مواطنو الخرطوم بحري يواجهون خطر الموت عطشاً.. ومآسٍ تبكي الحجر
يواجه مواطنو مدينة الخرطوم بحري خطر الموت عطشا لانقطاع مياه الشرب عن الأحياء السكنية بصورة كاملة منذ 11 يوما، بسبب الاقتتال الدائر بين الجيش والدعم السريع.
حدة الأزمة تفاقمت داخل الأحياء السكنية بالمدينة، وبلغت مراحل قاسية، حيث تجاوز سعر برميل الماء الواحد عشرين ألف جنيه، أي ما يعادل 50 دولارا أميركيا.
المبكي أن تلك الأزمة مع حدتها المؤلمة لم تقتصر على الأحياء، بل تعدتهم إلى الموتى، إذ صار توفير المياه اللازمة لغسل جثامين الموتى تجربة مريرة تدمي قلوب المواطنين هناك دونما حل قريب يلوح في الأفق.
المواطنون داخل الأحياء السكنية بالخرطوم بحري والمغلوبون على أمرهم سردوا قصصا إنسانية مؤثرة تبكي الحجر عن معاناتهم القاسية مع انقطاع المياه، وكيف أنهم اضطروا للبحث عن بدائل أخرى مثل انتشال الماء من الآبار الجوفية المهجورة.
بينما لجأت فئة أخرى لجلب الماء من النيل بالعربات مع علمهم التام أن تلك الوسيلة محفوفة بمخاطر شديدة، وعلى رأسها مخاطر التعرض للقصف المدفعي والصاروخي والجوي فجأة، ولانتشار عصابات النهب والسرقة بالإكراه، فضلا عن شح الوقود بسبب إغلاق محطات التزود بالوقود لأبوابها وغلاء سعره في السوق السوداء بصورة خرافية.
كل تلك الأسباب جعلت استخدام العربات بغرض جلب الماء من النيل “مهمة عسيرة للغاية”.
ولجأ مواطنون في الأيام الأولى لشراء المياه المعبأة من المتاجر، إلا أنها لم تكن خياراً عملياً، لمحدوديتها وأيضاً لإغلاق الغالبية العظمى من المتاجر أبوابها وعدم وصول دفعات جديدة من المياه المعبأة لصعوبة الحركة والتنقل لتدهور الأوضاع الأمنية وإغلاق الجسور والطرق الرئيسية بالعاصمة السودانية.
بدوره، روى أحد مواطني “حي شمبات” بمدينة الخرطوم بحري لـ”العربية.نت”، تفاصيل قاسية لمعاناته مع انقطاع المياه، قائلا: “في الأيام الأولى اضطررت لقطع مسافات بعيدة سيرا على الأقدام بحثاً عن جرعة ماء تروي ظمأ أفراد أسرتي، إلا أنني -منذ أيام- لجأت مع جيراني لانتشال المياه من بئر جوفية مهجورة. صحيح هناك روائح كريهة بالماء -إلى حد ما- مع وجود طعم غريب، وغير مستساغ كطعم المعادن الصدئة في الفم، لكن “ما باليد حيلة” كما يقولون. فالشيء الوحيد الذي نستطيع القيام به هو وضعها على النار حتى تبلغ حد الغليان، لتجنب أي أمراض محتملة ولضمان قتل أي جراثيم استوطنت داخلها وأحيانا نقوم بتلك العملية عدة مرات”.
وأضاف: “أما في حالة المياه العكرة فنضيف بعض المواد التقليدية المعروفة كالشب على سبيل المثال، لتنقية الماء من الرواسب الطينية أو الطحالب قبل استعماله الذي يقتصر على الضروريات كالشراب وإعداد الطعام فقط. أما الوضوء بالماء فقد ودعناه – كما يقول- منذ وقت طويل واكتفينا بالتيمم فقط لأداء الصلاة. أما الاستحمام وغسل الملابس فأضحت ترفا، يمكن تصنيفه في خانة البذخ إلا إذا كانت المياه شديدة الملوحة لا تصلح للطعام والشراب، فعندها تستخدم لتلك الأغراض”.
الخرطوم بحري تعتبر الضلع الثالث لـ”العاصمة المثلثة” إلى جانب مدينتي الخرطوم، وأم درمان. وتقع بالاتجاه الجنوبي لضفة النيل الأزرق والاتجاه الشمالي لنهر النيل، ويقطنها مليونا نسمة تقريبًا.
أما المناطق التي تعاني أزمة المياه فتمتد من وسط المدينة حتى ضاحية الدروشاب شمالا، وتضم تلك الرقعة الأحياء السكنية القديمة الامتدادات الجديدة للمدينة المكتظة بالسكان. في المقابل تقع محطة المياه الرئيسية بالخرطوم بحري شرق كوبري المك نمر الرابط بين الخرطوم والخرطوم بحري.
مع اشتداد الأزمة الإنسانية، ارتفعت المطالبات بتدخل شرطة الدفاع المدني لتوفير مياه الشرب بالعربات عبر نقاط متحركة داخل الأحياء السكنية، لكن مصادر رسمية قالت لـ”العربية.نت” إن أطقم الدفاع المدني تحتاج لتوفير نوع الحماية، لأن حركتها ستقع حتماً في نطاق العمليات العسكرية.
وتعرضت محطة تنقية المياه لأضرار بالغة منذ اليوم الأول لبدء الاقتتال بين الجيش والدعم السريع ولاتزال متوقفة عن العمل حتى الآن.
من جهتها، ذكرت هيئة المياه بولاية الخرطوم أن فريق التحكم التابع للهيئة القومية للكهرباء لم يستطع الوصول إلى المحطة بسبب تدهور الأوضاع الأمنية. وذكرت الهيئة في بيان رسمي أن إعادة تشغيل المحطة رهينٌ بعودة التيار الكهربائي.