رمضان فى السودان .. التكايا ملاذ فقراء الحرب

النزاع المستمر ترك آثاراً عميقة في نفوس السودانيين خلال شهر رمضان، إذ يواجه الشارع أزمات شح السلع وغلاء الأسعار وانقطاع الخدمات، رغم عودة كثير من النازحين واللاجئين إلى مدنهم وقراهم بولايات الخرطوم والجزيرة وسنار.
وفي ظل فوضى الأسواق وتفاقم التضخم وتدهور القدرة الشرائية لجأ كثير من السودانيين إلى “التكايا”، وهي مطابخ جماعية خيرية يديرها متطوعون بدون مقابل، ويزداد نشاطها خلال شهر الصوم.
وأصبحت “البليلة” وجبة رئيسية تقدم في “التكايا”، إذ باتت هذه الوجبة البسيطة التي كانت تعتبر طبقاً ثانوياً، وجبة مهمة تقدم مرتين في اليوم لفقراء قفزت أعدادهم بسبب الحرب.
وقال متطوعون يعملون في هذه المطابخ لـ”العربي لجديد” إنه خلال رمضان يعتمد الآلاف من المواطنين على هذه المطابخ، لتوفير وجبات يومية. وأضافوا: “هذه المطابخ أصبحت ملاذاً لمن يواجهون صعوبة في الحصول على الطعام، بسبب الأوضاع الراهنة، مما يعكس مدى الحاجة الماسة للمساعدات الإنسانية في هذه الفترة الحرجة.
لا دعم للتكايا في السودان
يوضح أحمد تاج الدين، وهو متطوع في أحد المطابخ، لـ”العربي الجديد” أن العديد من الأسر المحاصرة في مناطق مختلفة من الخرطوم تواجه صعوبات كبيرة في تأمين احتياجاتها اليومية، نتيجة لنقص المواد الغذائية، وارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق. ويؤكد أن معظم الناس فقدوا وظائفهم ومصادر دخلهم منذ بداية النزاع في إبريل/ نيسان 2023، ما جعلهم يعتمدون بشكل متزايد على التحويلات المالية من أقاربهم، وبعض المساعدات الإنسانية التي تقدمها بعض الجهات الخيرية، فضلاً عن اللجوء للمطابخ الجماعية الخيرية.
ووفقاً لمتطوعين، فإنّ “التكايا” لم تتلق أي دعم أو سلع غذائية من المساعدات التي دخلت إلى البلاد، مشيرين إلى أن ملايين الأسر النازحة في مراكز الإيواء والمعسكرات بمختلف الولايات لا تزال تعاني للحصول على أبسط مقومات الحياة اليومية من غذاء ومياه شرب نظيفة.
ويشكو مواطنون استجابوا لدعوة العودة الطوعية إلى أم درمان من عمليات النهب التي ينفذها أفراد يرتدون زياً عسكرياً، فضلاً عن تدهور الخدمات مثل انقطاع الكهرباء ومياه الشرب لأسابيع طويلة، في وقت طالب فيه وزير المالية جبريل إبراهيم، بالتريث في العودة الطوعية إلى المناطق التي سيطر عليها الجيش، إلى حين معالجة بعض الخدمات.
وحذر خبراء أمميون في مجال حقوق الإنسان في وقت سابق، من أن 97% من النازحين داخلياً في السودان، إلى جانب المدنيين الذين بقوا في منازلهم، يواجهون مستويات شديدة من الجوع.
وقال الخبراء: “يجب على العالم أن ينتبه إلى أكبر مجاعة حديثة تتشكل في السودان حالياً. ندعو إلى وقف فوري لإطلاق النار، وإيجاد حل سياسي لإنهاء هذا الرعب، وتقديم المساعدة العاجلة”.
وقال مدير المكتب الإقليمي للدول العربية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، عبد الله الدردري، في تصريحات سابقة، إن السودان خسر 25% من الناتج المحلي الإجمالي خلال سنة واحدة من الحرب.
حصار خلال رمضان
يقول المواطن محمد أحمد خليفة لـ”العربي الجديد” إن تأثير الحرب أصبح واضحاً بشكل كبير على مستوى المعيشة بخاصة في شهر رمضان، نتيجة الحصار الذي تعاني منه كل المدن السودانية. يضيف: “هذا ترك أثراً بالغاً على موائد رمضان، إذ اختفت بعض الأطعمة والمشروبات التقليدية المعروفة، بسبب عدم توفر المال، وشح السلع الرمضانية في الأسواق”.
من جانبها، تقول السودانية، أم أحمد بابكر، لـ”العربي الجديد” إن تجهيز مأكولات ومشروبات رمضان لم يعد كالسابق، لأن أغلب الأسر أصبحت تعتمد على أبنائها المغتربين في الخارج وفقدوا أعمالهم. وتوضح أن أسواق سلع رمضان تكاد تختفي بسبب غياب المتسوقين، عقب غلاء الأسعار، وعدم شعور المواطنين بالأمان بسبب تواصل الحرب.
أما الموظفة سعيدة التوم فتتساءل: “هل تصدق أننا لم نصرف رواتبنا منذ أكثر من عام؟ هذا بالطبع أثر على معيشتنا إذ لا مصادر دخل أخرى”.
وفي ظل مظاهر الحياة البائسة التي يعيشها السودانيون عقب عودة كثير منهم إلى مناطقهم بالولايات المحررة، بعد سيطرة الجيش على مدنهم وقراهم، يقول إسحاق إسماعيل من مواطني ولاية الجزيرة لـ”العربي الجديد” إن الدمار الذي لحق بالبنية التحتية لا يمكن معالجته في شهور، ولذلك هنالك اجتهاد من أبناء الجزيرة الموجودين خارج السودان لحل مشكلة الكهرباء عبر الطاقة الشمسية، فضلاً عن تشغيل آبار المياه.
ويؤكد أنّ المشكلة الكبيرة التي تواجههم هي انعدام الخدمات الصحية، إذ دمرت الحرب كلّ المرافق الصحية بقرى الجزيرة.