“إيصالي” نموذج للإصلاح المالي الرقمي

“إيصالي” نموذج للإصلاح المالي الرقمي
المالية

في خطوة إصلاحية غير مسبوقة، يشهد السودان تحولًا جذريًا في إدارة المال العام عبر منظومة “إيصالي” للتحصيل والإيصال الإلكتروني، التي تهدف إلى توحيد إجراءات السداد، وتعزيز الشفافية، ورفع كفاءة الإيرادات، تنفيذًا لقرار مجلس الوزراء رقم 149 القاضي بإلغاء السداد النقدي وربط كل الإيرادات بحساب موحد باسم وزير المالية الولائي.

وبحسب الدكتور عبد المحسن أحمد محمد خير، مدير الإدارة العامة للتحصيل والسداد الإلكتروني بوزارة المالية الاتحادية، فإن المنظومة تمثل نقلة نوعية في رحلة المواطن نحو خدمة حكومية رقمية وآمنة، تعتمد كليًا على الدفع الإلكتروني، وتمنع التحصيل النقدي أو عبر الحسابات الشخصية.

تعتمد “إيصالي” على بنية مؤسسية دقيقة، حيث تُرمّز الرسوم الحكومية وتُربط بالخدمات المعتمدة في الموازنة، وتُمنع أي إعفاءات أو تخفيضات أو تقسيط خارج الأطر الرسمية، مع توثيق إلكتروني شامل لكل معاملة وربطها برقم هاتف المستفيد.

من الناحية الجغرافية، انطلق التطبيق من بورتسودان، وامتد إلى ولايات الشمالية، نهر النيل، القضارف، كسلا، الجزيرة، ويجري حاليًا التوسع نحو الخرطوم، مع توفير أجهزة طرفية تدعم التحصيل في المناطق الطرفية وتواجه تحديات ضعف الشبكات.

وعلى صعيد المقارنة، يختلف “إيصالي” عن نظام “سداد” السابق، الذي كان يتيح تعدد قنوات الدفع بما فيها النقد، ما أبقى ثغرات للتسرب المالي. أما “إيصالي” فيوحد القناة عبر الدفع الإلكتروني فقط، ويمنع التحصيل في حسابات الوحدات أو الأفراد.

أما النتائج الأولية، فقد أظهرت ارتفاعًا في الإيرادات بنسبة 25% في ولاية البحر الأحمر منذ بدء تطبيق المنظومة، إلى جانب تحسن في مطابقة الإيرادات الفعلية مع التوقعات، وتفعيل الرقابة المشتركة بين الجهات المالية والرقابية.

رغم هذه النجاحات، لا تزال المنظومة تواجه تحديات، أبرزها مقاومة التغيير من بعض المستفيدين من تعدد الحسابات، وضعف البنية الشبكية، وارتفاع كلفة الأجهزة الطرفية، إلى جانب الحاجة لتأهيل الكوادر وتحديث اللوائح.

في إطار المعالجة، تعمل اللجنة العليا للإشراف على تنفيذ خطط لإعادة تأهيل نقاط الربط، وتحسين بيئة العمل، وتطبيق حوافز وضوابط مهنية، إلى جانب إطلاق حملات إعلامية لتوعية المواطنين بآليات الدفع والاسترداد الإلكتروني.

وتتطلع المنظومة إلى استكمال الربط مع المرور والمعابر ومؤسسات الخدمات عالية الحركة، وتوسيع التكامل المصرفي، وربط الإيصالات برقم هاتف المواطن لتفعيل الإشعارات وتتبع الخدمة، بما يعزز الشفافية ويُسر الخدمة.

في الختام، تُجسد “إيصالي” نموذجًا متكاملًا للإصلاح المالي الرقمي، يجمع بين الخزانة الموحدة، الحوكمة، الرقابة الذكية، والتثقيف المجتمعي، ويؤكد القائمون عليها أن نجاحها مرهون بإرادة تنفيذية قوية، وبنية تقنية متماسكة، وشراكة مجتمعية فاعلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *