استغلال الذهب سياسياً..فساد يمشي على أربع!!

استغلال الذهب سياسياً..فساد يمشي على أربع!!

تحقيق/ أحمد خليل

عُرِف السودان منذ تاريخه بأنه موطن لثروات معدنية عديدة من بينها الذهب حيث ظلت المدارس (تقدم) مادة تاريخية للطلاب بأن محمد علي باشا بعد أن أستقر له الأمر في مصر وخطط للتوسع، إتجهت أنظاره إلى السودان، حيث أرسل بعثات عسكرية جلباً للمال والرجال والمال إشارة الى الذهب.

قطاع التعدين التقليدي عن الذهب بالسودان يوفر فرص عمل لملايين الناس، ولكن التدخلات السياسية أدت إلى استشراء الفساد وسيطرة المليشيات والمقربين من السلطة على القطاع فأصبح الذهب مجرد ثروة يلعب بها السياسيين دون فائدة تنعكس على اقتصاد الدولة أو المواطن.

العامل السياسي كان حاضراً في البحث عن الذهب حيث تم توجيه الميزانيات الضخمة التي خصِّصت للمؤسّسات الأيدولوجية لبناء الامبراطورية الاقتصادية للمؤسّسات الأمنية (شركة جياد، زادنا، الماسة، شركة أسوار للانشطة المتعددة المملوكة للاستخبارات العسكرية) حتى أصبحت تسيطر على 80% من اقتصاد البلاد.

من هذا المنطلق فإن الصراع للسيطرة على الموارد وفي مقدّمها الذهب، يعتبر من الأسباب الأساسية لإندلاع حرب 15 أبريل، وفي تفاقم أزمة الهيمنة الطبقية، التي تجلّت في الموقف من دمج قوّات الدعم السريع في القوّات المسلّحة كأحد مطلوبات إعادة هيكلة القوّات النظامية كقوّات قومية ومهنية.

وفي الجانب الآخر، يوجد التحالف التركي والقطري الذي يحركه تنظيم الأخوان المسلمين العالمي ويعمل على التنسيق مع روسيا في إطار صراع المصالح في القرن الأفريقي.

أيضاً تعتبر الصين وإيران من الدول التي لها وجود مهمّ في أفريقيا، وتنسّق فيما بينها ضدّ المصالح الأميركية والخليجية على الترتيب.

ينشط في التنقيب عن الذهب في السودان أكثر من 400 شركة وطنية وأجنبية، أقدمها شركة أرياب للتعدين، التي أسستها شركة فرنسية كندية في مرتفعات البحر الأحمر شرق السودان عام 1991 ثم إنتقلت ملكيتها لحكومة السودان ومع ذلك، تنتج هذه الشركات 20% فقط من كمية الذهب سنوياً فيما ينتج المعدنون التقليديون  80% من أنتاج الذهب في السودان.

شراء الذمم..

وسُخِرَ الذهب في شراء الذمم لإفشال عملية دمج قوات الدعم السريع في الجيش بحسب مانص عليه الاتفاق الإطاري للحيلولة دون التوقيع النهائي والاتجاه نحو الحرب التي تم الإعداد والتخطيط لها جيداً بين الإسلاميين والفريق أول شمس الدين الكباشي.

وكشفت تسريبات صوتية لمكالمات بين المدير السابق للشركة السودانية للموارد المعدنية مبارك أردول، وشخصية نافذة تُدعى “محمد عثمان” عن تفاصيل شراء ولاء مدير المخابرات العامة أحمد إبراهيم مفضل، وولاء مدير الاستخبارات العسكرية محمد علي أحمد صبير لصالح شمس الدين كباشي الذي يقاسمهما عوائد الذهب المصدر و المُهرّب بواسطة أردول من أجل جعله المتحكم في المشهد العسكري بصورة منفردة.

وكشفت التسريبات التي نشرها أحد النشطاء على منصة “فيسبوك” مؤخراً، عن تهديد أردول لمسؤول جهاز الامن بالشركة وحرمانه من نصيبه في الذهب لصالح فائدة “مفضل وصبير” محدثين بذلك على حد قولهم تفوق أمني ومخابراتي لصالح الرجل الثاني في الجيش الفريق الكباشي.

وقال أردول متحدثاً عن قادة الجهازين الأمنيين: (مايحتاجو لزول عشان يمشي يشتريهم بعدين، ولا يمشي يشتغل يشغلهم ضده، العسكري ده لو بقى جيعان ممكن تتوقع منو أي حاجة يعني، ممكن يبيع سلاحو ذاتو).

أردول بدوره تحدث مُعقباً على هذه التسريبات مؤكداً أنه لايستطيع أن يجزم بأن الصوت الذي في التسريبات صوته ولا يتذكر هذه المحادثة بيد أن المحتوى صحيح.

وشدد أردول على أن الصراع ضد الإطاري مشروع وانهم استخدموا فيه أي شيء مُعللاً بأن الإتفاق الإطاري صُمم لجهات داخلية وخارجية من أجل السيطرة على البلاد وأي إجراء قاموا به لإفشال الإطاري هو أمر مشروع ولو عاد الوقت لفعلوا الشيء نفسه بأكثر حنكة وحرص.

