التمييز في ألمانيا… استغلال على أساس عرقي للأجانب في العمل

التمييز في ألمانيا… استغلال على أساس عرقي للأجانب في العمل

سودان تايمز : وكالات

تتفاقم حالات التمييز في العمل بألمانيا على أساس الأصل العرقي، بسبب افتقار الضحايا من الأجانب واللاجئين إلى وعي قانوني بحقوقهم بالإضافة إلى صعوبة الإثبات، وتهديدهم بالترحيل أو القبول بالأمر الواقع كما يوثق التحقيق.

– ينشط الأربعيني حمادو ديباما في محاربة التمييز والعنصرية في ألمانيا، بعد حصوله على الإقامة عقب 10 أعوام من وصوله إلى ميونخ فارّا من بوركينا فاسو، إذ كان منخرطا ضمن حركة طلابية معارضة للرئيس السابق بليز كومباوري، وخلال رحلة بحثه “الطويلة” عن عمل، عانى ديباما من الرفض بسبب لونه، كما يقول، مؤكدا أنه ليس حالة منفردة، إذ يرصد معاناة يومية لذوي البشرة السوداء ممن يعانون البطالة، رغم امتلاكهم مؤهلات وخبرات يحتاجها السوق الألماني الذي يعاني نقصا.و”للأسف في ألمانيا يكون اسمك أكثر أهمية من مؤهلاتك، فأشخاص يحملون أسماء مثل مراد أو حمادو يتم استدعاؤهم لإجراء مقابلات عمل أقل من الأشخاص ممن يحملون أسماء مثل دانيال أو لوكاس، حتى لو تساووا في المؤهلات والخبرات”، كما يقول ديباما من واقع تجربته ويرصده عبر دوره الحقوقي في المجلس البافاري للاجئين (غير حكومي)، وعضويته في المجلس الاستشاري للهجرة في ولاية بافاريا.

يتطابق ما رصده الناشط ديباما مع ما يكشفه التقرير السنوي للوكالة الفيدرالية الألمانية لمكافحة التمييز في العمل (هيئة وطنية) الصادر في عام 2020، إذ تلقت الوكالة 6383 شكوى ترتبط كل منها بواحد على الأقل من معايير التمييز المحددة بموجب القانون العام للمساواة في المعاملة لعام 2006 (AGG)، والتي وردت في القسم الأول من القانون ولا يجوز حرمان أحد بسببها من العمل، وهي الأصل العرقي ولون البشرة، والجنس والدين والهوية الجنسية وكذلك العمر والعجز أو الإعاقة.

ومن مجموع الشكاوى التي تلقتها الوكالة كان 33% منها بسبب الأصل العرقي، و5% بسبب الديانة، وارتفعت نسبة الشكاوى المتعلقة بالتمييز على أساس الإعاقة إلى 41%، بالإضافة إلى 17% من حالات التمييز بسبب الجنس، و9% من الحالات تعرضت لتمييز بسبب السن، و4% بسبب الهوية الجنسية.

وتؤكد الوكالة في تقريرها أن عدد الشكاوى وطلبات الاستشارة حول التمييز لأسباب عرقية ارتفعت بشكل ملحوظ في عام 2020 لتصل إلى 2101 حالة مقارنة بـ1176 حالة في عام 2019.

ويعاني الباحث عن عمل من التمييز المبني على أساس الأصل العرقي في مرحلة التقديم، أو بعد تسلمه وظيفة، إذ يحصل على راتب وامتيازات أقل، كما يبين ديباما، وهو ما حدث مع السوري نور الأحمد، المقيم في ألمانيا منذ عام 2015 والذي يخشى أن يُفقده أي نقاش حول الراتب مع صاحب العمل الفرصة التي بحث عنها طويلا منذ خروجه من دائرة متلقي المساعدات إلى نيل عمل ومحاولة تحسين وضعه المادي ومن ثم السير في طريق الحصول على الجنسية، مشيرا إلى أن أحد أصحاب العمل أنهى المقابلة معه برفض التوظيف لمجرد أن طلب منه دفع الحد الأدنى للأجور (سيرتفع إلى 12 يورو في الساعة اعتبارا من 1 أكتوبر/ تشرين الأول 2022).

ورغم أن الأحمد يمتلك شهادة تدريب مهني في مجال برمجة الآلات من ألمانيا، إلا “أن أشكال التمييز لا تنتهي بمجرد الحصول على شهادات دراسة ألمانية ويبقى اللاجئ عرضة للتمييز تحديدا في مسألة الأجر المادي”، كما يقول لـ”العربي الجديد”.

ويعتبر دفع أجور تقل عن الحد الأدنى المقرر مخالفة قانونية يُغرّم على أثرها أرباب العمل والشركات بمبلغ يصل إلى 500 ألف يورو، بحسب ما جاء على الموقع الإلكتروني لشركة المحاماة العاملة في ألمانيا.

ونتيجة لما يواجهه الأجانب الباحثون عن عمل وبخاصة اللاجئين، من إجراءات تمييزية، أصبح لديهم ميلا إلى دخول مجال التأهيل المهني بدلا من العمل بأجر قليل، ويشمل ذلك حاملي الشهادات الجامعية الذين يجدون أنفسهم غالبا أمام تمييز في الأجر والدرجة الوظيفية، كونهم لا يحملون شهادات ألمانية، كما يوضح السوري الذي طلب تعريفه بـ حسان الخلف (اسم مستعار)، والمقيم في ألمانيا منذ عام 2015 والحاصل على بكالوريوس في الإعلام من جامعة دمشق، معتبرا أن ترك عملية تقييم الشهادة لصاحب العمل وتقرير الراتب الملائم خلق الكثير من التمييز ضد المتعلمين الأجانب في بيئات العمل.

وجدت رزان محمد قرّة، مسؤولة متابعة دمج اللاجئين في سوق العمل بمؤسسة “جورني” الألمانية (منظمة رديفة مرتبطة بمكاتب وكالة العمل الحكومية)، من خلال عملها في مجال التوظيف ومرافقة الباحثين عن عمل، أن اللاجئين والمهاجرين غالبا يتحمسون للعمل دون التفكير في ضرورة معرفة القوانين المنظمة لحقوقهم وواجباتهم أو حتى تفصيلات وبنود عقود العمل، وبالتالي وقعت الكثير من الحالات في مشاكل نتيجة فقر الوعي القانوني.

ويستعرض تقرير بعنوان “التمييز في العمل – مجموعة من الحالات العملية والتوصيات” أعدته شبكة الإدماج عبر التأهيل (منظمة حقوقية تنشط في حماية حقوق المهاجرين واللاجئين)، عام 2021، قصة سيدتين (لم يشر التقرير لاسميهما)، تتحدران من أصول أجنبية، حصلتا على وظيفتين في قسم التموين في مركز رعاية صحية في ألمانيا، لكنهما بعد مدة من عملهما داخل المركز لاحظتا أن هناك تقسيما غير عادل للعمل، بحيث توكل الأجنحة الأكبر التي تضم ما بين 50 و65 مريضا للعاملين من أًصول مهاجرة، في حين يتولى الألمان الأجنحة الأصغر التي تضم 30 مريضا فقط، والأمر ذاته ينطبق على الأجنحة التي تضم مرضى مصابين بأمراض خطيرة ولا يمكنهم الاعتناء بأنفسهم نهائيا، فهؤلاء من مسؤوليات العمال والعاملات من أصول مهاجرة فقط، ما زاد من عبء العمل عليهم، رغم ذلك، لم تتمكن السيدتان من الدفاع عن حقوقهما أو الشكوى من ظروف العمل بسبب ضعف لغتهما الألمانية وخوفهما من الفصل من العمل.

وتبين خلال مقابلتهما وتوثيق حالتهما في التقرير أنهما لم تكونا على علم بحقوقهما الكاملة، لدرجة أنهما لم تعلما إذا كانتا تستحقان إجازة مدفوعة الأجر أم لا.

وعانى شاب آخر من تبعات الجهل القانوني خلال عمله في مجال توصيل الطرود بشركة ألمانية لأكثر من عامين، خلال هذه المدة تم نقل الشركة من مالك إلى آخر خمس مرات، وفي كل مرة كان المالك ينهي عقد العمل، ليبدأ الشاب بعقد جديد مع المالك الجديد، ما جعله في فترة اختبار عند كل تجديد لعقده، أما آخر مالك للشركة فقد بدرت منه العديد من السلوكيات العنصرية بحق العامل الأجنبي، إذ يذكره في كل مرة بأصله، في محاولة منه لترهيبه والضغط عليه ليتوقف عن المطالبة بحقوقه ومستحقاته، كما هدده بأنه سيتسبب في ترحيله من ألمانيا.

وبحسب ما نقل التقرير عن محامي العامل، فإنه طالب بتعويضات عن ساعات العمل الإضافي والمكافآت وتعويضات أيام الإجازة مدفوعة الأجر، كما أشار إلى أن موكله كان يوقع على مستندات تنهي عمله دون أن يدري بالتبعات القانونية لذلك، ما يوضح أن مالك الشركة استغل بشكل متكرر عجز العامل اللغوي والمعرفي، إضافة إلى أن الحديث عن أصله وخلفيته الثقافية فعل تمييزي، وكذلك التهديد بترحيله.

تعكس إحصائيات وكالة مكافحة التمييز الفيدرالية تزايد الشكاوى المتعلقة ببيئة العمل عاما بعد آخر، إذ تلقت 3580 طلبا للحصول على المشورة في عام 2019، بزيادة 10% عما كان مسجلا عام 2018 إذ بلغت 3455، وفي عام 2020 ارتفع عدد الطلبات إلى 6383 طلبا.

وتوضح نتائج استطلاع نشرته منظمة EY Jermany-Building abetter working world، التي تقدم مجموعة خدمات للشركات الأخرى لتحسين بيئة العمل، في أكتوبر/تشرين الأول عام 2020، يقيس المواقف التمييزية التي تعرض لها موظفون أو شهدوا عليها في شركات ألمانية، أن الألمان أنفسهم يعانون من التمييز في مكان العمل، إذ تعرض واحد من كل خمسة ألمان بالفعل للتمييز في مكان العمل، وتبين نتائج الاستطلاع ذاته أن 17% من الموظفين شهدوا مواقف تعرض فيها أشخاصا للتمييز، و3% كانوا هم أنفسهم ضحايا للتمييز العنصري.

ويؤكد بيرنهارد فرانكه، الرئيس السابق للوكالة الفيدرالية لمكافحة التمييز في العمل، في تصريحات صحافية، أنّ قانون المساواة العام يطبق في جميع مجالات الحياة العملية وأنه بات يمكن للأشخاص الذين يتعرضون للتمييز أن يطالبوا بتعويض من القائمين بهذا الفعل، مضيفا: “وفقا لتجربتنا، يحل في المرتبة الأولى الأشخاص الذين يتعرضون للتمييز بسبب أصلهم العرقي، وفي المرتبين الثانية والثالثة يأتي التمييز بناء على الجنس والتمييز ضد ذوي الإعاقة، هذه هي الفئات الثلاثة الكبرى، يليها التمييز بسبب الدين والهوية الجنسية والسن والعقيدة”.

ألمانيا2

لكن رغم الأرقام السابقة، هل يتجه ضحايا التمييز في العمل إلى الشكوى ويسعون إلى استرداد حقهم؟ تجيب نتائج الاستطلاع السابق عن ذلك مبينة أن 28% من الموظفين المشمولين في الاستطلاع لم يبلغوا رؤساءهم لدى وقوع حوادث عنصرية في شركتهم، كما يقول 27% منهم إنه لا يوجد شخص في شركتهم يمكنهم اللجوء إليه في حال وقوع حوادث عنصرية، بينما أجاب 52% منهم بأن الشركات الألمانية لا تفعل ما يكفي لتعزيز قيم مثل التنوع والاحترام في المجتمع.

ولكن الأمر يتفاقم في حالة العامل المهاجر أو اللاجئ، كما تقول مصادر التحقيق، ومن بينهم الأحمد، موضحا أنه تجنب الشكوى في كل مرة تعرض فيها للتمييز وحتى لم يتوجه إلى الجمعيات أو المنظمات المعنية بمناهضة التمييز، لأن ذلك من وجهة نظره طريق طويل جدا ويحتاج إلى أدلة وإثباتات يصعب الحصول عليها مع إمكانية خسارة القضية، لذلك رأى أنه من الأفضل التوجه للبحث عن فرصة جديدة في مؤسسة تحترم حقوق الموظفين.

ورغم صعوبة إثبات حالات التمييز، إلا أنه سُجلت سابقا حالات فصل فيها القضاء الألماني، إذ قضت محكمة برلين، عام 2018، لصالح معلمة محجبة في قضية رفعتها ضد مدرسة رفضت توظيفها بسبب الحجاب، وألزمت المدرسة بدفع تعويض قدره 5159 يورو لصالح المدعية، ومع ذلك “يواجه الضحايا عراقيل كثيرة في سبيل تقديم أدلة لإثبات عملية التمييز التي وقعت بحقهم في بيئة العمل”، بحسب توضيح المحامي والمختص في شؤون اللاجئين باسم سالم، الذي يعمل في مكتبه الخاص في ألمانيا، مشيرا إلى أنه يمكن للعامل أن يثبت حالات معينة من خلال طرق مثل نيله عقابا مشددا أكثر من العقاب الموجه لزملائه على خطأ اقترفوه أو إثبات وجود امتيازات يحصل عليها زملاؤه في العمل تفوق ما يحصل عليه، رغم وجودهم في الدرجة الوظيفية ذاتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *