فوضى اسواق السودان.. تمكين نافذين وتفشى ممارسات احتكارية

فوضى اسواق السودان.. تمكين نافذين وتفشى ممارسات احتكارية

الخرطوم : عاصم اسماعيل

تزايدت فوضى الأسواق وانفلات الأسعار بصورة كبيرة  وسط غياب كلي للجهات المختصة عن متابعة وضبط الاسواق، فيما يعزو مختصون السبب لانتهاج سياسة تحرير الأسعار وخروج الدولة كليا من السوق،  في ظل  “غياب الرقابة” على الأسعار بالأسواق، مع قصور الدور الرقابي للجهات المختصة خاصة وزارة الصناعة والتجارة و الصناعة  للقيام بدورهما في  ضبط الاسواق ، وتتباين اسعار السلع في الاسواق و تختلف الاسعار من محل تجاري واخر في نفس السوق دون اسباب مقنعة مما اثار سخط المستهلكين.

بدوره دعا رئيس الجهاز القومي لحماية المستهلك، د. نصر الدين شلقامي، إلى محاربة فوضى الاسعار في الاسواق، وعزا الانفلات نسبة إلى إلغاء قانون تحديد أسعار السلع الذي تم إلغاءه في عام 1992، والذي حلت بموجبه صلاحيات وزارة التجارة وأصبحت تحت مسمى وزارة التجارة الخارجية حتى لا تكون لها صلة بما يتعلق بالداخل. وطالب شلقامي في تصريح صحفي  بوجود بورصة للسلع تحت إشراف التجارة وأن تعمل على محاربة سماسرة السوق. وقال جهاز حماية المستهلك ليس بيده شيء يقدمه لمواجهة فوضى الأسواق.

سياسة التحرير :

ويقول مختصون ان انتهاج الحكومة في السنوات الماضية لسياسة التحرير الاقتصادي ادى لتمكين فئة قليلة من التجار والنافذين والرأسمالية من السيطرة علي مفاصل العمل التجاري، وتفشت الممارسات الاحتكارية في السلع الرئيسية مثل السكر والاسمنت ومواد البناء ونسبة لا يستهان بها من قطاعات الاستيراد والتصدير.

ولكن الاقتصادي بابكر اسماعيل يقول انه ورغم تحجج الكثيرين بان الحملات الرقابية تحتاج لتكاليف باهظة من وسائل نقل وكادر بشري مؤهل لتتمكن الوزارة من تغطية مئات الأسواق، وآلاف المتاجر، التي تتوزع علي الاسواق والمحليات ، الا انه يرى ان المسؤولية لا تعفي القائمين على الامر مادام ارتضوا ذلك التكليف والا فليغادر من لا يستطيع تحمل تلك الامانة والمسؤولية غير مأسوف عليه فحواء “ولادة”.

واضاف ان حسم هذه الفوضى رهين بتكثيف الرقابة علي الأسواق وإلزام المحال التجارية بوضع ديباجة على السلع تحدد السعر، والتوسع في إنشاء مراكز البيع المخفض وتنشيط التعاونيات في الاحياء ومواقع العمل لتوفير السلع الاستهلاكية للمواطنين بسعر التصنيع، مع تكفل الحكومة بمنصرفات الترحيل والتكاليف التشغيلية لهذه المواقع وإعفاءها من الرسوم والجبايات لضمان وصول السلع للمستهلكين بأقل الاسعار.

تفاقم فى الفوضى

ولكن الخبير الاقتصادي محمود الزين يرى ان فوضى الاسعار تفاقمت بعد الزيادة العشوائية للأجور التي حدثت العام 2020 م ويطالب باتخاذ خطوات اخرى مصاحبة لتخفيف الاثر السلبي المتمثل في قلة الدخل وانعدامه وسط بعض الفئات بعد توقف الدعم النقدي بسبب الاجراءات التي حدثت في اكتوبر من العام الماضي. واضاف الحكومة مدعوة ايضا للقيام بدور فاعل في مراقبة وضبط الاسواق، وحسم الفوضى في التلاعب بالتسعيرة وتخزين السلع واحتكارها، لان القضاء على ظاهرة الوسطاء ستؤدي لنتائج حاسمة في استقرار أسعار السلع.

وزاد الضرورة تدعو الدولة الى التدخل  لوقف الممارسات السالبة التي تضر بالاقتصاد القومي، ومنها فرض تجار السلع لأسعار وفق امزجتهم ورفع الاسعار بدون مبرر وانتشار ممارسات المضاربات وتجارة العملات، ولكن  معالجة هذه الاختلالات يستحسن أن تتم وفق عوامل اقتصادية وليس قسرية.

فيما يؤكد الزين ان الخطأ الذي وقعت فيه الحكومة سابقا ولم تجر إي معالجات له، “سياسة التحرير الاقتصادي” وترك القارب علي القطاع الخاص الذي فشل في توفير نقد أجنبي للبلاد وعجز عن إحلال الواردات وزيادة الصادرات فضلا عن أن الاستثمارات الخارجية لم تعد علي البلاد بالفائدة المرجوة. امام الحكومة إجراء سياسات سريعة وعاجلة للسيطرة علي الوضع الحالي عبر وقف الاستيراد وتقليل استخدامات الدولار مع تأميم البنوك جزئيا بنسية 52 بالمائة كما قال الزين.

وقال الحكومة فشلت في ادارة دفة الاقتصاد بعد ان جاءتها الفرصة “جائحة كورونا” لمعرفة كيفية ادارة وتحريك السلع من مناطق الانتاج الى الاستهلاك ، فالمطلوب هو ترك ادارة الاقتصاد الى من يهمهم الامر.

مسؤول بوزارة التجارة  قال ان إن تعدد الوسطاء وارتباك شبكات التوزيع، أحد أهم أسباب الارتفاع الكبير في أسعار السلع الأساسية في البلاد. وأكد  وجود صعوبات لوجستية تعوق تدفق السلع بالشكل المطلوب من بينها انقطاعات الكهرباء ومشكلات النقل والتوزيع.

تخفيف عبء المعيشة 

وابدى امله في نجاح البرامج التي تعول عليها الدولة لتخفيف اعباء المعيشة من بينها برنامج “سلعتي” الذي يركز على توصيل عدد من السلع الأساسية من المنتج إلى المستهلك مباشرة دون المرور بسلاسل الوسطاء الكثيرة، التي تتسبب في ارتفاع الأسعار وإرباك الأسواق. واسواق البيع المخفض التي بداتها الحكومة مع عدد من المنتجين في البلاد.

سبق ان نظمت وزارة التجارة والتموين حملة قومية للرقابة على الاسواق بعدد 21 مفتشا بهدف  فرض هيبة الدولة والتي تتخذ كافة الوسائل لتحسين معاش الناس ومحاربة ظاهرة زيادة الأسعار.

الحملة  هدفها  ضبط الأسعار السلع الاستهلاكية بوضع ديباجات على السلعة  ومراجعة صلاحيتها، فضلاً عن السلع المهربة المعروضة للبيع في الأسواق والشوارع الرئيسية والأحياء ومحاربة جشع التجار بجانب توعية المواطن بحقه ليلجا الى الدولة متى ما شعر بان هنالك ممارسة غير مضبوطة بالسوق وتقديم شكوى الا ان مراقبون يرون ان الحملة  لم تستطع الزام التجار بأسعار محددة في ظل اقتصاد فوضوي غير منظم ولا توجد قاعدة بيانات عن اسعار السلع كما ان تعدد اسعار الصرف يجعل من الصعب تحديد هامش ربح للتجار وقالوا ان المشكلة تتطلب سياسات واضحة وثابته يتعامل بها المستوردين دون ان تؤثر عليه في الترحيل او التخزين او الرسوم التي تفرض عليه .

نظرة :

وتعطي نظرة سريعة علي اسواق الخرطوم صورة عن واقعها، فحتي ما يسميه التجار بـ “الانتعاش الموسمي” بات اقل بكثير من السابق، الذي لأسباب متعددة منها الغلاء وغياب “الكاش” والركود الحاد مع تدني قيمة الاجور وفقدان العملة لقيمتها باستمرار.

متابعات لعدد من  أسواق الخرطوم كشفت عن قلة مرتادي الاسواق خلاف السلع الاستهلاكية، واغلب المحال التجارية تعاني من قلة الإقبال، مع تباين في الأسعار حيث شهدت عدد من السلع زيادات جديدة في السعر مثل اللحوم الحمراء والبيضاء ومنتجات الدواجن، والزيوت، والخضروات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *