضرورة حماية المدنيين ووقف الهجمات العشوائية على البنية التحتية. كما طالب بوقف جميع أشكال الدعم العسكري الخارجي للأطراف المتحاربة، معتبراً أن هذا الدعم يشكل عاملاً رئيسياً في إطالة أمد الحرب وزعزعة استقرار المنطقة.
وتعهدت الدول الأربع باستخدام كافة الوسائل لدعم تسوية سياسية تشمل القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، مع ممارسة الضغط لضمان حماية المدنيين وتأمين وصول الإغاثة. كما شددت على أهمية التصدي لتهديدات الجماعات المتشددة العابرة للحدود، وضمان أمن البحر الأحمر كجزء من الاستقرار الإقليمي.
تحذير من دور الجماعات المتطرفة المرتبطة بالإخوان
الوزراء المشاركون في البيان حذروا من أن مستقبل السودان لا يمكن أن يُترك لتقرره جماعات متطرفة عنيفة، ترتبط بجماعة الإخوان المسلمين، مشيرين إلى دور هذه الجماعات في تأجيج العنف وزعزعة الاستقرار داخل السودان والمنطقة. وأكدوا التزامهم بالعمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لدفع عملية التسوية السلمية، بما في ذلك عبر مفاوضات جدة التي تقودها السعودية والولايات المتحدة، ومؤتمر القوى المدنية والسياسية السودانية الذي ترعاه مصر.
واتفق الوزراء على مواصلة مشاوراتهم من خلال اجتماع رباعي جديد على مستوى وزراء الخارجية، يُعقد لاحقاً هذا الشهر، لمتابعة تنفيذ الخطوات المتفق عليها.
مصر تؤكد دعمها لوحدة السودان
وزارة الخارجية المصرية أصدرت بياناً رسمياً يوم السبت، أكدت فيه أن مشاركة مصر في المبادرة الرباعية تأتي في إطار حرصها على إنهاء الحرب وضمان وحدة السودان وسلامته الإقليمية. وأوضحت أن البيان المشترك جاء بعد مشاورات مكثفة بين الدول الأربع استمرت لعدة أسابيع، ضمن جهود الرباعية الدولية لإنهاء النزاع ورفع المعاناة عن الشعب السوداني.
وشددت مصر على أن موقفها ينبع من دعمها الراسخ لوحدة السودان وسيادته، وصون مؤسساته الوطنية، وتسريع استعادة الأمن والاستقرار بما يسمح بعودة النازحين إلى ديارهم واستئناف حياتهم الطبيعية، مع الحفاظ على مقدرات الدولة السودانية.
كما أشارت الخارجية المصرية إلى توافق الوزراء على التعاون مع جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي لتحقيق هذه الأهداف، إلى جانب مواصلة الاجتماعات على المستويين الوزاري ودون الوزاري لدعم جهود وقف الحرب، بما في ذلك عقد اجتماع وزاري على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك خلال سبتمبر الجاري.
الحرب السودانية تدخل عامها الثالث
منذ اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023 بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو «حميدتي»، يعيش السودان واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في تاريخه الحديث. فقد أسفرت المواجهات عن مقتل عشرات الآلاف، ونزوح ملايين المواطنين داخلياً وخارجياً، إلى جانب تفاقم الأزمة الغذائية، وتسجيل أسوأ تفشٍ للكوليرا منذ سنوات.
السفير صلاح حليمة وصف بيان الرباعية بأنه إيجابي، كونه يتناول محاور أساسية تتعلق بالأمن والسياسة والوضع العسكري والإنساني، رغم أنه أغفل جانب إعادة الإعمار. وأكد أن البيان يقترب إلى حد كبير من المبادرة المصرية التي طُرحت العام الماضي، مشدداً على أن نجاح أي مبادرة مرهون بآلية التنفيذ، وضرورة أن يجتمع السودانيون في حوار داخلي مستقل، دون تدخل خارجي، للتوافق على إنهاء الحرب وتحديد شكل السلطة الانتقالية المقبلة.