اليوم العالمي للإحصاء

اليوم العالمي للإحصاء

بروفسير عمر عبدالرحيم الخضر

omerelkhidir@yahoo.co.uk

يحتفل العالم في العشرين من إكتوبر باليوم العالمي للإحصاء و هو علم يعتمد على الأرقام لتقييم المواضيع سواء أن كانت حسية أو مادية حيث تجمع الارقام لأي معلومة  تحت الدراسة ثم يتم تحليلها بطرق إحصائية علمية ويستخلص منها النتائج التي تفيد بطريقة دقيقة عن التفاصيل التي يستفاد منها للغرض المطلوب. فالإحصاء يعرف بلغة العلوم و علم إتخاذ القرار. و بالنسبة للموارد الإستثمارية المتوفرة بالبلاد، التطبيقات الإحصائية تفيد بالإحاطة المعلوماتية الصحيحة و كيفية تنمية هذه الموارد و الإستثمار فيها بالطرق و الوسائل الصحيحة. فمثلاً في هولندة فإن كل أبقار الفريزيان مسجلة و لديها أرقام توضح للجهات المسئولة أين توجد أي بقرة  و من يمتلكها و تفاصيل إنتاجها و تناسلها لذلك كانت لهم خطط ناجحة لتنمية إنتاج الألبان و الإستفادة منه للإغراض الإستثمارية المختلفة فوصل إنتاج البقرة عندهم ما يزيد على ال 14,000 كجم من اللبن في الموسم (305 يوم) و أصبحت هولندة من الدول الرائدة عالمياً في هذا المجال الإستثماري.

يعتبر السودان من أغنى الدول في العالم بما يتوفرله من موارد إستثمارية في قطاع الثروة الحيوانية (100< مليون رأس من الماشية) و الزراعة (200 مليون فدان صالحة للزراعة) و المياه و المعادن … الخ. لكننا نحتاج لتفاصيل و سجلات لهذه الموارد توضح خصائصها و مواقعها المختلفة  لوضع خطط علمية لتنميتها و الإستثمار الأمثل فيها و حينها سيكون للبلاد عائد إقتصادي يرفعنا من الحالة الصعبة التي يعيشها المواطن السوداني. ففي دراسة سابقة لكاتب هذا المقال نشرت في جريدة الصحافة في العام 2011 عن التكامل بين صناعتي العلف و السكر لتنمية قطاع الثروة الحيوانية بالسودان و قد شملت تلك الدراسة خمسة مصانع للسكر في ذلك الوقت (كنانة+الجنيد+عسلاية+سنار+ حلفا الجديدة) أوضح الإحصاء الرقمي أن إنتاج السكرمن هذه المصانع يقدر بحوالي 725,000 طن/العام و مخلفات قصب السكر تقدر بحوالي 5.85 مليون طن. فإنتاج السكر يمثل فقط 7.5% من وزن القصب في الحقل أما البقية من المخلفات ( رؤوس القصب +المولاس + البقاس) إذا تم إستخدامها في تغذية الماشية فإن ما تحتويه فقط من الطاقة تنتج ما يقدر ب 6.6 مليون طن من الحليب أو 488,200 طن من اللحوم (قيمة اللحوم للصادر 4,000 < دولار أمريكي/ الطن). فإذا كان السكر هو الأساس الحالي لتنمية هذا القطاع فما بالك لو أصبح الحيوان أيضاً جزء اساسي من الإستثمار في مصانع السكر الحالية (سته مصانع). و قد كانت لنا تجربة بمركز بحوث الإنتاج الحيواني بحلة كوكو في العام (1986) حيث كان المركز أول من إستخدم المولاس كمصدر للطاقة (بديلاً للذرة) في أعلاف الحيوان لصناعة مكعبات علف الحيوان بتمويل من منظمة الإغذية و الزراعة العالمية (70,000 ج.س.) في ذلك الوقت. ثم تطور الإستثمار بالمركز في العام (1992) ليشمل تسمين العجول بتمويل عشرة مليون جنية ( أخذت من مشروع مكعبات علف المولاس) و على مدى عشرة سنوات أرتفعت ميزانية التسمين إلى إثنين مليار جنية إضافة إلى تأهيل ما يقارب مائة طالب دراسات عليا (ماجستير – دكتوراه) في العديد من الجامعات السودانية. فالبحث العلمي (مستخدماَ علم الإحصاء) ساعد كثيراً في ترقية الإستثمار بمركز البحوث في صناعة الاعلاف و الإنتاج الحيواني و التي أيضاً وثق لها في العشرات من الأوراق التي نشرت في مجلات علمية محلية و عالمية إضافة للعديد من الكتب التي أصدرها المركز عن تسمين الماشية و إستخدامات المولاس في تغذية الحيوان. لذلك هنالك أهمية ذات عائد إقتصادي كبير بإضافة الإنتاج الحيواني للإستثمار في شركات السكر السودانية.

قبل أيام قليلة كان إمتحان للطالبة شيماء التوم  والتي حضرت دراسة لدرجة الدكتوراه بأكاديمية السودان للعلوم في مجال إنتاج الألبان بالسودان. و قد كانت الدراسة التي أجرتها الطالبة لفترة عامين عبارة عن مسوحات إحصائية تفصيليه ل 213 مزرعة ألبان بخمسة ولايات بوسط و شرق السودان شملت المنتجين و العاملين بهذه المزارع ( العمر + المستويات العلمية + الحالة الإجتماعية + طرق أدارتهم لمزارعهم) إضافة لسلالات الأبقار و طرق رعايتها و تسكينها و تغذيتها … ألخ. حقيقة الدراسة كانت ملخص إحصائي ممتاز يفيد كثيراُ لوضع خطة لتطوير قطاع الألبان بالسودان و قد اعجب بها كثيراً الممتحن الخارجي و الداخلى للطالبة و التي أوضحت بطريقة رقمية دقيقة تدني إنتاجية الأبقار من السلالات المحلية و الهجين بسبب غياب الأسس العلمية الصحيحة لتغذية الأبقار و رعايتها و تسكينها في الحظاير إضافة إلى غياب السجلات للأبقارالتي تفيد كثيراٌ في متابعة و ترقية الإنتاج وتسويق المنتجات.

فالإحصاء ذا أهمية لتطوير و ترقية الإستثمار في الموارد المختلفة لرفع العائد الإقتصادي. و تأهيل الإنسان هو الأساس لتنمية المجتمعات و تطويرها و زيادة العائد من الموارد الإقتصادية بالبلاد لذلك هنالك أهمية للإستفادة من الخبراء السودانيين للإرشاد و تدريب العاملين في العديد من المجالات المهنية للإنتاج إضافة إلى وضع برامج لتدريس مادة الإحصاء إعتبارا من مرحلة الأساس بطريقة مبسطة و الى مرحلة الجامعة. فالدول المتقدمة في العالم كان للإحصاء و الإحاطة العلمية الدقيقة بكل ما لديهم من موارد بشرية و إقتصادية سبباً أساسياً للمستوى المتقدم الذي وصلوا أليه في مجال التنمية.

و الله من وراء القصد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *