وهكذا هم دائماً مبدعينا فنانو الكاريكاتير ينفعلون ويتفاعلون مع قضايا وطنهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية..الخ، ثم يلخصونها في رسمة معبرة وعبارة جامعة ومانعة تغني عن مئات الكلمات..وكاريكاتير الدويد يعيد للأذهان الطرفة المشهورة عن تلك الجدة (الحبوبة) التي سألت أحد أحفادها بعد مرور زمن ليس بالقليل على تخرجه في الجامعة، ما إذا كان قد توظف أم لا، قال الحفيد لسه عاطل، وبسبب عطالته التي طالت قالت الجدة وكأنها تواسيه (برضو أخير من قعاد ساكت)، وقد بدا لي عطفاً على كاريكاتير الدويد أن الحكومة وحزبها ينظران للدستور المزمع صناعته بنظرية (أخير من قعاد ساكت أو ربما القحة ولا صمة الخشم)، أو ربما بشعار (الدستور لمن يهمه الأمر) على غرار الطرفة الأخرى التي تحكي عن زوجة أصبحت تصف زوجها بأنه بقى (كحيان ومكعكع)، والزوج استفزه الكلام وعاود أحد الأطباء وخضع لعلاج مكثف حتى استعاد حيويته ونشاطه وذهب لزوجته يبشرها بذلك، ولكنها لم تصدقه وطالبته بشهادة موثقة من الدكتور، تعاطف معه الدكتور وحرر له شهادة تقرأ إلى الحاجة فلانة، بهذا نشهد أن الشيخ فلان تناول العلاج وأصبح في حيوية شاب في سن العشرين، عندما قرأ الشيخ الشهادة قال للدكتور:سيبك من حاجة فلانة دي اكتب لي الشهادة (إلى من يهمهم الأمر)، أو ربما بشعار الدستور بمن حضر، وليأبى من يأبى وليرضى من يرضى..
أما الدستور القومي الدائم الحقيقي والجاد والحضاري فمن أول شروطه أن يكون وسيلة لغاية وليس هدفاً لذاته، بمعنى أن لا يكون الدستور من أجل الدستور فحسب، ويشترط فيه أيضاً أن تكون أسسه واضحة وأن يتحقق له اتفاق واسع وتراض كاسح على القضايا والأهداف المراد تحقيقها عبر نصوصه ومواده،وأن تكون النية منعقدة فعلاً للبحث الجدي عن حلول ومخارج عملية للمشكلات والقضايا المطلوب حسمها بالدستور،ولن يتم ذل الا بمشاركة واسعة تشمل كل فسيفساء المشهد الوطني، وأن تتوفر لمناقشاته شفافية كاملة وحرية تامة، فإذا استوفت عملية صناعة الدستور هذه الشروط (وأنى له أن يستوفيها في ظل الظروف الحالية المعلومة سياسيا واقتصاديا) عندها يكون هو الدستور الذي يجد القبول والاحترام ،أما بغير ذلك وخاصة إذا جاء بفهم (أخير من قعاد ساكت)، فلن يكون سوى (طق حنك) أو مناجاة حبان محكوم عليه بالفشل ،ولن يورث شيئاً سوى ضياع الوقت وتأزيم ما هو متأزم أصلاً…