أوضح أردول من خلال صفحته على فيسبوك” أنهم تعاملوا مع مسؤولين وطنيين في مؤسسات كانت مصلحتهم هي الوطن سواء “صبير او مفضّل” وذلك بالتنسيق مع قادة الجيش وعلى رأسهم الفريق أول شمس الدين الكباشي، منوهاً إلى أنه كان على رأس شركة تنتج الذهب وكاستراتيجية وطنية تم تخصيص شركات خاصة معنية بجهاز المخابرات وجهاز الاستخبارات، مشدداً على أن هذا جهد وطني وبالقانون ودون محاباة أو تجاوز او تلاع..

وأضاف: منذ أيام الحرية والتغيير ماينتج من ذهب يذهب إلى محفظة السلع الاستراتيجية، لافتاً إلى أن المحفظة أضرت باقتصاد البلاد، وكانت شركات الجنيد للذهب مساهمة في المحفظة، قاطعاً بأنه هو مَن أوقف تحويل الذهب للمحفظة واستعاض بشركة قوية للتداول في قطاع الذهب وهي شركة “سبيكة” وشركة أخرى واضاف: جلسنا مع “صبيرة ومفضل” واخبرناهم بأنهم سيعملون في هذا المجال، وفرنا لهذه الشركات ذهب لتصدره للخارج وتستفيد من ريع هذا التصدير في تصريف شؤونها الداخلية مؤكداً أنه أمر قانوني قائلاً: هذه الشركات تعمل الآن، ولست مقتنع بوقف عمل الشركات الأمنية وطالما لم تُحل فلتعمل، أنا أعلم فائدة هذه الشركات في توفير التسيير وفقط يجب أن تكون خاضعة للمراجعة”.

الإخوان واستغلال..

أطراف أخرى إقليمية مربوطة الوشائج بتنظيم الإخوان المسلمين برزت في ملف الاستغلال السياسي لذهب السودان، كشركة “القسّام للذهب” والتي تتبع لكتائب عز الدين القسّام والتي وقّعت معها مجموعة “مولانا محمد عثمان بأذرعها في الإستخبارات والجيش” عقد ومذكرة لجبل يكتنز في باطنه طنان ونصف من الذهب، أتت شركة القسّام بإحداثياته عبر الأقمار الصناعية، ليبدأ العمل بعيداً عن أيدي الدولة والشركة السودانية للموارد المعدنية.

ومحلياً أيضآ تمتد أذرع تنظيم الإخوان الذي أُسقط من السلطة قبل أعوام قليلة وتم حل مؤسساته بأمر الشعب، تمتد أذرعه في مجال الذهب والتعدين، فقد كشفت ذات التسريبات عن مواقع تعدين خاصة بالدفاع الشعبي ومستثمرين عن طريقهم، تُحرس بالرجال وسلاح الدولة وصلاحياتها، إضافة إلى بناء محطات شراء وشبكات إدارية موازية للدولة، وبيع للذهب الخام من الداخل لجهات خارجية عن طريق سماسرة يشغلون رُتب عسكرية رفيعة.

المال السياسي..

من جهته أشار الخبير الاقتصادي د. محمد عصمت إلى ما يُعرف في أوساط العمل العمل العام في أزمان الحكومات الشمولية بـ(المال السياسي) والذي يستخدم لترغيب الخصوم وإستخدامهم لتحقيق أهداف الشموليين، موضحاً أن حكومة الإنقاذ المبادة تُعد أبرز هذه الحكومات إستخداماً المال السياسي وهي التي أبدعت في توزيعه يميناً ويساراً على حاشيتها من الأحزاب والمكونات الحليفة والموالية لها.

وأردف: (مع ظهور الذهب فتحت أبوابه إستكشافاً واستخراجاً وتسويقاً وتصديراً دون إعتبار لأهميته كمورد سيادي يضارع في أهميته البترول الذي فقد السودان نصيبه الأكبر منه بعد إستقلال جنوب السودان).

وقال عصمت لـ(سودان تايمز): “الذهب السياسي أصبح البديل المثالي للمال السياسي”، لافتاً إلى أن التسريبات أوضحت مدى إستغلال الذهب السياسي في تعظيم النفوذ السياسي ليصل مداه إلى الوقوف ليس في وجه أعظم ثورة في السودان بل في التاريخ المعاصر ممن يُفترض أنهم حُماة أهم موارد البلاد ومطاردة سارقيه جراماً جراماً.

ونوه عصمت إلى أن حكومة الفترة الإنتقالية كانت قد بدأت جهود لتعظيم فائدة الدولة من مورد الذهب بتكوين لجنة برئاسة وكيل وزارة المعادن، وبعضويته حيث أكملت مهامها ورفعت تقريرها لرئيس الوزراء د.حمدوك، و(تابع) (لكن الإنقلاب المشؤوم في أكتوير 2021 سبق الإستفادة من مقترحات هذه اللجنة وأهمها إعتبار الذهب مورداً سيادياً).

تمكين الحركة الاسلامية..

الدكتور سليمان بلدو مدير المرصد السوداني للشفافية والسياسات، أوضح أن الاستغلال السياسي للذهب ينطبق على جميع الموارد الطبيعية وكل مصادر الإيرادات في الدولة السودانية، لافتاً إلى أن الاستغلال الإقتصادي قبل نظام الإنقاذ كانت تجسده حالات فردية ويعرف بالاختلاس أو تزوير الأوراق، أو المحسوبية، أوتخصيص مناصب أو مواقع معينة بموجب العلاقات الأسرية أو الجغرافية، وكانت النظرة له سلبية للغاية ومَن يثبُت عليه مثل هذا السلوك يكون منبوذاً من الجتمع.

بلدو نوه إلى أن الأمر اختلف منذ إنقلاب “1989”و أصبح إستغلال الدولة والموارد لإثراء ذوي الحظوة المتمثلين في الحزب الحاكم أي “الحركة الإسلامية”، مشيراً إلى أن هذا تم بشكل عام ومتكامل عبر نظم محددة كنظام التمكين، ونظام تجنيب الأموال، والتحكم في إدارات الدولة المتعلقة بجمع الإيرادات، وتسخير الأجهزة الأمنية للحماية من الحزب الحاكم.

وأضاف: في العام “2009” تم إنتاج الذهب وتصديره وكان “85٪” من الإنتاج يأتي من المعدنيين التقليديين؛ ولتجعل الدولة هذه النسبة تحت سيطرتها أنشأت نظام متكامل بسرعة لتحيط بالنشاط الأهلي حتى تتحصل على عوائد منه بفرض الرسوم والضرائب وغيره من أسواق التعدين ومصانع الكرتة.

وقطع بلدو بأن نظام الإنقاذ توجه بتركيز عالي لمورد الذهب لإثراء الجهات الموالية له من منظمات جماهيرية، و أعضاء الحزب الحاكم نفسه، والمنظمات التابعة للحزب الحاكم من اتحادات طلاب وجمعيات خيرية كجمعية القرآن الكريم التي خصصت لها مربعات تعدين، مبيناً أن ذلك أتى تحت شراء الولاء ونفوذ الموالين.

وأردف: هنالك مربعات خصصت للدعم السريع في جنوب كردفان وفي منطقة “سونقو” بولاية جنوب دارفور ومنطقة “جبل عامر” بعد العام ٢٠١٣ تحت لافتة شركة الجنيد، ووقتها صدرت تصاديق من وزارة المعادن لمصانع وشركات الكرتة.

وأشار بلدو إلى أن المقاطعة الدولية لنظام الإنقاذ جعلته يذهب لجهات إقليمية داعمة له، وعلى إثر ذلك تم تخصيص عدد كبير من مربعات الذهب لشركات من الخليج والسعودية وشمال أفريقيا (مصر والمغرب) وشركات من تركيا والهند والصين كمكافأة لوقوف الآخيرتين مع نظام الإنقاذ في استخراج البترول.

وتابع: الخلل يكمن هنا لأن التخصيص كان لمكافأة الحلفاء الإقليميين، وشركات الجانب السوداني تكون قطاع عام مملوكة للأجهزة الأمنية كجهاز المخابرات الذي يمتلك شركة سبيكة لتجارة الذهب وكان مقرها في عمارة الذهب بالخرطوم وكذلك شركة الجنيد، وفي جنوب كردفان خصصت مربعات للدفاع الشعبي لأجل فائدة ضابط من الجيش كان مسؤولا عن الدفاع الشعبي بمنطقة تلودي استغلالاً للنفوذ السياسي لمورد الذهب ومكافأةً للأجهزة الأمنية التي تحمي النظام والمستفيد يكونون أفراد.

وذكر بلدو أبضاً أن شركة الموارد المعدنية أنشأت في إطار الهيمنة على الإيرادات، وهي حكومية لكن كان يديرها سياسي المؤتمر الوطني وهي لمكافأة الأفراد المتفرغين للعمل الحزبي او أفراد في منظمات شبابية كاتحاد الطلاب.

ولفت بلدو إلى أن أبرز الشركات التي تحمي نظام الإنقاذ جاءت كمكافأة وهي شركة “مروي قولد” والمعروفة للإعلام بـ”ميرو قولد”، موضحاً أن الشركة مملوكة لذراع فاغنر قروب في السودان، الذين حضروا بدعوة من البشير لأجل حماية السودان من المؤامرات الأمريكية ووقعت عدد من الاتفاقيات أبرزها منح قاعدة بحرية على سواحل البحر الأحمر في العام “2018”، وعملت الشركة الروسية في مجال الذهب في السودان وخصص لها مربع تعدين وحازت علي إمتيازات وعملت في مجال الكرتة الذي كان ممنوع العمل فيه للشركات الأجنبية وانشات الشركة مصنع ضخم في منطقة العبيدية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *