معالجة ديون السودان الخارجيه
وليد دليل
يسعى السودان لتخفيف ديونه الخارجية التي تتجاوز 50 مليار دولار
يترأس د. جبريل إبراهيم وزير المالية والتخطيط الاقتصادي وفد السودان المشارك في الإجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي للعام2024م التي تعقد خلال الفترة 21- 26 أكتوبر الجاري بواشنطن . وتركز الإجتماعات على الجلسة العامة واجتماعات لجنة التنمية ولجنة النقد الدولي واللجنة المالية
تخفيف الديون خطوة ضرورية للسودان، الذي يقع في منطقة مضطربة بين القرن الإفريقي وشمال إفريقيا، بينما يحاول التعافي من أزمة اقتصادية عميقة والعودة إلى الاقتصاد العالمي بعد عقود من العزلة.
ما حجم الديون القائمة؟
بلغ إجمالي ديون السودان 50 مليار دولار على الأقل بنهاية 2019، وفقا لصندوق النقد الدولي. ومازال البلد يعمل مع دائنيه لتسوية ديونه حتى نهاية العام الماضي، ويقول المسؤولون إن الإجمالي النهائي ربما يصل إلى 60 مليار دولار.
ونظرا لانعزال السودان عن النظام الدولي لعقود من الزمان، فإن حوالي 85 بالمئة من ديونه متأخرات – فوائد غير مدفوعة وغرامات.
في عام 1996، أطلق البنك الدولي وصندوق النقد الدولي مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون (الهيبك) كإطار لتخفيف عبء الديون للبلدان المؤهلة.
تم اعتماد مبادرة الهيبك مع الاعتراف بأن عبء الديون الخارجية الذي لا يمكن تحمله والذي تواجهه بعض أفقر البلدان هو سبب للنمو الاقتصادي البطيء والفقر المستمر.
تم تصميم البرنامج للتأكد من أن أفقر البلدان في العالم التي تفي بمتطلبات الأهلية الخاصة بمبادرة الهيبك لا تطغى عليها أعباء الديون التي لا يمكن السيطرة عليها. ويقلل من ديون البلدان المؤهلة التي تلبي معايير الإصلاح الصارمة.
يقترب السودان من مرحلة رئيسية لتسوية ما يقرب من 50 مليار دولار من ديونه الخارجية. مع مراعاة تلبية متطلبات مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون (الهيبك)،
مع إطالة أمد الحرب تتزايد الكلفة الاقتصادية بشكل كبير، قال وزير المالية السوداني جبريل ابراهيم إن ايرادات الدولة تراجعت بنحو 80 بالمئة. وتسببت الحرب في أكبر انكماش في تاريخ اقتصاد السودان إذ بلغ نحو 40 بالمئة، مع تدهور كامل في كافة القطاعات.
تعمل الحكومة السودانيه حاليًا علي مواجهة تلك الأزمة عبر اللجوء إلي مجموعة من السياسات والإجراءات تتمثل أبرزها في:
1- اللجوء لصندوق النقد الدولي:
في ظل تآكل نسبة كبيرة من الاحتياطي النقدي خلال الحرب وفي ظل محدودية أثر ونجاعة السياسات النقدية والمالية في مواجهة أزمة موارد النقد الأجنبي الحالية، تبرز القروض الخارجية كحل سريع وناجز،
وغني عن الذكر أن صندوق النقد الدولي والمؤسسات الدولية الأخرى هي أذرع الهيمنة الرأسمالية العالمية الممثلة في أمريكا وأوروبا، مما يعني أن أبواب الاقتراض من تلك الكتلة وبمبالغ مؤثرة في حجم فجوة الموارد الدولارية أصبحت من الصعوبة بمكان، لا سيما إذا أخذنا في الاعتبار المأزق الكبير الذي تعانيه اقتصادات تلك الدول التي لم تكد تقترب من التعافي من كورونا حتى عاجلتها الحرب الأوكرانية وأزمة الطاقة والتضخم، ولازالت جميعها تصارع من أجل النجاح في الخروج بأقل الخسائر
2-الاعتماد علي الودائع الخليجية:
وعلي الرغم من أن الودائع الخليجيه من كل من السعودية والإمارات وقطر و قد يسهم في حل أزمة سداد الديون السودانيه ، ولكنها تعكس من جانب أخر أن فكرة القروض لم تعد مقبولة خليجيًا وأن الودائع بلغت ذروتها، وأن المساندة من الأشقاء أصبحت مدفوعة الأجر، ليست فقط في صورة فوائد على القروض أو الودائع، بل أصبحت في صورة الاستحواذ على أصول سيادية في مقابل الودائع والديون السابقة
3-تنويع العملات الأجنبية:
اتفاقيات مبادلة العملة هي عملية تبادلية لتداول العملات المحلية الخاصة بالبلدين في عمليات تمويل التجارة والاستثمارات. على أن تكون أسعار تلك العملات محددة مسبقًا لسعر صرف يتفق عليه البلدان. دون استخدام أي عملة أخرى في تقييم سعر صرف العملة. وتدور الفكرة الأساسية لاتفاقية المبادلة على أنها عقد بين شريكين. الأول بنك الدوله في مجال التبادل التجاري والثاني البنك المركزي السوداني . وتنص الاتفاقية على مبادلة كمية معينة مقابل الجنيه بسعر صرف يُحدد ويُنص عليه في الاتفاقية.
4- بيع أصول الدولة
وعلي الرغم من أن بيع الأصول لا يلقي أية أعباء على شرائح عريضة من المواطنين، وبأن المشتري سيتمكن بمعاونة القبضة الأمنية رضاءً أو جبرًا من إسكات المتضررين من العمال. ولكن تجدر الإشارة إلى أن آلية التسعير للأصول المباعة وفق سعرها في البورصة لحظة البيع تخطى حدود البخس في الأسعار إلى حالة بيع يشوبها الكثير من الفساد والتفريط، بالإضافة إلى أن اختيار بيع الشركات عالية الربحية يعكس ورطة الاقتصاد التي جعلت المشتري يختار الشركات التي يريد شراءها، وليس الأصول التي تعرضها الحكومة للبيع ولا تجد من يشتريها، حتى ولو كانت تمس الأمن القومي بصورة مباشرة
ناهيك عن أن بيع الأصول يقلل من الفوائض التي كانت تساهم فى موارد الموازنة العامة للدولة، والتي تساعد بتدبير تكلفة الدين المحلي والخارجي، أي أن ذلك البيع يزيد من صعوبة سداد أقساط فوائد الدين
عموما لا يزال خيار بيع الأصول المملوكة للدولة الخيار الأكثر يسرا وسهولة وسرعة للتخفيف من ضغوط فجوة الدولار، ولكنه من المرجح أن تتخطي الخسائر جراء هذا البيع الجوانب المالية إلى جوانب تتعلق بسيادة الدولة واستقلالها السياسي والاقتصادي وأمنها القومي، فتحت ضغط الحاجة والرغبة في تزييف حالة الإفلاس الفعلي الواقع حاليا ستباع أصول استراتيجية شديدة الخطورة على الأمن القومي، وقد بدأ فعليا على سبيل المثال الحديث عن بيع الموانئ، أو ما أشير إليه من باب التضليل بالإدارة والتشغيل من قبل شركات أجنبية أو خليجية، فقط مقابل حق انتفاع،
5- اصلاح الملف السياسي،
فلا يمكن الفصل بين الملفين، الإصلاح الاقتصادي والسياسي، فحل الأزمة الاقتصادية يتطلب إجراء مصالحة مجتمعية على الفور ودون تأخير أو تلكؤ، مصالحة بين كل القوى السياسية والمدنية، فالمصالحة يعقبها تدفق مزيد من الأموال من السودانيين العاملين في الخارج وعودة مليارات الدولارات التي خرجت في السنوات الأخيرة خوفاً من المصادرة أو عدم الاستقرار. تعني أيضًا عودة الاستثمارات الأجنبية الهاربة بعد أن يدرك المستثمر الخارجي أن هناك استقراراً سياسياً حقيقياً في الدولة، وليس استقراراً هشاً أو قائماً على العصا الغليظة فقط. كما تعني المصالحة تعاون جميع أفراد المجتمع في تجاوز الأزمة المالية، فإذا ما تمت مشاركة المواطن في صنع القرار السياسي والاقتصادي فإنه يتحمل أي قرار تقشفي حتى لو كان صعباً ويمس قدرته الشرائية.
خبير مصرفي